الإعمال الإبداعية ل(جورج برنارد شو 1856 – 1950) هي التي فرضت نفسها وحضورها في المسرح العالمي بما تركته من تأثيرات كبيرة على الثقافة الإنسانية؛ لان يقيننا بان لا إبداع يتحقق إلا وفق آلية معقدة من البناء الثقافي والمعرفي وإمكانية (المبدع) في تشكيلها؛ حيث يقوم بتنظيم آلياتها لتعبير عنها في أعمال أدبية وفنية هادفة، ف(المبدع) الحقيقي هو الذي يمتلك عمقا معرفيا وإدراكا واطلاعا على المنجزات الثقافية لمختلف شعوب الأرض أكانت تراثية أو حديثة أو معاصرة؛ ليستفاد منها لتكوين خزينته المعرفية والثقافية والتي تؤهله لتعبير عن موضوعات تلامس واقع المجتمعات التي يعيش فيها من اجل توعية الإنسان وإشراقه بثقافة وأفكار و بقيم إنسانية راقية تنير عقليته وسلوكه في المجتمع، لان في مجمل الأعمال الفكر من الأدب.. والفن.. والحضارة الإنسانية.. هي سلسلة متواصلة غير منقطعة من تراكمات فكرية تطرح لخدمة الإنسانية ورفدها بكل ما يعزز قدرات الإنسان في الرقي والازدهار والتحضر والتي تتكون وتتواصل نموها عبر مراحل التاريخ . ومن هنا فان التجربة الإبداعية التي تم توظيفها من قبل (برنارد شو) تم عبر مخزونه الثقافي ومن خلال خصوصيته وما استوحاه من موضوعات محلية وتراثية وعالمية؛ وعلى ضوء ذلك تم توظيف أدواته لإيجاد طقوس وعلاقات ضمن محيطه لهدف التغير وتوعية الإنسان ولتحسين سلوكه وتصرفاته اليومية ؛ لتفرض حضورها؛ ومن ثم تؤسس لها هوية خاصة في مجال الإبداع تمتلك القدرة على استقطب وإثارة الإعجاب ولفت الأنظار، وكل ذلك لا يتم للمبدع – أي كان ومنهم (برنارد شو) – ما لم يتم استجابة لتجارب تراثية وتاريخية وواقعية واجتماعية وتفاعله مع الحداثة لتنطلق من خصوصية المبدع وانتمائه لمحيطه الجغرافي؛ ليكون ما يقدمه (المبدع) ذو خصوصية لظروف البيئية ولها سمات اجتماعية هادفة بعيدا عن التقليد ومحاكاة الآخرين، فكلما كان المبدع قادرا على خلق خصوصية التميز كلما تقدم خطوة لتأسيس عملا إبداعيا هادفا ومؤهلا ليوازي تجارب الفنية العالمية . ف(برنارد شو) ما كان يصل بفنه وإبداعه إلى العالمية إلا من خلال قدرته على استلهام محيطه المحلي الذي عاش فيه وقد أثار إحساسه، وهو كإنسان جمع بين تراكمات معاناته وما ذاقه من مرارة الحياة وقسوتها وهذه المعاناة هي التي صنعت مفرداته . ف(برنارد شو) هو الإنسان جمع بين تراكمات المعاناة ليصنع منها مفردات لغته بوعي وإحساس تخاطب الأفئدة، ونحن نعلم بان (الكتابة) ما هي إلا أداة لتخفيف معاناة ألروح واغترابها من واقع المعاش فرض على المبدع فرضا؛ وهكذا جهد (برنارد شو) ومن خلال إمكانياته في استنطاق كل مفردات التاريخ والموروث والحياة الاجتماعية المحلية؛ فحقق نجاحه محليا ليتجه بعد ذلك في تكريس إبداعه عالميا، بعد إن أخذت إبداعاته وأعماله المسرحية تترجم وتسافر إلى مختلف مدن العالم وتلاقي نجاحا باهرا؛ بكونها كانت تحمل تجديدا وأسلوبا مغايرا عما كان سائدا؛ كونه طعم مسرحه بنكهة طقوس من (السخرية) الهادفة بطابعها المحلي والتراثي ويرسل إشارات زمانية ومكانية ضمنا و وفق خصوصية ودلالات لغوية معبرة عن واقع المجتمع من اجل التغير ومن اجل أهداف إنسانية نبيلة، مما استقطبت أعماله المسرحية اهتمام كل شعوب الأرض بما أثار فيهم متعة التأمل وفضول المعرفة، وهذا ما قاد اكبر رؤساء العالم مقابلته من (ستالين) و(تشرشل) وملوك وأمراء آخرين . حياته وإبداعه ف(جورج برنارد شو 1856 -1950) كاتب مسرحي اعتبر رمزا للأدب الساخر الهادف؛ ومن أهم كتاب المسرح الاجتماعي؛ ولد في (دبلن – أيرلندي) وفي صباه غادر إلى (لندن – بريطانيا) وعاش فيها حتى وفاته، ورغم انه ترك الدراسة منذ الصغر ولكنه اصقل موهبته بكثرة المطالعة وقراءة لكتب الفلسفة والأدب واطلاعه على شتى أنواع الفنون وإبداعات الكتاب، ولكونه كان شديد تأثير بوالده، إذ كان منذ الصغر يرافقه في الذهاب إلى العمل؛ وقد عرف عن ولده بكونه شخص عنيد وسكير و ذو نكتة خفيفة، فورث هذا الطفل الشيء الكثير من خفة الدم والده وسخريته؛ والتي شكلت هذه الميزة – فيما بعد – الإطار العام لإنتاجه الفكري، لنستشف من ذلك حجم تأثير البيئة على سلوك (برنارد شو) منذ نعومة أظافره والتي تعد إحدى الأسباب لإبداعه الأدبي؛ وكما تأثرت علاقة البيئة الحاضنة له بعد انفصال والديه على سلوكه؛ مما اضطر الاعتماد على نفسه في كسب الرزق؛ رغم كونه رافق والده العمل منذ الصغر، ليكتسب (برنارد شو) خلال هذه الفترة الكثير من تجارب الحياة، فقد أمعن في تتبع ومراقبة حياة الفقراء بشكل مباشر؛ مما اتخذ من تلك الصور مشاهد حقيقية لتكوين أفكار لرواياته وقصصه ومسرحياته، فقد تعاطف مع معاناتهم مما جعله من اشد مناصرين ومدافعين عن حقوقهم، ومما عمق هذا الاتجاه في تفكيره و ولوعته بالقراءة ومتابعة الأفكار التقدمية الاشتراكية بشكل ملفت؛ فكان كثير التردد إلى دور الكتب والمكتبات العامة ليقرأ وليثقف نفسه بالعلم والمعرفة، رغم انه ترك دراسته ولم يتواصل التعليم المدرس بكونه اعتقد بان نظام التعليم في المدارس الحكومية تفرض عليه التلقين الإجباري، فاعتبر ذلك شيء من التقيد لحريته واعتبره سجن لا يطيقه، فرفض فكرة التعليم من اجل التحصيل الدراسي؛ فترك دراسته لأنه لم يجد فيها ما يبغي في توسيع معرفته بالتأمل والبحث والتفكير الحر والمطالعة، فشغف بفكرة التعليم من اجل العلم والمعرفة وتوسيع مدارك الإنسان لا من اجل الحصول