بايتاس: البرلمان صادق على 36 قانونًا في الدورة الأولى من السنة التشريعية 2024-2025    سباق التسلح في مجال الطائرات المسيّرة.. المغرب ضمن تحالفات جديدة وتنافس دولي متصاعد    السلطات تمنعُ جماهير الوداد من السفر لمباراة اتحاد طنجة في الجولة 25    سلا.. الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تعقد جمعها العام العادي    "الويفا" يوضح سبب إلغاء هدف ألفاريز ويبحث مراجعة القوانين    الرجاء يطرح تذاكر مواجهته أمام المغرب التطواني    رصيف الصحافة: السلطات تخوض حربا ضروسا على الأغذية الفاسدة    جماهير "الماص" لن تنتقل للقنيطرة    نقابة تستنكر اقتحام مركز طبي    تعيين ابنة الحسيمة ليلى مزيان عميدة لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بن مسيك    "قفف جود".. الفضيحة التي تكشف خبايا آلة أخنوش الانتخابية وشريكه بايتاس    مستشار الرئيس الفلسطيني يشيد بالدعم الموصول للملك محمد السادس للقضية الفلسطينية    بوتين "يؤيد" هدنة لمدة 30 يوما في أوكرانيا لكن تعرقلها "خلافات دقيقة"    تعيين وفاء شاكر مديرة للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة الشمال    ارتفاع نسبة ملء السدود في المغرب    بايتاس يرفض التوضيح بخصوص "استغلال" شاحنة جماعاتية لأغراض انتخابية ويكشف حجم تصدير زيت الزيتون    الملك محمد السادس يهنئ قداسة البابا فرانسيس بمناسبة ذكرى اعتلائه الكرسي البابوي لحاضرة الفاتيكان    التكنولوجيات الحديثة والممارسات السلطوية الرقمية    أمطار قوية وتساقطات ثلجية وهبات رياح من الخميس إلى السبت بعدد من أقاليم المغرب    إلغاء رحلات بحرية بين موانئ بالمغرب وإسبانيا لسوء الطقس    جرائم فساد مالي تُلاحق زوجة هشام جيراندو    التجسس الجزائري في فرنسا: سر مكشوف وتغيرات إقليمية تقلب الموازين    ظاهرة فلكية نادرة مرتقبة فجر يوم غدٍ الجمعة    قالها ملك البلاد‮: ‬أحزاب‮ ‬تستعجل القيامة‮..!‬    "المحكمة الدستورية تُقر قانون الإضراب وتُبدي تحفظات على ثلاث مواد    مجلس الحكومة يطلع على اتفاقين دوليين موقعين بين حكومة المغرب وحكومتي بنين وأنغولا    قناع الغرب.. البروتوكولات المضللة 12- الأكاذيب الآمنة في يد السلطة    في ندوة «التمكين الاقتصادي للنساء ومساهمتهن في التنمية الاقتصادية والاجتماعية» بنيويورك .. لطيفة الشريف: تمكين المرأة اقتصاديا يرتبط بشكل كبير بوصولها إلى موارد مالية وتحسين الإطار القانوني والتشريعي    أمطار قوية من الخميس إلى السبت    مكاسب في تداولات بورصة البيضاء    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    الهواري غباري يؤدي "صلاة الخائب"    الحسيمة.. أمطار الخير تنعش منطقة أيت أخلال وتعزز الآمال في موسم زراعي ناجح    جديد دراسات تاريخ الأقاصي المغربية: التراث النوازلي بالقصر الكبير    الوكالة المغربية لمكافحة المنشطات تكرم الدولي السابق محمد التيمومي    المغرب يحتل المركز السادس عربيًا وإفريقيًا في الحرية الاقتصادية لسنة 2025    لمجرّد يكشف تفاصيل عمليته الجراحية ويطمئن جمهوره    صحيفة إسبانية: المغرب فاعل رئيسي في قطاعي السيارات والطاقة المتجددة    أخبار الساحة    فضل الصدقة وقيام الليل في رمضان    يسار يعرض "لمهيب" في مركب محمد الخامس    أزيد من 25 مليون مصل في المسجد الحرام خلال العشرة الأولى من رمضان    السعودية تسعى لإنشاء مختبر للكشف عن المنشطات والمحظورات في المنافسات الرياضية    المغرب يواصل البحث عن "النفق السري" نحو سبتة باستخدام أجهزة استشعار وكاميرات    عدوى الحصبة تتراجع في المغرب    ماذا يحدث للجسم إذا لم يتناول الصائم وجبة السحور؟ أخصائية توضح    الاحتراق الإبداعي..    أداء الشعائر الدينيّة فرض.. لكن بأية نيّة؟    توقعات أحوال الطقس ليوم الخميس    "حماس" ترحب بتراجع ترامب عن دعوة "تهجير سكان غزة"    دراسة: الوجبات السريعة تؤدي إلى تسريع الشيخوخة البيولوجية    المضيق-الفنيدق: حجز أزيد من 640 كلغ من المواد الغذائية الفاسدة    بوحموش: "الدم المشروك" يعكس واقع المجتمع ببصمة مغربية خالصة    أوراق من برلين .. قصة امرأة كردية تعيش حياة مليئة بالتناقضات    من الخليج إلى المحيط… المَلكيات هي الحلّ؟    دراسة: التغذية غير الصحية للحامل تزيد خطر إصابة المولود بالتوحد    أطعمة يفضل الابتعاد عنها في السحور لصيام صحي    بنكيران .. القرار الملكي لا يدخل ضمن الأمور الدينية وإنما رفع للحرج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



درس في نبل رسالة الصحافة
نشر في اليوم 24 يوم 29 - 01 - 2018

في قاعة مغلقة جمعت مالكة صحيفة «الواشنطن بوست»، كاثرين غراهام، ورئيس التحرير الأسطوري للجريدة العريقة، بن برادلي، تسأل صاحبة الجريدة رئيس التحرير: "ما هي عواقب نشر أوراق البانتغون التي تفضح أسرارا خطيرة عن حرب الفيتنام؟"، فيرد بن برادلي بصراحة ووضوح: "السجن والإفلاس يا سيدتي. كل طاقم المحامين التابعين للجريدة ينصحون بعدم نشر هذه الوثائق التي تكشف 30 سنة من الأكاذيب الحكومية على الشعب، خاصة بعد صدور قرار استعجالي من المحكمة يوقف النشر الذي بدأته جريدة ‘‘نيويورك تايمز'' حول 7000 وثيقة تكشف الأخطاء الكارثية لحكومات متعاقبة في حرب فيتنام التي قتل فيها الآلاف من الأمريكيين".
