بوابة الصحراء: يونس دافقير إلى حدود منتصف نهار الجمعة الماضية، لا أحد كان يعرف ما إن كان المبعوث الأممي هورست كوهلر، سيتوجه إلى الاجتماع التأطيري لمجلس الأمن الدولي حول الصحراء، المقرر منتصف هذا الشهر، دون أن يكون قد أجرى مباحثاته مع المسؤولين المغاربة، على شاكلة اللقاءات التي عقدها مع ممثلي كل من البوليساريو ووزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل بالعاصمة الألمانية برلين. بالنسبة للجزائريين، بدا الأمر وكأنه «أزمة» بين الرباط والمبعوث الأممي، ووجدت الديبلوماسية الجزائرية الفرصة مواتية لسلسلة تسريبات تزيد من تعميق الشرخ. لقد كانت الخطة واضحة: أن يظهر للعالم أن المغرب يعرقل مهمة المبعوث الأممي. وفي تندوف كانت قيادة البوليساريو متلهفة لحضور المغرب إلى برلين، كان هدفها الأساس، مثلما يظهر في تصريحات مسؤوليها، أن ينخرط المغرب في مفاوضات مباشرة جديدة، أو أن يتم تسويق مواقفه على أنه تعنت ديبلوماسي. وفي الرابعة من مساء الجمعة الماضية، ستضع الخارجية المغربية حدا لكل هذا الالتباس والمناورات، بلاغ رسمي يعلن أن وفدا مغربيا سيتوجه، غدا الثلاثاء، إلى العاصمة البرتغالية لشبونة «لإجراء مناقشات ثنائية» مع هورست كولر. ويضم الوفد الذي سيقوده ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، كلا من عمر هلال، الممثل الدائم للمغرب لدى الأممالمتحدة، وسيدي حمدي ولد الرشيد، رئيس جهة العيون الساقية الحمراء، وينجا الخطاط، رئيس جهة الداخلة وادي الذهب. ويظهر من نص البلاغ أن مشاركة المغرب في هذا اللقاء الثنائي «تأتي بدعوة من المبعوث الشخصي»، وهي «تندرج في إطار التعاون الدائم للمغرب مع الأممالمتحدة من أجل التوصل إلى حل سياسي نهائي للنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية». قبل لشبونة.. حكاية ميونيخوبرلين وأول ما يلفت الانتباه في هذا البلاغ هو تأكيده على أن الأمر يتعلق ب«مناقشات ثنائية»، وهي مقاربة مغربية مغايرة تماما لما تحول البوليساريو والجزائر أن توحيا به في برلين، أي أن اللقاءات مع كوهلر هي عبارة عن «مفاوضات غير مباشرة». في حين ما فتئ المغرب يؤكد في تصريحات مسؤوليه الديبلوماسيين أن ليس هناك أي مفاوضات، حتى الآن، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة. وفي خلق الفارق الواضح بين «اللقاءات الثنائية» و«المفاوضات غير المباشرة» أبدى المغرب تحفظه على المشاركة في اجتماعات برلين مثلما لم يتجاوب قبل ذلك مع رغبة المبعوث الأممي في عقد اجتماع بمدينة ميونخ الألمانية، على هامش الدورة ال54 لمؤتمر الأمن، الذي جرى في الفترة بين 16 و 18 فبراير الماضي. كانت فكرة كوهلر أن يكون هذا المحفل الدولي حيث تناقش نزاعات اليمن وسوريا وليبيا وقضايا أمنية دولية أخرى فرصة لإجراء مباحثات ثنائية مع مسؤولي الديبلوماسية المغربية، لكن الصحف الجزائرية ستكشف أن نفس الدعوة وجهت لوفدي البوليساريو والجزائر، وحينها سيقرر المغرب عدم التجاوب مع دعوة كوهلر، ما سيدفعه إلى نقل اللقاءات إلي العاصمة الألمانية برلين، ومرة أخرى لم يستجب المغرب لدعوة حضور هذه اللقاءات، فسواء تعلق الأمر بميونخ أو برلين، كان الأمر سيبدو «مفاوضات غير مباشرة» وهو ما كان سيخدم أجندة الانفصاليين الذين كانت عبارة حدوث «مفاوضات غير مباشرة » كافية لهم في إطلاق بروباغندا ديبلوماسية جديدة، خصوصا وأن أوضاع الأزمة في تندوف كانت تبحث لها عن متنفس خارجي وبأي ثمن.. وفي الواقع كان هناك سبب آخر يدفع الرباط لأن تبدي تحفظها على اجتماعات العاصمة الألمانية، كانت تجربة المبعوث الأمريكي السابق كريستوفر روس ماتزال ماثلة في الأذهان، فمن خلال سلسلة اللقاءات التي عقدها فوق التراب الأمريكي خلق ما يمكن تسميته ب«أمركة» المسار التفاوضي، وبدلا من أن يكون روس مجرد موظف أممي ينفذ توجيهات مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة، صار