على شهادات مدرسية، وهكذا اخذ يوسع مدركاته الفكرية بمزيد من المطالعة والقراءة والتأمل في الفكر الإنساني وفي علوم الأدب و الفلسفة متأثرا بالأفكار التي تتضمنها هذه الكتب ودلالاتها الخيالية والجمالية ولغتها العلمية، وكان تركيزه يتجه نحو الكتب الاشتراكية وكتابات (ماركس) و(انجلز)، فاخذ يتعمق في مناهجها من اجل وصول إلى براهين ونتائج كي يتيقن على ما يذهب إليه، ومن تلك المعطيات اخذ (برنارد شو) يفحص تجارب الحياة وظواهرها ليعتمد على تجسيدها عبر الرؤية وحدس وخيال وكأدوات فكرية وفلسفية يأخذ منها أسلوبا واتجاها أدبي ليتنفس فيها عبر كتابة مسرحيات هادفة يكتب فيها عما يكابده وبلغة تعبيرية جمالية صيغت بطابعها الفلسفي؛ فتناول شتى مواقف الحياة؛ فاتت مسرحياته برؤية فلسفية، لان (برنارد شو) تيقن بان لا يمكن لأي معنى إن يصل إلى هدفه ما لم نعيش تجربة ذاتها؛ فأنت لا تعرف معنى (الحب) ما لم تعش تجربته؛ وهكذا مع كل تجارب الحياة، ومن خلال هذه التجربة تستطيع حين ذاك إن تفلسف في ذلك الاتجاه لتصل إلى مستوى الدهشة التي هي تعطي للعمل الأدبي والفني قيمته الجمالية . ومن هنا فان مخيلة (برنارد شو) خضعت لتجارب وتواصل يومي مع قضايا المجتمع، تلك القضايا التي أمعن فيها (برنارد شو) تفكيره لإبداع مفاهيم تواكب المعرفة على كل مستويات الإفراد في المجتمع؛ وليس حكرا لفئة مثقفة فحسب، لان في نظره أي عمل لا يقوم على الحقائق ولا يلامس واقع المجتمع ستكون صورته مظللة، ومن هنا لابد لأي عمل مسرحي جاد؛ يصل إلى مبتغاة في التعليم والتوعية؛ لا بد أن يكون ذلك العمل مترجما لحقيقة واقع الحياة التي نعيشها لكي يتم استيعابها بشكل معرفي نحصن أنفسنا من المنزلقات؛ وعلينا إن نكتشف ونكشف متناقضات الحياة ونأخذ منها معالجات وبشتى تأويلات وإيحاءات ودلالات بكون ذلك هو الذي يحرك الفكر الإنساني ويبعده عن الجمود؛ ليكون تجديده بتجديد الفكر وبالتعبير صادق لتكون تلك التعبيرات صالحة بمعانيها المتعددة لحياة الإنسانية وبصورة اشمل وأوسع شكلا ومضمونا، وهذا المسار هو مسار الذي اتجه (برنارد شو) وبني تشكيله وخطابه ولغته في مسرحياته والذي حافظ على توازنه المعرفي بأفضل الأحوال، لتتصف نصوصه بكونها (اجتماعية) بامتياز وبارتباطها بأيدلوجية (اشتراكية)، فكان مناصرا ومدافعا عن هذه ألأيدلوجية؛ حيث اعتبر (برنارد شو) أحد مفكري ومؤسسي (الاشتراكية الفابية)، وقد انخرط في العمل السياسي؛ وبدأ نشاطه في مجال الحركة (الاشتراكية)، وقد تأثر بنظرية (التطور) وكان من الملحدين المتسامحين مع الأديان وانضم للجمعية (الفابية) – وهي جمعية (انكليزية) سعى أعضاؤها إلى نشر المبادئ (الاشتراكية) بالوسائل السلمية – إن إيمان (برنارد شو) بالفكر (الاشتراكي)، والتي صار بفضها إعماله تلاقي اهتمام النقاد والجماهير وتستقطب التفاتاتهم بأفضل صورة؛ بكونه نجح في استقطاب الجناح الثقافي والاجتماعي من أفراد المجتمع إلى مسرحياته وقد سلك في إيصال أفكاره (الاشتراكية) ضمن القضايا (الاجتماعية) عبر أسلوب (السخرية) التي تميز (برنارد شو) باتجاه قضايا السياسة.. والعلم.. والدين.. والاجتماع، ليجعل منه أسطورة في عالم المسرح لحجم ما استخدم فيها عبارات (السخرية) و(ضروب ألهجائه) و(الطرفة أو النكتة الخفيفة) لتتداول إلى يومنا هذا؛ فما تخلو مسرحية من مسرحياته ذات الطابع الاجتماعي منها؛ بتناول مشاكل الحب والفلسفة والسياسة وقضايا الاجتماعية بأسلوب شفاف؛ لتكون تلك الأعمال مرآة لهموم المجتمع من جهة ولألمه من جهة أخرى؛ وقدمها بأطروحات لا تخلو من السخرية وإبداعها وبنكهة تلامس هموم الإفراد التي تميز بها نتيجة وعيه في كيفية تكوين عباراتها بما امتلك من معرفة وأدوات متقنة وثقافة عالية، ليكون مسرحه نموذجا للأدب الهادف؛ سعيا لتطوير الفكر والوعي المجتمعي من اجل صناعة عالم أفضل . لقد تمكن (برنارد شو) من خلال وعيه ونظرته العميقة للحياة خلق فلسفة متميزة ومنفردة في إبداعه المسرحي، لتشكل مضامينها المقدمة عالما من المسرح الحديث، لأنه استطاع تغير أسلوب المسرح التقليدي عبر نظرة واقعية؛ تقدم المسرحية من خلال طرح موضوعا فلسفيا ليتم فيها تقديم تحليلات نقدية حول المضمون المقدم؛ كما في مسرحية (بجماليون – سيدتي الجميلة) على سبيل المثال وليس الحصر، فيتم ربط موضوع المسرحية التي يقدمها الكاتب بأفكاره، وهذه إحدى مميزات حداثة المسرح؛ والتي ارتبطت بخصوصية الكاتب (برنارد شو)، فجل ما قدمه من مسرحيات تكون موضوعاتها تعبيرا عن مضامين وتقنيات والبني الشكلية فيها متجهة من خلال فلسفة الكاتب ونظرته باتجاه واقع الحياة الحديثة آنذاك، والتي في مجمل مسرحياته يركز عن موضوع لا يخرج إطارها من فكرة الموضوع ذاته في كيفية (دفع الحياة ) إلى الإمام وفي (قوة الحياة) ليتبنى هذا الموقف من خلال إحدى شخصيات المسرحية التي تجسد هذه المواقف، لتعبر مسرحيته عن نظرة فلسفية بمضمون عميق وذات بعد تربوي وثقافي لتتجه بنية مسرحياته في طرح أسئلة ذات أهمية في محاولة لخلق تصور معين لهذه الحالة أو لتلك، لان في نظر (برنارد شو) بان في طبيعة الإنسان ميول (غريزية) تتجه نحو الحرية والسعادة والاستقلال؛ وهذه الأمور هي من تدفع الإنسان إلى الثورة والتمرد على العادات والتقاليد، وهذه ما يقود (برنارد شو) إلى تعميق التنظير في الموضوع ويفلسفه بشكل مثير، كما نجد ذلك في مسرحية (الإنسان والسوبرمان) و (الإنسان