في مشهد سياسي لم يخلُ من الغرابة، ظهر وزير العدل عبد اللطيف وهبي ليقدم نموذجًا جديدًا يمكن تسميته ب "وهبيولوجيا الخطاب"، حيث يمتزج التهور بالسخرية، ويتحول الخطاب السياسي إلى أداء مسرحي لا يخلو من الفوضى. تصريحاته الأخيرة، التي تضمنت إساءة واضحة للملك وسمعة المغرب، لم تكن مجرد زلات عابرة، بل كشفت عن أزمة في بنية المسؤولية السياسية وعمقًا غير مسبوق في انحدار الخطاب الرسمي. لطالما اعتُبرت السياسة فن القيادة المبنية على التعقل والالتزام، لكن في زمن "وهبيولوجيا"، أصبحت أقرب إلى عرض ارتجالي، حيث يتنافس الخطاب المزاجي مع الشعارات الفارغة. وهبي، في دفاعه المتسرع والعشوائي، أضاف لمسته الخاصة، مرددًا "أنا الوزير، أنا الوزير"، وكأنه يحاول إقناع نفسه قبل الآخرين بمكانته. السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل نحن أمام سياسة أم مجرد استعراض شخصي أشبه ب "وان مان شو"؟
فوكو اعتبر أن الخطاب أداة لإنتاج السلطة وتعزيزها، لكن وهبي حوله إلى أداة للفوضى. بدلًا من استخدام الخطاب لتعزيز صورة الدولة واحترام مؤسساتها، أصبح منبرًا لفرض نزعة فردية تعكس انفصالًا واضحًا بين المسؤولية والأداء. "وهبيولوجيا الخطاب" ليست مجرد كلمات متسرعة، بل هي فلسفة جديدة للسياسة المزاجية، حيث تُستبدل الحكمة بالصراخ، والعمق بالسطحية. إذا كان فوكو وهيغل يريان أن الأحزاب تجسد الروح السياسية للدولة، فإن الأحزاب المغربية اليوم، في ظل "وهبيولوجيا"، تبدو كأنها فقدت بوصلتها. كيف يمكن لحزب سياسي أن يقدم شخصية بمزاج متقلب وسلوك همجي لقيادة وزارة العدل؟ هل أصبحت الأحزاب مراكز لإعادة تدوير الرداءة بدلًا من إنتاج قيادات مسؤولة ومؤهلة؟ في الوقت الذي تشهد فيه البلاد نزيفًا مستمرًا للعقول والكفاءات، نجد أن الساحة السياسية تُملأ بشخصيات تعتمد على "وهبيولوجيا الخطاب" للترويج لنفسها. هذا التناقض يعكس أزمة عميقة في الهوية السياسية المغربية، حيث يتم تهميش العقول لصالح شخصيات تفتقر إلى الرؤية والوعي، مما يُعمق الفجوة بين المواطن والدولة. لا يمكن لهذا العبث أن يستمر دون تدخل جذري يعيد هيبة السياسة وقيمها. إصلاح المنظومة يتطلب أولًا وأخيرًا تجاوز فلسفة "وهبيولوجيا" التي اختزلت السياسة في مسرحية عبثية. وكما قال كانط، المسؤولية الأخلاقية هي أساس أي نظام سياسي مستقر، ويجب أن تُبنى السياسة على القيم لا على الانفعالات. "وهبيولوجيا الخطاب" ليست سوى وجه آخر لأزمة السياسة المغربية، حيث يتراجع العمق لصالح السطحية، ويختلط المزاجي بالرسمي. المغرب اليوم بحاجة إلى نخب سياسية تتجاوز هذا العبث وتعيد للخطاب السياسي هيبته. وكما قال أرسطو: "السخرية مكانها المسرح، أما السياسة فهي ميدان العقل." فهل سيشهد المغرب نهاية لزمن "وهبيولوجيا" وبداية لعصر جديد من المسؤولية؟ أم أن وهبي اختار أن يكتب كتابه الخاص بعنوان "فن الاستفزاز السياسي"؟