بعد تعبير جبهة "البوليساريو" عن استعدادها للانتقال إلى العاصمة الألمانية برلين، قصد إجراء مفاوضات غير مباشرة مع المغرب بشأن قضية الصحراء، كشفت مصادر جد مطلعة أن وزير الشؤون الخارجية والتعاون، ناصر بوريطة، اعترض على الخطوة، مشترطا على المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، "هورست كوهلر"، نقل الاجتماع الثنائي إلى العاصمة المغربية الرباط. يأتي هذا جوابا عن دعوة "كوهلر" طرفي نزاع الصحراء إلى إجراء مفاوضات غير مباشرة بالعاصمة الألمانية برلين، سعيا منه إلى تحريك المفاوضات بين المغرب والبوليساريو في النزاع الذي عمّر عقودا. خطوة المبعوث الأممي، تأتي في سياق تحركاته داخل إفريقيا وأوروبيا، وأهمها اللقاء الأخير الذي جمعه برئيس الاتحاد الإفريقي، الروندي "بول كاغامي"، ورئيس المفوضية الإفريقية، "موسى فقي" في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، فضلا عن اللقاء الذي جمعه بمفوض الأمن والسلام الجزائري، "إسماعيل شرقي" في العاصمة البلجيكية بروكسيل، والتي تؤكد رغبته الكبيرة في إقحام مؤسسة الاتحاد الإفريقي في نزاع الصحراء، رغم رفض المغرب لذلك، عبر تأكيده غير ما مرة أن ملف الصحراء هو اختصاص حصري للأمم المتحدة. هذه المتغيرات في ملف القضية، قد تشكل بداية أزمة صامتة بين المغرب والمبعوث الأممي الجديد، من شأنها التسبب في نسف المفاوضات غير المباشرة قبل بدايتها. في هذا السياق، أكد بوريطة في تصريح ل"اليوم24″، أن المبعوث الأممي، لن يزور العاصمة الرباط هذا الأسبوع، نافيا أن يكون أي وفد مغربي قد انتقل إلى العاصمة الألمانية قصد استهلال مفاوضات غير مباشرة بخصوص قضية الصحراء. من جهة أخرى، انتقل أول أمس الأربعاء، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الموريتاني، "إسلكو ولد أحمد إزيد بيه" إلى برلين، قصد حضور المحادثات الثنائية بناء على دعوة وجهت إليه من قبل "هورست كوهلر" لتمثيل بلاده، باعتبارها عضوا مراقبا .الوفد الموريتاني الذي ضم كلا من المستشار في الرئاسة الموريتانية "محمد الأمين الداده، ومدير التعاون الدولي بوزارة الخارجية والتعاون "جار الله إنله"، يحضر المحادثات بعد خلاف سابق مع المبعوث الأممي السابق "كريستوفر روس"، الذي اتهم موريتانيا بالسلبية في المساهمة في حلحلة الملف، من خلال "الركون للصمت وعدم المبادرة لتقديم تصور أو رؤية، قد يكون من شأنها الدفع بعجلة مسار التسوية الأممية لنزاع الصحراء" . عبدالمجيد بلغزال، الخبير في ملف قضية الصحراء، يرى أن موقف المغرب من الدخول في مفاوضات بشأن القضية طبيعي، اعتبارا لكونه يستند إلى الإطار العام المحدد لذلك، والمتمثل في عدم تجاوز سقف مقترح الحكم الذاتي، وحرصه على تحجيم مسارات محادثات المبعوث الأممي، موضحا أن سند ذلك موجود في خطاب المسيرة الخضراء الأخير، حيث حسم الملك محمد السادس موقف المغرب ب"اللاءات الثلاث"، مما يؤكد عدم استعداد المغرب للتفاوض خارج الإطار المرجعي المتمثل في قرار الإحالة، الذي تقدم به المغرب سنة 2007 وتضمن مقترح الحكم الذاتي، بعد حالة الجمود المطلق التي لفّت القضية إذ ذاك، إضافة إلى وثائق مخطط التسوية الأممي التي أكدت أن ملف الصحراء اختصاص حصري للأمم المتحدة. بلغزال فسر رغبة الجبهة الانفصالية في استهلال المفاوضات وتقديم رأسها في اللقاءات الثنائية التي جمعتها مع "كوهلر"، خلافا لما كان عليه زعيمها الراحل، بكون ذلك اختيارا سياسيا، ناتجا عن وضعية الجمود الحالي التي أدخلت الجبهة في وضعية تآكل، وعمقت تردي الأوضاع الاجتماعية للمخيمات، فضلا عن ظهور مؤشرات أخرى كالتهريب والمخدرات، وبروز تيارات داخلية، واصطدام قيادة الجبهة الجديدة بالبنية القديمة، معتبرا أن دخولها في مفاوضات جديدة رهان بالنسبة إليها لإعادة التوازن الداخلي المفقود. المتحدث أشار إلى تحركات "كوهلر" لتوسيع مسارات التفاوض، وربطها باعتراض المغرب على ذلك ومحاولته تحجيمها وتضييق خانة أطراف القضية باعتبارها سيادية لا جدوى من إقحام أطراف أخرى فيها، لافتا الانتباه إلى أن من بين أبرز أسباب الخلاف مع المبعوث الأممي السابق، "كريستوفر روس"، هو هذا الأمر.