والسلاح) و مسرحية (منزل القلوب المحطمة)، لنجد بان (برنارد شو) يقدم شخصيات متنوعة في عالم المسرح من فلاسفة.. ومخترعين.. ومفكرين.. وفنانين.. ومجددين، من اجل رفع الوعي الإنسان من اجل المعرف والكمال، في وقت الذي يركز عن طبيعة الغرائز الإنسانية والتكامل بين (المرأة) و(الرجل) وتقديم مضامين بهذا الاتجاه لتجاوز فكرة الرجعية الرجل ونظرته المتخلفة باتجاه (المرأة)، من اجل القضاء عن أي تعصب فكري باتجاهها، كما قدمها في (سيدتي الجميلة)، لان في اعتقاد (برنارد شو) أي عناد باتجاه الدوافع الداخلية ونكرانها أو محاولة لتجاوزها ما هو إلا إقرار لنهايتنا، لذ فان أي تعصب لن يجدي، وما على الإنسان إلا الاتجاه نحو (التغير) من اجل قوة الحياة الجميلة ودفعها إلى الإمام، ولهذا عكف (برنارد شو) إلى تعميق طرح الأسئلة كما هو في طبيعة الفلسفة في طرح الأسئلة من اجل الوصول إلى الحقائق، فمسرحيته تتجه بهذا الاتجاه في طرح تساؤلات مهمة في طبيعة الحياة وفي طبيعة الأشياء التي تؤثر على السعادة من منغصات الألم.. والحزن.. والحرمان؛ ومن اجل السعي الناجح إلى إمكانية الإنسان العيش بأفضل الحياة وإبقاء تواصله؛ وهي محاور رئيسية في جل مسرحياته التي يتجاوز عددها على (خمسين) مسرحية التي ما تزال تتربع على المسارح العالمية مثل (بيوت الأرامل – 1892) و (السلاح والإنسان) و(استعداد للزواج) و ( سوء الزواج ) و(القديس يوحنا) و(بيت القلوب المحطمة – 1919) و( الإنسان وسوبرمان- 1905) و( كانديدا – 1897) و( الخطيئة الأولى- 1894) و (سيدتي الجميلة او بيجماليون – 1913) التي نال عنها (برنارد شو) جائزة نوبل عام 1925، و(العابث) و(مهنة السيد وارن) و(لن تستطيع أن تتنبأ) و(تحول الكابتن براس باوند) و(قيصر وكليوباترا – 1901) و(جنيف – 1898) و (الرائد باربرا – 1905) و(ثلاث مسرحيات للمتطهرين) و (القديسة جوان) و(حيرة طبيب – 1906) و(عربة التفاح) و(على الثلج) و (حواري الشيطان – 1897) و(لا أكاد أصدق) و(جزيرة جون بول الأخرى) و(المال ليست له رائحة – 1892) و(المليونيرة – 1934) ومسرحيات أخرى، وجل إعماله المسرحية كتبها (برنارد شو) من اجل زيادة الوعي عند الإنسان ومن اجل فتح بصيرته اتجاه الحياة بما يعمق في ذاته القيم الأخلاقية لإصلاح مسيرة حياته ومن اجل قيم مجتمعية سامية، ولم يسعى (برنارد شو) من خلال كل كتباته سوى إلى هذا الهدف؛ لأنه لم يسعى إلى باعث أخر لأنه كما قال : ((إن بإمكان إن أعيش واحصل على لقمة عيش بدون المسرح)). وكما هو معروف عنه انه عاش حياة كفيفة ولم يسعى إلى الغنى وامتلاك القصور والعمارات؛ وهو الأمر الذي جعله يرفض استلام جائزة (نوبل) للآداب عام 1925 التي منحت له ولكن بعد تفاوضه مع الأكاديمية وافق على قبول الجائزة متبرعا بقيمتها من اجل تشجيع نشر إعمال المؤلفين إلى اللغة الانكليزية من بلاد الشمال أي من وطنه الأصلي (ايرلندا) بعد إن أقنعته زوجته أن استلام الجائزة بمثابة اعتراف بوطنه (أيرلندا)، لان (برنارد شو) كان متعاطفا مع الفقراء والطبقات السحيقة ومنددا بالنظام الرأسمالي الجشع، وقد ظلت مواقفه هذه قائمة حتى وفاته؛ الأمر الذي جعله يرفض زيارة الولايات (الأمريكية) حتى لا يرى تمثال (الحرية) فيها وهي الدولة التي تمتهن الإنسان ويذل فيها، ف(أمريكا) بنسبة له هي الدولة انتقلت من البدائية إلى الانحلال دون أن تعرف الحضارة وهذه هي سخرية القدر- كما يقول – ولهذا كانت ميوله (الاشتراكية) طاغية في أعمالة وتصرفاته فعلا وقولا، لذلك سخر قلمه وأدبه وفنه المسرحي من اجل مناصرة الطبقات الكادحة وقضايا الإنسانية في كل إعماله المسرحية، وقد جسد هذه المشاعر في مسرحيته (الرائد باربرا) بعد إن أعطى لكتاباته بعدا (اشتراكيا) و بعد إن تحولت حياته إلى كاتب مرموق، بعد أمد ليس بالقصير لم تحضي كتباته أي صدى عند المتلقين، ولكن بتحوله (الاشتراكي) وتسخير قلمه لقضايا الطبقات الكادحة وتميز كتباته بنقد الفكر الإنساني وبالكفاءة عالية وبما طغت عليها بطابع (السخرية اللاذعة) والتي من خلالها عبر عن هموم وتطلعات المجتمع، فلم تخلو إعماله إلا وقد صاغها وسبكها في قالب من (السخرية الخفيفة) تحمل في متنها جرعة من الضحك ولمسة من الفكاهة؛ ولكن بطابع نقدي تربوي وليس بشكل عبثي غير مجدي؛ لان إيمانه كان يتجه بان الفكاهة؛ وهي انعكاس حقيقي ل(مرآة الواقع)، فكانت كل طرائفه تتمتع بخفة وعفوية صادقة وتأتي بسرعة بديهة؛ وهذه الصفات امتزجت بشكل تام مع طبيعة شخصيته والتي تميزت بقالب خاص ومتميز؛ وقد ورث هذه ميزة في شخصيته من (والده) الذي عرف عنه بأنه كان في إي موقف يمر فيه إلا وكان يطلق تعليق بنكته وسخرية ويجهر بما يفعل؛ كونه كان على الدوام يحتسي الكثير من الخمر الأمر الذي يجعله لا يبالي بأي شيء فكان يجهر برأيه بسرعة خاطر دون مبالاة ويخالف المألوف متمردا على التقاليد السائدة، وكان(برنارد شو ) وهو في سنين الطفولة يرافقه – كما ذكرنا – فتعلم الشيء الكثير من (والده) ولكن في نفس الوقت شكل احتساء الخمر لديه رد فعل خاص بكونه تجنب احتسائها طوال حياته؛ بما طبع في ذهنه من حالة سكر (والده) فابتعد عنها؛ ولكن تعلم من سخرية (والده) وتعليقاته ونكاته العفوية وهو في حالة السكر الشيء الكثير، وقد جندها (برنارد شو) بوعي وحنكة في أدبه المسرحي بعد إن صقل موهبته في الكتابة عبر التثقيف الذاتي، ولهذا حول هذا النمط من (السخرية) إلى وسيلة لتعبير عن مفاهيم وغايات تعليمية تكون سريعة الفهم ومقبولة عند المتلقي؛ لذلك نجح (برنارد شو) في هذا السياق كل النجاح وتميز أدبه بها بشكل كبير، ولان (برنارد شو) تميز بهذا النمط من الطرفة والفكاهة والسخرية فإننا لا بد إن نذكر شي مما قاله في هذا المجال : نماذج من مواقفه وسخرياته يقال بان (برنارد شو) كان في إحدى المناسبات حين أتاه احد الصحفيين وسال (برنارد شو) عن إمكانيته في تعريف الرأسمالية…..؟ و (برنارد شو) كما هو معروف كان نحيفا وشعر رأسه قليل وذو لحية طويلة، فأجاب بسرعة خاطر: ((…الرأسمالية …(بعد أن مرر يديه على لحيته) : إنها غزارة في الإنتاج، ( وبعدها مرر يديه على رأسه) وسوء في التوزيع…)). و يروى أيضا عن (برنارد شو)، إن الراقصة (ايزادورا) المشهورة في بريطانيا عرضت على (برنارد شو) عرضا مغريا فقالت له: ((…أنا أجمل نساء انكلترا، وأنت يا (برنارد شو) أذكى رجال انكلترا، وأنها لفرصة لو أنجبت منك طفلا، لجمع بين جمالي وذكائك فيكون أعجوبة العصر. فرد (برنارد شو): ارفض العرض….! وقال: لأني أخشى إن يخرج الولد وقد جمع بين عقلك أنت و جسمي أنا … فيكون مصيبة العصر…. !)) . وأيضا روي عن (برنارد شو)، أن سيدة قالت له: ((لو كنت متزوجة منك لوضعت لك السم في القهوة . فأجابها (برنارد شو) : عزيزتي.. لو كنت زوجك لشربتها)). وسئل (برنارد شو) ذات مرة عن إحدى النساء إن كانت جميلة أم لا.. فقال: ((..دعني أراها عندما تستيقظ من نومها صباحا……….!)) ومن مواقف الطريفة ل(برنارد شو) أيضا، انه كان ذات مرة يتجول في المكتبات التي تبيع الكتب القديمة، فهو كثيرا ما كان يتردد إليها، فوجد إحدى كتبه بين تلك الكتب وحين رفع ليتصفح كتابه هذا فوجئ بتوقيه في إهداء خاص إلى احد أصدقاءه، وعلى الفور قام (برنارد شو) بشراء هذه النسخة وكتب تحت الإهداء الأول: ((جورج برنارد شو يجدد تحياته إلى من يحترم الكلمة حق الاحترام …..!))، وأرسل النسخة بالبريد المضمون إلى هذا الصديق . ومن مواقفه الطريفة أيضا، حين التقى (ستالين) زعيم (الاتحاد السوفيتي) الذي كان (برنارد شو) من اشد المعجبين ومن المتحمسين ومن المؤيدين لتجربة (السوفيتية)، فجرى بين الشخصين حديث مطول لأكثر من ساعة وعند ختامه قال (ستالين) عن (برنارد شو) انه ((متعب لكنه مخلص وصادق)). فقال (برنارد شو) عن (ستالين) : (( إنني شديد الإعجاب بهذا (الجورجي) الذي كان بإمكانه أن يكون ابن غير شرعي لكاردينال ارستقراطي)). ويقال أن (ستالين) أعجبته هذه الملاحظة وظل طوال سنوات يرويها في مجالسه الخاصة . و يذكر بان (برنا رد شو) حين زار (ستالين) كانت ترافقه زوجته السيدة (أستور)، والتي لم تكن تتعاطف مع التجربة (السوفيتية) ولا مع (ستالين) تحديدا، علما بان (ستالين) كان مسبقا يعلم بهذه المعلومة، ومع هذا وافق بمقابلته لها احتراما لزوجها (برنا د شو) وحين قابلته سألته: ((متى يا سيدي الرئيس ستتوقف عن قتل الناس بنفس الطريقة التي كانت تجري أيام القيصر..))، ويبدو إن (ستالين) كان يتوقع منها هذا السؤال بكونه كان لديه معلومات عن مواقفها حتى قال لها مبتسما: ((حين يتحقق السلام)) . ومن طرائفه أيضا إن (تشترشل – رئيس وزراء أنكترى آنذاك) كان صديقا حميما ل(برنارد شو) وكان يحب التحرش معه ليستمتع بسخرياته، فقال ل(برنارد شو): ((.. إن من يراك يا (شو) – و (شو) هي كلمة مختصرة كانت تطلق ل( برنارد شو) – يظن أن في (إنجلترا) مجاعة، حيث كان (برنارد شو) ذو بنية نحيفة جدا، بينما كان (تشيرشل) بدينا….!)) فأجاب (برنارد شو) على الفور: ((.. ومن يراك يعرف سبب هذه المجاعة….!)). ومن مواقف أخرى بين الرجلين هي انه ذات مرة أرسل (برنا رد شو) بطاقة دعوة إلى (تشيرشل) لحضور عرض إحدى مسرحياته ورفق معها ملاحة كتب فيها، ((بإمكانك إحضار صديق معك إن كان لك صديق…..!)). فرد (تشيرشل) الدعوة معتذرا، بكون لديه ارتباط أخر، ورافق رده بملاحظة تقول: ((أرجو أن ترسل لي بطاقتين للعرض التالي إذ كان هناك عرض……)) . أما طرائفه عن (المرأة) نذكر منها ((.. لم أشاهد في حياتي (امرأة) إلا ولها من القبح ما يغطي جمالها ……! )) . ((.. الزواج حياة شراكة، الرجل يقوم بالتدبير، والمرأة بالتبذير ……! )) . ((.. بعض النساء لديهن القدرة على تسلية أي رجل إلا الزوج…..! )) . ((.. الشخص الوحيد الذي يأمر (المرأة) بالصمت فتطيعه، هو المصور ….! )) . ((.. من قال أن (المرأة) ليس لها رأي….! (المرأة) لها كل يوم رأي جديد ….! )) . ((.. هناك رواية بوليسية مسلسلة يقبض فيها على الجاني من أول فصل….إنني أعني رواية الزواج…….! )) . ((.. (المرأة) الذكية ليست بحاجة لحق الاقتراع ولا تمانع بأن تترك الرجل يحكم طالما أنها تحكمه…….! )) . ((.. إخلاص (المرأة) كالتوابل، الإكثار منها يضر والإقلاع منها يمنع اللذة……! )) . ((.. تقلق (المرأة) على المستقبل لحين إن تجد زوجا، و يقلق الزوج على المستقبل بعد أن يجد زوجة ……! )) . ((.. يشعر (الرجل) بقوته فيغدق رحمته على (المرأة)، وتشعر (المرأة) بضعفها فتقسو على (الرجل)…..! )) . ((.. (المرأة) هي (جمع) للهموم و (طرح) للأموال و(مضاعفة) للأعداء و(تقسيم) للرجال…..! )) . ((.. لتختبر مدى تهذيب (الرجل) أو (المرأة) راقب سلوكهم أثناء التشاجر…..! )) . ومما قاله (برنارد شو) في الحكمة: ((.. نصف المعرفة أكثر خطورة من الجهل…..! )) . ((.. الصمت هو أفضل تعبير عن الاحتقار……! )) . ((.. اختر