قبل أن نبحث عمن يقود حملة المقاطعة وبأي خلفيات وأهداف يحركها، دعنا نتساءل بداية: من يستهلك البنزين والماء المعدني وبعض مشتقات الحليب في المغرب؟ هل هم الفقراء الذين يشكلون «ظاهرة قروية بامتياز»، بتعبير أحمد الحليمي، والذين مازالوا يعانون العطش والعزلة في عدد كبير من المناطق؟ هل تستهلكها الطبقة الوسطى التي تمثل 59 في المائة من سكان المدن و45 في المائة من سكان القرى، والتي يقل دخل جزء كبير منها عن 3500 درهم، حسب مندوبية الحليمي؟ سيكون ضربا من الضحك على الذقون إذا نحن اعتقدنا أن من لا يتجاوز دخله 3500 درهم يدخل الماء المعدني والبنزين والياغورت ضمن احتياجاته اليومية. هذا، طبعا، إذا اعتمدنا أرقام المندوبية السامية للتخطيط، التي تعتبر نصف المغاربة طبقة وسطى، أما إذا رجعنا إلى تقرير البنك الدولي الأخير، فإن الطبقة الوسطى في المغرب تتراوح ما بين 15 و25 في المائة فقط، أي أن الملايين ممن تصنفهم مندوبية الحليمي ضمن الطبقة الوسطى هم في الحقيقة أقرب إلى الفقراء، وعلاقتهم بالمحروقات وقنينات الماء والياغورت تبقى افتراضية. ولعل وعي أخنوش بهذا الأمر هو الذي دفعه إلى القول إن الحملة التي استهدفت مقاطعة شركته «أفريقيا»، وشركة مريم بنصالح «سيدي علي» وشركة «سنطرال دانون» التي باعها الهولدينغ الملكي للفرنسيين، في سياق تخليه عن الصناعات الغذائية، هي حملة لا توجد سوى على الأنترنت. لكن، إذا كانت حملة المقاطعة لا توجد إلا في حواسيب وهواتف من أطلقوها، فما الذي يزعج أخنوش منها، ويدفع صديقه، وزير الاقتصاد والمالية إلى الذهاب إلى مؤسسة تشريعية منتخبة لمهاجمة المقاطعين بعنف، بل وإلصاق تهمة تحريك المقاطعة بحليفه الحكومي الأول، حزب العدالة والتنمية؟ وما الذي «جعّر» عادل بنكيران، مدير الإنتاج بشركة «سنطرال دانون»، وجعله يخرج عن جادة الصواب، ويتهم المقاطعين بخيانة الوطن؟ في الحقيقة، إن الشركة التي يُخشى أن تطالها حملة المقاطعة، هي شركة التجمع الوطني للأحرار، التي يجاهد أخنوش والذين ينفخون في «خنشة» لجعلها تكتسح انتخابات 2021، وقطع الطريق على إخوان العثماني الذين، رغم كل تنازلاتهم، بات وجودهم في الحكومة كمُقام المسيح بين اليهود. أخنوش يعرف أن «الفئة العليا» من الطبقة الوسطى أصبحت ميؤوسا منها بعدما أظهرت، أساسا منذ 2011، أنها تمردت على ممثليها التقليديين، أي الليبراليين والاشتراكيين، سواء بالتصويت للإسلاميين، أو بمقاطعة الانتخابات، لذلك فهو، ومن يراهنون عليه، باتوا متخوفين من اتساع عدوى الوعي، وانتقالها إلى «الفئة الدنيا» من الطبقة الوسطى والفقراء الذين يُخشى انفلاتهم من قبضة الأعيان وأعوان السلطة، خصوصا أن حملة المقاطعة، التي ظاهرها اقتصادي واجتماعي، تستهدف شركات ارتبطت بأسماء شخصيات تراهن عليها السلطة سياسيا، مثل عزيز أخنوش ومريم بنصالح، أو اللوبي الفرنسي الذي أصبح محط رفض شعبي يتسع يوما بعد يوم. ثمة تحول آخر من المؤكد أنه سيثير انزعاج ومخاوف أخنوش، وهو التحاق فنانين مثل لطيفة رأفت والستاتي ودنيا باطما وعصام كمال وعادل الميلودي… الذين عادة ما كانوا يتوسطون بين الطبقات الشعبية والسلطة، بحملة المقاطعة. لذلك، يحق للسيد أخنوش ومن يراهنون عليه أن ينزعجوا من هذه الحملة ويخافوا على شركتهم السياسية التي باتت مهددة بالإفلاس.