بعد أسابيع من التوتّر الصامت والاتصالات السرية، يلتقي المبعوث الأممي الجديد في ملف الصحراء، هورست كوهلر، بوفد مغربي يقوده وزير الخارجية والتعاون ناصر بوريطة، وذلك بالعاصمة البرتغاليةلشبونة. كوهلر كان قد طلب من طرفي نزاع الصحراء وكل من الجزائر وموريتانيا، إلى لقاءات ثنائية في العاصمة الألمانية برلين، لكن المغرب تحفّظ على هذا المسار، إلى أن أعلنت الرباط نهاية الأسبوع الماضي، الاتفاق على عقد اللقاء في البرتغال. التفسير الذي أجمعت عليه مصادر "أخبار اليوم"، يتمثل في رفض المغرب الخضوع لضغوط جبهة البوليساريو، والتي حاولت جاهدة تصوير الدينامية التي دعا إليها كوهلر في برلين، على أنها مفاوضات مباشرة بينها وبين المغرب. كوهلر استقبل في برلين كلا من زعيم جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، ووزيري خارجية كل من الجزائر وموريتانيا. وزارة الخارجية والتعاون أصدرت بلاغا يوم الجمعة الماضي، يعلن أن وفدا مغربيا "سيتوجه، يوم الثلاثاء المقبل، إلى لشبونة لإجراء مناقشات ثنائية مع السيد هورست كولر، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء المغربية". البلاغ أوضح أن الوفد المغربي، الذي سيقوده ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، "يضم السادة عمر هلال، الممثل الدائم للمملكة المغربية لدى الأممالمتحدة، وسيدي حمدي ولد الرشيد، رئيس جهة العيون الساقية الحمراء، وينجا الخطاط، رئيس جهة الداخلة وادي الذهب". وحرصت الخارجية المغربية على القول إن هذا اللقاء "الثنائي" يأتي بدعوة من المبعوث الشخصي، ويندرج "في إطار التعاون الدائم للمغرب مع الأممالمتحدة من أجل التوصل إلى حل سياسي نهائي للنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية". وختمت الخارجية المغربية بلاغها بالقول إن الوفد المغربي ستُوجهه خلال هذا اللقاء أسس الموقف الوطني "كما تم التأكيد عليها في الخطاب الذي وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، للأمة بمناسبة الذكرى ال 42 للمسيرة الخضراء يوم 6 نونبر 2017". الشروط التي سينتقل الوفد المغربي غدا إلى لشبونة حاملا إياها، تتجسد حسب نص الخطاب الملكي الأخير بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، في رفع "لا" كبيرة ضد أي حل لقضية الصحراء، "خارج سيادة المغرب الكاملة على صحرائه، ومبادرة الحكم الذاتي، التي يشهد المجتمع الدولي بجديتها ومصداقيتها". ثاني الشروط الملكية يتمثل في الاستفادة من الدروس التي أبانت عنها التجارب السابقة، بأن المشكل لا يكمن في الوصول إلى حل، وإنما في المسار الذي يؤدي إليه. "ثالثا، الالتزام التام بالمرجعيات التي اعتمدها مجلس الأمن الدولي، لمعالجة هذا النزاع الإقليمي المفتعل، باعتباره الهيأة الدولية الوحيدة المكلفة برعاية مسار التسوية. رابعا، الرفض القاطع لأي تجاوز، أو محاولة للمس بالحقوق المشروعة للمغرب، وبمصالحه العليا، ولأي مقترحات متجاوزة، للانحراف بمسار التسوية عن المرجعيات المعتمدة، أو إقحام مواضيع أخرى تتم معالجتها من طرف المؤسسات المختصة". الخبير المغربي المتابع لملف الصحراء، عبدالمجيد بلغزال، قال ل"أخبار اليوم" إن أهم ما يميّز هذا اللقاء هو نقل مكانه من ألمانيا إلى البرتغال، "وذلك ردا على محاولات البوليساريو تصوير لقاءات برلين على أنها مفاوضات مباشرة، وتأكيد على أن المغرب مازال قادرا على فرض شروطه". بلغزال أوضح أن من غير الممكن "ولا المنطقي، تصوّر انطلاق مفاوضات مباشرة في ملف عصي مثل ملف الصحراء، بعد كل ما مر به من جمود وأزمات". بلغزال شدّد على أن جبهة البوليساريو تحاول انتزاع ما يوحي بانطلاق مفاوضات مباشرة مع المغرب، بهدف تنفيس أزماتها الداخلية، "والمرتبطة بصعوبات الانتقال التنظيمي الداخلي وما يواجهه إبراهيم غالي من صعوبات، ثم بما نتج عن أزمة الكركرات، والتي اعتبرتها بعض الأطراف داخل الجبهة تفريطا في ورقة مكّنت من إعادة الملف إلى صدارة الأولويات الدولية". وفيما كانت الوفود المغربية التي شاركت في جولات المفاوضات واللقاءات السابقة حول الصحراء، تضم كلا من مدير المخابرات المغربية الخارجية، ياسين المنصور، إلى جانب وزراء الخارجية، كما كانت تعرف حضور رئيس المجلس الملكي للشؤون الصحراوية؛ قال بلغزال إن التحاق رئيسي جهتي الصحراء بالوفد المغربي يرتبط بالسياق الدولي الحالي، والذي يتسم بمعركة الثروات والصراع حول تمثيلية الصحراويين. "رئيسا الجهتين يشاركان باعتبارهما يمثلان الإرادة الديمقراطية والفعلية للساكنة"، يقول بلغزال.