الصمت كفضيلة؛ لأنك بفضله تسمع أخطاء الآخرين.. وتتجنب أن تقع فيها…..! )) . ((.. الموضة كالوباء تنتشر بسرعة…..! )) . ((.. إن طريق الحياة تمر عبر مصنع الموت….! )) . ((.. لا يمكن أن تكون بطلا ما لم تختبر الجبن……! )) . ((.. لقد علمتنا التجارب أن الإنسان لن يتعلم أبدا من تجاربه…..! )) . ((.. يمكن للإنسان أن يصعد أعلى القمم، لكن لا يمكنه البقاء هناك طويلا……! )) . ((.. الإنسان الذي لا يعرف كيف يعيش: يستحق الموت……! )) . ((.. لا نتوقف عن اللعب لأننا كبرنا.. إننا نكبر لأننا توقفنا عن اللعب…..! )) . ((.. القاعدة الذهبية هي أنه لا يوجد قواعد ذهبية…..! )) . ((.. لو كان لديك تفاحة ولدي تفاحة وتبادلناهما بيننا سيبقى لدى كل منا تفاحة واحدة، لكن لو كان لديك فكرة ولدي فكرة وتبادلنا هذه الأفكار، فعندها كل منا سيكون لديه فكرتين…..! )) . ((.. إنني أغفر ل(نوبل) أنه اخترع الديناميت، ولكنني لا أغفر له أنه أنشأ جائزة نوبل . )) . ((.. ليس هناك سوى دين واحد ولكن بمئات من النسخ…..! )) . ((.. السعادة كالقمح ينبغي ألا نستهلكه إذا لم نساهم في إنتاجه……! )) . ((..طالما لدي طموح فلدي سبب للحياة لان القناعة تعني الموت…..! )) . ((.. عليك أن تعتني بنفسك وبأناقتك، لأنك النافذة التي من خلالها يجب أن ترى العالم …..! )) . ((.. تمتع بصحتك قبل أن يصيبك المرض، وأنفق كل ما لديك قبل أن تموت….! )) . ((.. النجاح ليس عدم فعل الأخطاء, النجاح هو عدم تكرار الأخطاء….! )) . ((.. استطاعت الإنسانية أن تحقق العظمة والجمال والحقيقة والمعرفة والفضيلة والحب الأزلي، فقط على الورق……! )) . ((.. عندما يكون الآخر قريبا؛ نفكر بحسناته وإلا سيكون تحمله أمرا صعبا، ولكن في غيابه نسلي أنفسنا بتذكر مساوئه…….!)) . إما أقواله في السياسة ((.. الانتخابات هي رعب معنوي مثلها مثل الحروب، إلا أنه لا تسفك فيها الدماء، لكنها بالنسبة للمتورطين فيها مثل الوقوع في الوحل……! )) . ((.. السلطة لا تفسد الرجال، إنما الأغبياء إن وضعوا في السلطة فإنهم يفسدونها…….! )) . ((.. الاغتيال هو إجراء متطرف من الرقابة…….! )) . ((.. أول شرط للاستمرار هو إلغاء الرقابة……..! )) . ((.. الحرية هي المسؤولية. ولهذا يخشاها معظم الرجال….! )) . ((.. تعلمت منذ زمن ألا أتصارع مع خنزير أبدا، لأنني سأتسخ أولا ولأنه سيسعد بذلك…..! )) . ((.. (الإنسان) هو الحيوان الوحيد الذي يثير رعبي.. بينما لا يشكل (الأسد الشبعان) أي أذى؛ فليس لديه أي مذاهب أو طوائف أو أحزاب……!)) . وهذه الأنماط من السخرية الهادفة تخللت في معظم مسرحياته مما أعطت لها طابعا متميز استقطبت الجماهير إليها بما إثارته في فكر ووعي وأحاسيس المتفرج، وكانت هذه (السخرية) بمثابة ترجمة صادقة لمشاعر الشعب تطرح خلجاتهم وتعبر عن حياتهم بما يعتريها من آلام.. وأحزان.. وبؤس.. وشقاء.. وآمال.. وأفراح، وهكذا كان (برنارد شو) يسلط الضوء على القضايا الاجتماعية من خلال تجربة الحياتية؛ لذلك اتجه في كتابة مسرحياته اتجاها اجتماعيا كناقد ومفكرا ليعبر عما تعانيه الطبقات السحيقة في المجتمع وتحديدا (الطبقة العمالية) التي كانت وكما التمسها من خلال تجربته في الحياة من استغلال.. واستعباد.. وقهر.. وحرمان.. وحالة الاغتراب التي كانت تسود أوساط هذه الطبقات، لذلك عمل في مسرحه على تسليط الضوء عن معاناة هذه الطبقات من اجل تحريضهم وتوعيتهم وتقويمهم؛ ليضطلع بالمسرح من مقولة (الماركسية) بمحاولة ((تغيير العالم بدلا من تفسيره…))، لان وظيفة المسرح (الاجتماعي) الذي التزم (برنارد شو) بمبادئه جعله مرآة تعكس آراءه (الاشتراكية) التي تسعى إلى إزالة الفوارق الاجتماعية بين الطبقات؛ ليعبر عن مصالح العمال وأمالهم، مسرح يتخذ من (الكوميديا) و(تراجيديا) اتجاها يمزج بينهما؛ فكان حريصا بان يقدم نصا(ميلودراما) يمزج بين الدمعة والضحك، لذلك حرص على تقديم مسرحا يتميز بناءه بوضوح الدراما مع شخصيات التي تقدم نفسها بنفسها وهي ترى وتلمس الحياة من خلال الأخر أو الآخرين، لذلك يكون الإنسان في مسرح (برنارد شو) أهم من الأداء التمثيلي وديكور المسرح لان تركيز مسرحه يقوم على الفكر (الاشتراكي)، ومن هنا تكمن صعوبة فهم مسرحه دون التوغل لمعرفة هدف المسرحية وطبيعة شخصياتها، كون (برنارد شو) كما أوضحنا سابقا انتمى إلى (الفابية الاشتراكية) وهو مذهب الذي يتجه اتجاها (اشتراكيا) ويدعو إلى المساواة والابتعاد عن الحروب وسفك الدماء دون سبب كما طرحها في مسرحية (الأسلحة والرجل) ، وبدل عن ذلك يجب الاعتماد على سياسة الجدل الفكري والحوار والنقاش كلغة بديلة عن الحروب متأثرا بآراء (هيغل) في الجدلية ومن خلال هذا الجدل كان (برنارد شو) يعالج القضايا الاجتماعية في مسرحياته، كما نلاحظ ذلك في مسرحية (بيت محطم القلب) و مسرحة (بيوت الأرامل) كما وانه كان حريصا على إن يسكب مسرحياته بنكهة كوميدية ساخرة كما نلاحظ ذلك في مسرحية (جزيرة جان بول الأخرى) التي تمتلئ مشاهدها من مقاطع مضحكة والى أقصى درجات الضحك . نماذج من مسرحياته ف(برنارد شو) طرح موضوعات لمعالجة كل ألازمات الاجتماعية محرضا ومنورا وعي الطبقات المضطهدة من اجل تغير واقعها وتغير العالم ومن اجل إيقاظ وعي الإنسان وتنشئة الإنسان قادرا على هذا التغير، ولذلك حرص (برنارد شو) على إن يقدم نصا يشارك المتفرج مع العرض لا إن يكون مجرد متلقي، ليجعل من المسرح محطة لا يتوجه