متمتعا بغطاء الأمريكي، وفي برلين كان كوهلر يريد بدوره أن يقوم ب«ألمنة» الملف الأممي، خصوصا وأن ألمانيا ستحصل على عضويتها في مجلس الأمن الدولي سنة 2019. وفي كل هذا المسار الذي قطعه المغرب وكوهلر قبل الاتفاق على الاجتماع في العاصمة البرتغالية لشبونة، لم تكن هناك أزمة بين الطرفين وإن بدا في الواجهة أن هناك برودا أو فتورا في دينامية التواصل العلني، كانت تجربة «مانهاست» ماتزال حاضرة بقوة في ترتيبات «لقاءات برلين»، ولذلك كان من واجب المحاور المغربي أن يبحث عن الوضوح في منهجية الاشتغال وضوح مغربي ينصت لتوضيحات كوهلر ويظهر من البلاغ الذي أصدرته الخارجية المغربية الجمعة الماضية بشأن لقاء لشبونة، أن كوهلر يعرف مسبقا الموقف المغربي، حيث أكد أن «الوفد المغربي ستوجهه خلال هذا اللقاء الثنائي أسس الموقف الوطني، كما تم التأكيد عليها في الخطاب الذي وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، للأمة بمناسبة الذكرى ال42 للمسيرة الخضراء يوم 6 نونبر 2017». وهذا معناه أن كوهلر الذي قال في لقائه الأول بالمسؤولين المغاربة في الرباط إنه جاء إلى الرباط «ليستمع فقط»، سيكون عليه هذه المرة أن يجلس إلى وفد مغربي جاء الدور عليه ليستمع إلى كوهلر، ليعرف ما يريده من مهمته الأممية، وإلى أين سيسير بقطار المفاوضات التي دعا إليها مجلس الأمن في حال انطلقت رسميا. قبل أن يبدأ كوهلر جولته في المنطقة حين تسلمه ملف الصحراء من الأمين العام الأممي سنة 2017، كان الملك محمد السادس قد حدد في خطاب المسيرة الخضراء من نفس السنة المرجعيات الثابتة للموقف المغربي من الدينامية التي يريد إطلاقها أنطوينيو غوتيريس ومبعوثه الشخصي إلى الصحراء، وقد أوردها بوضح في أربعة عناصر أساسية: «أولا: لا لأي حل لقضية الصحراء، خارج سيادة المغرب الكاملة على صحرائه، ومبادرة الحكم الذاتي، التي يشهد المجتمع الدولي بجديتها ومصداقيتها. ثانيا: الاستفادة من الدروس التي أبانت عنها التجارب السابقة، بأن المشكل لا يكمن في الوصول إلى حل، وإنما في المسار الذي يؤدي إليه. لذا، يتعين على جميع الأطراف، التي بادرت إلى اختلاق هذا النزاع، أن تتحمل مسؤوليتها كاملة من أجل إيجاد حل نهائي له. ثالثا: الالتزام التام بالمرجعيات التي اعتمدها مجلس الأمن الدولي، لمعالجة هذا النزاع الإقليمي المفتعل، باعتباره الهيأة الدولية الوحيدة المكلفة برعاية مسار التسوية. رابعا: الرفض القاطع لأي تجاوز، أو محاولة للمس بالحقوق المشروعة للمغرب، وبمصالحه العليا، ولأي مقترحات متجاوزة، للانحراف بمسار التسوية عن المرجعيات المعتمدة، أو إقحام مواضيع أخرى تتم معالجتها من طرف المؤسسات المختصة» ومن الواضح، ومن خلال هذه العناصر الأربعة للمرجعية التي تؤطر الموقف المغربي، أن كوهلر يعرف جيدا سقف المباحثات المغربية والخطوط الحمراء التي تؤطر أية عملية تفاوضية جديدة، ولذلك ينتظر منه المغاربة أن يكشف عن تصوره للمسار التفاوضي، خصوصا وأنه مطالب منتصف هذا الشهر بأن يقدم لمجلس الأمن الدولي مقترحاته لتطوير المسلسل الأممي الذي توجد معيقاته ومفاتيحه الأساسية في الجزائر، وليس في مخيمات تندوف. والسؤال الأصعب الذي سيكون عليه الإجابة عنه هو هل سينجح في إحضار الجزائر إلى طاولة النقاش باعتبارها طرفا متسببا في النزاع، أم أنه سيساير أطروحتها التي ما فتئت تقول أنها غير معنية به؟ وخارج ذلك هنا بديهيات أممية ستحدد مباحثات برلشونة ومن بينها أن، كوهلر موظف أممي لديه مهمة سياسية تجري في إطار الأممالمتحدة وليس أية منظمة إقليمية أخرى، كما أنه غير معني بنقاش الثروات، أو وقف إطلاق النار الذي هو من اختصاص المينورسو، مثلما أن قضايا اللاجئين هي اختصاص منظمة غوث اللاجئين. وخارج ذلك سيكون المغرب غير مستعد لإعادة تكرار مسار مانهاست الذي كان تكلفته بالنسبة للمغرب أكبر بكثير من فوائده.