بعد الجدل الذي رافق صدور مقرر التربية الإسلامية الخاص بمستوى الثانوي التأهيلي، وتوجه أساتذة الفلسفة بأصابع الاتهام للوزارة المسؤولة، ونعت المقرر الجديد ب"الوهابي"، بالنظر إلى ما تضمنه من مواقف قالوا إنها مسيئة للفكر الفلسفي، وبالتحديد على مستوى تمرير مواقف معادية للفلسفة والفلاسفة، نظم مدرسو الفلسفة والتربية الإسلامية بمدينة خنيفرة، أمس السبت، ندوة علمية في موضوع "الفلسفة والدين: التجاور والتحاور"، بقاعة المحاضرات في ثانوية "أجدير" التأهيلية. الندوة العلمية، التي شارك فيها أساتذة من خنيفرة ومكناس، انطلقت من الجدل المفتعل بين الفلسفة والعقيدة، والذي بلغ مداه بعد صدور المنهج الجديد لمادة التربية الإسلامية، حيث حاول المشاركون توضيح العلاقة بين العقل والنقل، وإبراز السياق التاريخي المنتج لعلاقة الرفض القائمة بينهما، خاصة خلال مرحلة العصر الوسيط، حينما احتد الصراع بين "ورثة" الفيلسوف أرسطو، الذي قال بأزلية العالم، وبين المتكلمين من الفقهاء، الذين اعتبروا أن مقاصد الفلاسفة لا علاقة لها بمقاصد الفقهاء. وفي هذا الإطار، ركزت مداخلة بعض المشاركين على ضرورة إبراز الخلاف الذي نشأ بين أبو الوليد ابن رشد وأبو حامد الغزالي، والتنبيه إلى الأخذ بعين الحيطة والحذر من مبدأ "التكفير"، الذي سلكه الغزالي في مواجهة بعض الفلاسفة، لأن المسألة تستوجب تفكيك المسائل الفقهية التي صنعت اللغط، وأججت غضب الغزالي تجاه الفارابي. في سياق آخر، أكد بعض المتدخلين أن التحديات التي يعيشها العالم اليوم، جعلت النقاش حول علاقة الفلسفة بالدين، نقاشا عقيما لا يعدو كونه ترجمة لأفكار إيديولوجية محضة، على اعتبار أن التحديات التي يواجهها الدين، هي نفس التحديات التي تواجه الفلسفة، ومن ثمة أصبح لازما البحث عن صيغة تحقق الامتداد بين الفكرة الدينية والفكرة الفلسفية، طبعا لما يخدم الإنسان في كينونته ووجوده. وحذر أحد المتدخلين من النقاش العمومي الغارق في التنظير، وهو النقاش الذي عمر لقرون من الزمن، ولم يحقق للإنسان أي نتيجة، سواء على مستوى الفكر الديني، أوعلى مستوى الفكر الفلسفي، الذي لا يعدو كونه منهجا في الحياة، يعطي للوجود الإنساني غاية ومعنى، لأن ما يسجله الواقع هو عدم الارتباط بين الفكرة وامتداداتها العملية، أو بتعبير المفكر المغربي طه عبد الرحمان " التلبس السلوكي للأفكار"، وهي النتيجة التي استقر عليها رأي المتدخلين.