المجتمع إليه بل المسرح يتوجه إلى المجتمع لكي يسعى إلى تغير المجتمع، لان (برنارد شو) أراد إن يجعل من المسرح هدفا تربويا وأخلاقيا وسياسيا من اجل ترسيخ القيم الهادفة لمجتمع وساعيا لتوفير حلول لمشكلات المجتمع و تنشئته تنشئة اجتماعية ليكون مرآة تعكس ملامح المجتمع بكل ما هو فيه من محاسن وسيئات ليحفزه بتوجيه تربوي مؤثر لتغيير واقعه وليجعل الإنسان واعيا بأفعاله ولحب الخير والفضيلة ونبذ العنف والكراهية التي تلحق الأذى والضرر العام في المجتمع، لذلك عمل (برنارد شو) من خلال المسرح ليجعله ورشة تتدرب فيها النفس الإنسانية على القيم والأخلاق النبيلة والفضيلة؛ ليتم إعادة تقدير مواقفها واعتماد على لغة المنطق والعقل كأساس لأي رأي وموقف يتخذه الإنسان ليكون مواقفه سليمة لبناء أهداف سامية؛ وليتم تحقيق هدف الإنسانية في التنمية الاجتماعية، والقدوة الحسنة، لان مسعى (برنارد شو) كان من المسرح بان يجعله أداة لتحريك الشعوب والثورة ضد الظلم والفقر والفوارق الطبقية والاضطهاد. لذلك حرض (برنارد شو) على مسرح فكري اجتماعي يتناول فيه شتى نواحي الحياة لتكون موضوعات مسرحياته منبرا لعلاج أمراض المجتمع، ومن هنا تكمن أهمية مسرح (برنارد شو) بكونه خطاب مؤثر وهادف تنطلق حبكته وفق سياق درامي كوميدي وتراجيدي من اجل إثارة المشاهد وفق مواقف طريفة وهادفة لتصل الفكرة إلى المتلقي بسلاسة وعفوية فيتفاعل مع إحداثها تفاعلا ايجابيا لتسهم في أغناء وعي المجتمع فكريا وثقافيا كي يرتقى المجتمع إلى مستوى تحمل مسؤولياته في بناء ثقافة اجتماعية تساهم لرقيه. بجماليون أو سيدتي الجميلة فلو أخذنا مسرحية (بجماليون) التي كتبها (برنادشو) والتي اشتهرت باسم (سيدتي الجميلة) بعد ان تم اقتباس فكرتها إلى فلم سينمائي عام 1935 وفاز سيناريو الفلم الذي كتبه (برنارد شو) بجائزة (أوسكار) السينمائية عام 1939 كأفضل فلم مقتبس من مسرحية (بجماليون)، وقد سبق له الفوز بجائزة(نوبل) للآداب عام 1925 ، كما ذكرنا سابقا . وتعتبر هذه المسرحية من أفضل وأروع مسرحيات (برنارد شو) حيث وجدوا النقاد ومطلعي المسرح بكونها مليئة بقيم ومشاعر إنسانية فياضة استطاع (برنارد شو) التعبير بصدق بتعاطفه مع شخصية المسرحية التي خلقها وهي ممتلئة بنزعة إنسانية عميقة؛ ومع هذه الشخصية البسيطة – ولو انه كان ضد عملية الخلق التي تعرضت هذه الشخصية وضد الفنان المبدع لهذه الشخصية – ف(برنارد شو) في هذا العمل أتقن لغته لتكون بقوة الفكرة التي انطلق في بلورتها في شخصية المسرحية.. وكيفية تقبل هذه الشخصية فكرة التعلم.. و(الاتيكيت) الكلام.. وكيفية الصرف والتكلم.. وكيفية التفكر.. وكيفية مواجه الفكرة.. وكيف وعيها بما تفعله خارج انطباعات لبيئة التي عاشت فيها.. وتعلم سلوكياتها لتواجه نمط أخر من سلوكيات هي جديدة لها . فالمسرحية بحجم عمقها الإنساني؛ هي طريفة وممتعة فكرا.. وفنا.. وإبداعا، فمسرحية (بجماليون) هي مسرحية مقتبسة من أسطورة (بجماليون اليونانية)، حيث تذهب (الأسطورة) بكون هناك نحات نحت تمثالا من الحجر المرمر لوجه وجسد امرأة، وارد أن تكون في منتهى الجمال والروعة فبالغ في صقلها وتعبير في تقسيمات وجهها وجسدها؛ لدرجة التي لم يبقى من جمالها وروعتها سوى النطق، ورمز هذه (الأسطورة) يستخدم في الإشارة إلى كل من يخلق شيئا جميلا ومميزا من أشياء عادية لا تثير المتلقي . ومن هذا المعنى اقتبس (برنارد شو) فكرة مسرحيته في (سيدتي الجميلة – بجماليون)، حيث قام بدور الفنان المبدع شخصية اسماها (برنارد شو) في المسرحية ب(البروفيسور هنري هيجنز) وصديقه (الكولونيل بيكرنغ) حيث دار النقاش بينهما حول فتاة هي (اليزا دوليتل)، التي وجدوها في إحدى الأسواق وهي تبيع الزهور و تتحدث بلغة سوقية مبتذلة التصرف ومشاكسة، فأثار تصرفات هذه الفتاة (هيغنز) ليقول لصديقه إن بإمكانه خلال فترة وجيزة أن يحول هذه الفتاة إلى سيدة أرستقراطية، عبر تعليمها أسلوب الحديث وتدريبها على (الاتيكيت) وأصول الكلام وكيفية الحديث ليحولها إلى نسخة من سيدات المجتمع الارستقراطي وخلال ستة أسابيع فقط . فيرد (الكولونيل) منطقيا هذا غير ممكن، ليقوم الرهان بين الطرفين وعلى أثر ذلك يذهب (هنري هيغنز) إلى بائعة الزهور الصبية (اليزا) ويعرض عليها أن يعلمها المنطق مقابل بعض مال يعطيه لها ومال آخر يعطيه لأبيها، فبدون تردد توافق الفتاة، فيصطحبها في كل براءة إلى منزله وتبدأ التمارين على الفور، وهو يشعر بأنه يسابق الزمن. غير أن (اليزا) لم تخيب أمل (هيغنز)، بل تتجاوب معه إلى درجة أنها خلال التمارين أبدت من الاستعداد والفهم والذكاء واللباقة ما أذهل (هيغنز)، وخلال فترة محددة، نجحت (اليزا) في كل الاختبارات التي أجريت لها، من حيث نطق اللغة وأدائها وأسلوب الحوار؛ ولقد تجلى ذلك كله خلال حفلة صاخبة أقيمت في حديقة منزل احد أصدقاء (هنري هيغنز) حيث اصطحب (هيغنز) تلميذته (اليزا) إلى الحفلة ليقدمها إلى الحفل من دون أن يكشف سرها لأحد على أنها (دوقة – أو سيدة راقية)، وبالفعل تصرفت (اليزا) بمنتهى الذوق و(الاتيكيت) وهي في غاية الجمال والأناقة، وكأنها – دوقة أو سيدة راقية – حقيقية، وهذا تصرفها اثأر ذهول (هيغنز) و(الكولونيل)، في كيفية تصرفها وكأنها من أرقى العائلات الأرستقراطية. وبهذا النجاح اخذ (هنري هيغنز) و(الكولونيل) يهنئان نفسيهما وبنجاح التلميذة وقدرتها على إقناع الجميع بأنها سيدة المجتمع