بعد الجدل، الذي رافق ما راج حول إلغاء مادة الفلسفة من اختبارات البكالوريا المهنية، وتعويضها بمكون التربية الإسلامية، وتتمة للصراع، الذي دشنه صدور مقرر التربية الإسلامية، الخاص بمستوى الثانوي التأهيلي، وتوجه أساتذة الفلسفة بأصابع الاتهام إلى الوزارة المسؤولة، ونعت المقرر الجديد ب"الوهابي"، بالنظر إلى ما تضمنه من مواقف، قالوا إنها مسيئة للفكر الفلسفي، وبالتحديد على مستوى تمرير مواقف معادية للفلسفة، والفلاسفة، وانتشار مواقف متباينة هنا وهناك، وصلت حد تبادل النعوت، وتلبس أفكار مسيئة للفلسفة والدين معا، (بعد كل هذا الجدل)، يتضح أن العلاقة بين الدين، والفلسفة محكومة بسوء فهم كبير؛ تزداد هوته اتساعا بفعل تغلغل الفهم الإيديولوجي فيهما معا. يمكن للمرء أن يتخذ موقفا سلبيا من الفلسفة، كما يمكن له أن يبني موقفا معادياً للأفكار الدينية، وهذا طبيعي جداً بالنظر إلى الترسبات " اللافلسفية"، و"اللادينية"، التي أسس لها بعض دعاة الفكر الإيديولوجي، إذ لم تكن رؤيتهم للدين، كما الفلسفة، مبنية على تعاطي موضوعي، وفق مقومات علمية، ومنهجية، بل تمثل الحقائق، انطلاقا من أحكام مسبقة تضع الفلسفة في دائرة الشك من جهة، وتنظر إلى الدين ك"انقلاب" على ثقافة الله من جهة ثانية، والنتيجة الاعتقاد في أن الفلسفة قرينة للإلحاد، وأن الدين تعاطي مغلوط من "الميتافيزيقا"، مع أن مشروع الفلسفة، في العمق، لا ينفصل عن مشروع الدين، في سياق تأمل، وفهم حقائق الإبداع في الكون، وهذا ما تنشده الفلسفة في سيرورتها، ومساهماتها الوظيفية في إنتاج التصورات. إن التعاطي المغلوط لممارسة "التفلسف"، ومعه ممارسة التدين، يغيب الحقيقة، ويسهم في انتشار التطرف، ويزرع الشعور بالعدم، لأن في الفهم المغلوط تتيه الحقيقة، ويكثر التأويل في "الزحام"، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على توظيف الفلسفة لتحقيق أهداف لا تمت بصلة إلى مشروع تنمية الحس الفني، والجمالي، والإبداعي للفرد، وقبل هذا وذاك تمكينه من شروط مساءلة واقعه، والأمر نفسه ينطبق على فهم الدين، حيث تغيب حقيقة الأنس بين الحكمة والشريعة. وطبعا، ما يؤسس لتقريب وجهات النظر بين الفلسفة والدين، قدرتنا على الفهم قبل الجدل، ثم بعد ذلك الحوار قبل الحكم، وفي هذا إثراء لمشروع " المصالحة" بين الفلسفة، والشريعة.