الارستقراطي حقيقية، ولكن في هذه الإثناء انتبهت (اليزا) إلى أساتذتها وهم لا يقيمان أي وزن لجهد التي هي بذلته في التعليم، فهي من جهة لم تبالي كثيرا بموقف (الكولونيل) لأنها لم تهتم به رغم انه كان يبادلها الود، ولكن موقف (هنري هيغنز) أغاظها كثيرا لأنها كانت مغرمة به؛ في وقت الذي لم يلاحظ ولم يشعر بها؛ وهذا ما أحزنها؛ والآن هو يتجاهلها كامرأة وإنسانة من لحم ودم تشعر وتحس وتتألم، بكونه كان يعتبرها مجرد مادة يختبر دراساته، صحيح أنها كانت مادة طيعة بين يديه مثل المادة التي صنع منها (بيجماليون) نحته كما جاء الحديث في (الأسطورة)، لكنها في نهاية الأمر هي كائن بشري تشعر وتحس وتحب وتحزن وتبكي وهي على يقين بأنها ليست مجرد دمية مصنوعة من الحجر، وهذا الإحساس كان عند (اليزا) بينما أستاذها (هنري هيغنز) يعيش خارجه هذا الإحساس، كونه كان مهووس بعلمه وبانتصاره ولم يخطر في باله أن للمادة التي اشتغل عليها فيها مشاعر ونبض وإحساس، ففي الوقت الذي كان ينمي لدى (اليزا) أسلوب الحياة الناجح، كان يملئ قلبها حب.. وحنان.. وشوق، وحين عجزت (اليزا) من قدرة (هيغنز) فهم مشاعرها اتجاه بعد انتصاره، تذهب إلى منزل والدته، السيدة الليبرالية الواعية، وهذه إذ تؤنب ابنها و تدفعه إلى التفكير في الأمر مليا ليدرك بأن (اليزا) أصبحت جزءا من حياته، ولكن ليس على النحو الذي كانت تأمله (اليزا) . حين يتوجه (هيغنز) إليها في صبيحة اليوم التالي يطلب منها السماح والعفو ويعرض عليها أن تعود إلى منزله لتعيش معه ومع صديقه (الكولونيل) كأصدقاء، فتثير غيض (اليزا) وغضبها فهي لم تشعر بأن (هيغنز) يغدر بحبها بل إنه الآن يغدر بكرامتها أيضا، فترفض العرض كونها لا تسعى إلى الحصول على صدقة منه وصداقة أو حياة مترفة، بل إن جل ما كان تبتغي هو الحب والحنان وأن ينظر(هيغنز) إليها بنظرة الحب، لكنه (هيغنز) يرفض ذلك، فيحاول إقناعها بأن هذا الأمر يتعارض مع طبيعته، ولهذا لم يبقى أمام (اليزا) التي أصبحت إنسانة لها شخصيتها بما تمتلك من ثقة بالنفس وقدرة على مجابهة الحياة، لذلك قررت أن تخرج من حياة أستاذها لتعلن أمامه وردا على تجاهل (هيغنز) المتواصل لعواطفها كي تتزوج من فتى فقير، لكنه نبيل، يوازيها عمرها وثقافتها و كان يحبها منذ زمن بعيد، كما أنها تعلن أمام (هيغنز) أنها لم تعد راغبة من الآن وصاعدا العودة إلى بيع الزهور طالما أن لهجتها الجديدة لا تمكنها من هذا؛ لذلك قررت التوجه نحو التدريس لتصبح أستاذة صوتيات، مثل معلمها (هيغنز) بل وتسعى إلى منافسته . ومن روعة حبكة هذه المسرحية اخذ عنها الكثير من الاقتباسات ولكن في بعض من هذه الاقتباسات تم تبديل نهايتها كما ظهر في عرض الفلم (سيدتي الجميلة) حيث تخرج نهاية سعيدة إذ يرتبط (هيغنز) و(إليزا) برباط الزوج في النهاية . بيوت الأرامل اما مسرحيته (بيوت الأرامل) والتي تعتبر من مسرحيات التي تتناول القضايا الاجتماعية فيها سكب (برنارد شو) كل مقومات والأسس التي أقام وبني عليها مسرح (برنارد شو) الاجتماعي فكريا وفنيا وضمن اتجاه الاشتراكي، فالمسرحية كتبت وعرضت في بداية العقد الأخير من القرن التاسع عشر، يدور موضوعها حول الطبيب الإنكليزي الشاب اسمه (ترنش) الذي يلتقي وهو في رحلة على ضفاف نهر (الرين) بصبية شابة إنكليزية تدعى (بلانش) فيقعان في قصة حب، ولكن حين يلتقي (ترنش) بوالد حبيبته (بلانش) وكان يدعو (سانتوريوس) يكتشف بأنه شخص بخيل جشع حقق ثروة الهائلة من خلال استغلال الفقراء وتأجيرهم منازل متهالكة آيلة على السقوط ولا تتمتع بأي ميزات صحية، ولا يقوم بصيانتها على الإطلاق، لان كل هم (سانتوريوس) هو الحصول على الأموال، ومن خلال تواصل الإحداث يكتشف (ترنش) من خلال موظف يعمل لدى (سانتوريوس) جشاعة هذا الأخير وإجرامه، ولذلك حين استطلع على مجمل سيرة عائلة خطيبته؛ فانه يطلب من خطيبته أن تتزوجه من دون أن تقدم أية أموال، فهو لن يقبل أي مال في حياته يأتي من مصدر غير نزيه و قذر إلى هذا الحد، لكن خطيبته (بلانش) ترفض ويتوقف مشروع الزواج، ولكن الموظف الذي كان قد فضح الحكاية كلها والذي كان يعمل عند والد خطيبته يتدخل ويصلح الأمور فيما بينهم، بكونه ذكر بأن والدها أقام مؤخرا بإنشاء مشروع سكني بمال نزيه؛ ليكون هذا المدخل حلا وسطي يسهل قبول كل طرف بالآخر وعودة الخطيبين بعضهما إلى بعض……! الرجل والسوبرمان إما مسرحية (برنارد شو) التي تربط بين وهم الأفكار وحتمية الواقع هي مسرحية (الرجل والسوبرمان) التي تعتبر من أطول مسرحياته كونها تتألف من أربعة فصول طويلة، فالموضوع الأساس للمسرحية يأتي عبر تفسير يخضع السجال حوله من خلال (حلم)، ليشكل هذا الحوار في المسرحية ما يمكننا أن نسميه (مسرحا داخل المسرح)، حيث يتداخل في المسرحية الصراعات والشخصيات والسجال والأحداث والأفكار والمواقف المتنوعة والمتناقضة في بعض الأحيان، إلى درجة إننا نشعر فيها بأننا أمام أمرين الأول (أمام الواقع) و الثاني (أمام الحلم) . ف(برنارد شو) أرد أن في هذا العمل أن يطرح الأفكار والهموم التي كانت تشغل أفكاره وهو يتطلع إلى القرن العشرين وهو يطل على تطورات مجتمعية تحمل في طياتها صراعات الأفكار والمبادئ وعلى كاف أصعدة الحياة، حيث (المرأة) تتطلع قدما لأخذ حقوقها، وانتشار الأفكار التطورية (الدارونية) والوجودية والليبرالية والاشتراكية والى غيرها من الأفكار الاجتماعية، لذلك جاءت المسرحية بكونها أشبه بدروس فكرية التي أراد (برنارد شو) طرحها. فالموضوع رغم كونه طرح للأفكار إلا أن المسرحية أخذت طابعا كوميديا، فالمسرحية تسلط الضوء عن فتاة محاطة بوصيين من أساتذة بعد وفاة والدها، الأول يدعو (رامسدن) رجل كبير في السن وذو توجهات ليبرالية و صديق العائلة والثاني يدعو (جون تانر) وهو ذو نزعة ثورية ومؤلف ثوري، ومن هنا تتضح حجم التنافس بين الشخصيتين، فالأول صاحب القيم يتبنى أفكار تقدمية و يعارض أفكار الثاني الذي يتبنى أفكار (داروين) الذي يتجه اتجاها لتامين ولادة (إنسان سوبرمان)، ولهذا فانه يحمل أفكار غريبة، حيث يعتقد بان (المرأة) هي المسيطرة على الرجل، حتى حين يعتقد الرجل أنه هو المسيطر، ومن هنا فان الفتاة الحسناء (آن وايتفيلد) تتطلع لزواج منه سرا، ولكنه يتهرب من هذه الفكرة لأن في اعتقاده بأن الزواج والزوجة سيحولانه إلى كائن (بيولوجي)، فالزواج في ضنه سيضع حدا لنشاطه الفكري؛ بكون حسب اعتقاده في نظرية التطور بان وظيفة (المرأة) هي العمل على إبقاء النوع البشري عبر الحمل والولادة، و رغم أفكاره الغريبة هذه إلا أن (آن وايتفيلد) مغرمة ب(جون تانر) الذي لا يتنبه إلى هذا، معتقدا بأنها ستتزوج من (اوكتافيوس روبنسون)، بكون صديقه مغرم بها حد الجنون، ولكن الأمور تتعقد حين يجتمع الحضور لمناقشة وصية والد (آن وايتفيلد)، ليعلن إن (فيوليت) شقيقة (أوكتافيوس حامل)، لكنها لن تبوح باسم رجلها، ولهذا فان (رامسدن) و(أوكتافيوس) يفاجئان بهذا الخبر، لكن (جون تانر) يثني على شجاعة (فيوليت) حين تكشف هوية رجلها وهو (هكتور) أمريكي الجنسية، فهم يتزوجان سرا في انتظار وصول (والد هكتور) من أميركا، في هذه الأثناء اخبر سائق (جون تانر) بان (آن وايتفيلد) تحبه وحين علم بهذا الأمر قرر الهروب لكي يتجنب أية فكرة عن الزواج، فيتوجه هو وسائقه إلى (سييرا نيفادا – الاسبانية)، ولكن أثناء فراره يتم القبض عليه وعلى سائقة من قبل زعيم قطاع الطرق المتمرد (مندوزا)، ليتبين لنا انه كان في الأصل صبي فندق وكان مغرماً ب(لويز) أخت السائق لكنها رفضته، في اختصار صار (جون تانر) وسائقه في الأسر، و بعد حوار طويل ومتشعب مع زعيم قطاع الطرق المتمرد (مندوزا)، يخلد إلى النوم ليحلم بأنه – وهنا تبدأ القصة المسرحية تتداخل لتشكل المسرح داخل المسرح – وفي (الحلم) يرى دون جوان (تينوريو) بملامح (جون تانر)، و(الدونيا آنيا) رمز (المرأة) الكاملة في الأوبرا الشهيرة – ولها ملامح (آن وايتفيلد)، كما نرى التمثال والشيطان تباعا، أولهما له ملامح (رامسدن) والثاني ملامح (مندوزا) لتتعالى دراما المسرحية إلى مشاهد من الحوار والسجال والصخب بين الشخصيات الأربعة، حيث جميعا معا في الجحيم ، لكن هذا (الجحيم) ليس هنا مكانا للعذاب بل هو مملكة من ملذات عابرة وخيالات حادة؛ وكلها هذه الأمور هي تناقض مع عقل (جون تانر) . وهذا التناقضات التي تطرح هنا هي من صميم أفكار (برنارد شو) الذي حاول طرحها بعمق في هذه المسرحية، ومما طرحه قوله بان (الشيطان) هو في ذات الرجل لم يخلق سوى الحروب والدمار، بينما خلقت (المرأة) النوع الإنساني، وتتشعب الحوارات لتناول مفاهيم عن (الحب) و(الرومنطيقية) وما إلى ذلك، لينتهي الحلم ب(آن وايتفيلد) التي كانت تسعى إلى الزواج من (السوبرمان)، وحين لم تجده ولم يتحقق لها هذا الحلم تقرر أن تصنعه بنفسها، وهنا يصحو (جون تانر) ومعه (مندوزا ) من هذا الحلم، ليعلما بأن (آن وايتفيلد) تبحث عن (جون تانر)، وجردت حملة لذلك، لتنتهي الأحداث على خير، وبالشكل الذي يرضي المتفرجين، إذ يرضخ (جون تانر) في نهاية الأمر لقوة الحياة وبيولوجيتها مجسدة ب(آن وايتفيلد) و متخليا عن أفكاره . ويذكر هنا بان (برنارد شو) كتب مسرحية (الرجل والسوبرمان) في عام 1903 وهو في مقتبل العمر كنت أفكاره في أوج النضج لذلك عمل على تفلسف في لغة فن المسرح، ولهذا يقال لمسرحية (الرجل والسوبرمان) بأنها (ملهاة فلسفة) كونها من انضج مسرحياته على الإطلاق . كلمة الختام ولهذا سيبقى (برنارد شو) كاتبا (اشتراكيا) استطاع بلورة المفاهيم (الاشتراكية) بشكل سليم في مسرحياته التي تميزت بطابعها الاجتماعي العقلاني والتربوي والتثقيفي، ليجل من شخصياته محاورا لمعالجة الكثير من مشاكل الفلسفية التي طرحت من خلالها والتي واكبت عصر النهضة وما أفرزته من أفكار؛ ليتخذ لنفسه اتجاه لم يحد عنه لإرساء قيم (الاشتراكية) التي تزكي مصالح المجتمع على المصالحة الأفراد الذاتية الأنانية، وهذا الموقف الذي تبناه (برنارد شو) عبر عنها بأسلوب جاد وصادق وهادف؛ ليعطي صورة واقعية لما يتناوله، فهو لم يسعى للمبالغة في عملية تجديد للأشكال الفنية للمسرح؛ بقدر ما سعى إلى تجديد مضامين النص المسرحي وتحديدا في مساعيه في إيجاد أعلى درجات (السخرية) ولا سيما في المواضيع الجادة؛ لكي تصل الفكرة إلى المتلقي بشكل مؤثر ومقبول، ولهذا اشتهر موضوعات مسرحياته بهذه (السخرية) الهادفة، لتتحول النصوص عنده إلى نصوص فكاه.. وتعليق ساخر.. ونكتة خفيفة.. ولكن لها مغزى ودلاله عميقة في الفكر، كونه حول كل ما تناول قلمه من موضوعات جادة إلى (سخرية) هادفة لها دلالات فكرية في غاية الأهمية في أسلوب النقد الغير المباشر؛ سواء ما كان يتعلق أمرها بالحرب أو الحب أو العنف أو القضايا الاجتماعية الأخرى لدرجة التي باتت (السخرية) الحسنة والهادفة نقطة متميزة في عالم (برنارد شو) المسرحي . فواد الكنجي / العراق