هنا تقف الناشرة غراهام شامخة وتقول بلا تردد: «ما فائدة جريدة إذا لم تنشر ما يهم الأمريكيين؟ ولماذا تصلح الصحافة إذا خافت سلطة السياسيين في البيت الأبيض وتخلت عن دورها؟ انشر الأوراق يا بن برادلي على مسؤوليتي، وغدا إذا أقفل نيكسون هذه الجريدة، أو ذهبنا إلى السجن، فلن يلومنا القارئ على هذا، لكن الجمهور سيلومنا غدا إذا عرف أنه كانت تحت أيدينا معلومات تهم دماء أبنائه وأموال ضرائبه ولم ننشرها».
الحوار أعلاه حقيقي، وإن كان في قالب درامي من "أوراق البانتغون"، وهو الفيلم الجديد للمخرج الأمريكي العبقري Steven Spielberg، وبطولة ميريل ستريب التي جسدت دور كاثرين غراهام، مالكة جريدة «الواشنطن بوست»، وTom Hanks الذي مثل دور رئيس التحرير بن برادلي، الذي دافع عن نشر أخطر تقرير عن حرب فيتنام الذي سربه أخطر رجل في أمريكا «دانييل إلسبيرغ»، على حد وصف وزير خارجية أمريكا آنذاك، هنري كسنجر.
الفيلم، الذي يعرض في صالات السينما منذ أسبوع، يحكي قصة حقيقية عن الفترة الذهبية التي عاشتها الصحافة الأمريكية، حيث وضعت "نيويورك تايمز" يدها، سنة 1971، على حوالي 7000 وثيقة من تقرير شامل أعده البانتغون بطلب من وزير الدفاع، روبرت ماكنمارا، ولما أوقف القضاء النشر بطلب من الحكومة، إلى غاية النظر في جوهر القضية، سلمت "نيويورك تايمز" الأوراق ل«الواشنطن بوست» التي وجدت نفسها أمام قرار خطير يعرضها للسجن والإفلاس، وربما إغلاق الجريدة، لكنها تحملت وقررت النشر بتشجيع من رئيس التحرير.
ما هي خطورة هذه الوثائق التي ختمت كلها بطابع سري جدا؟ خطورتها تكمن في أنها تكشف أن إدارة الرئيس ليندن جونسن استعملت الحرب في فيتنام وسيلة للدعاية في الانتخابات، معرضة أرواح الأمريكيين للخطر لأسباب تخص الرئيس ولا تخص الأمن القومي الأمريكي، كما أن أوراق البانتغون تكشف تجاوز الرئيس صلاحيات الكونغرس في تحديد أهداف الحرب ومساحتها ووسائلها، كما تكشف الأوراق تجاوز الرئيس صلاحياته، واعتداءه على صلاحيات وزير الدفاع والقادة الميدانيين في إدارة العمليات الحربية. وقبل هذا وبعده، تفضح وثائق البانتغون أن الحرب كلها كانت خطأ، وأن كلفتها كانت كبيرة على الأمريكيين والفيتناميين، وأن الحرب لم تكن قدرا محتوما.
خروج فيلم Pentagone Papers في هذا التوقيت رسالة إلى البيت الأبيض، حيث يوجد رئيس في البيت الأبيض يكره الصحافة ويحاربها عبر تغريدات طائشة في «تويتر»، لذلك، يقوم المخرج سبيلبرغ بجولة في أمريكا وخارجها ليروج الفيلم الجديد، الذي قال إنه من نوع «أفلام الصحافة التي تتخذ من جنس التحقيق الصحافي منطلقا لرواية قصة فنية مليئة بالدلالات المهمة».
قصة أوراق البانتغون درس في «رسالة الصحافة»، ودورها في الحياة العامة.. درس للناشرين الذين يخافون على مقاولاتهم من نشر الأخبار الحساسة والتحقيقات الحارقة، ولرؤساء التحرير الذين يخافون الغرامة أو السجن، ولعموم الصحافيين الذين يفضلون أن يمسحوا أحذية السياسيين والأثرياء عوض أن ينزعوها من أرجلهم، ليظهروا للجمهور نوع الجوارب التي يلبسونها.
هذا الدرس يقول إن العمل الصحافي يحتاج إلى استقلالية تحريرية، وجرأة أدبية، ومخاطرة مهنية، وفهم عميق لسلطة الكلمات في تطور أنظمة الحكم والحكامة، وفي فتح أعين الرأي العام على ما يجري حوله.
في إحدى اللقطات المهمة في الفيلم، يسأل صحافي شاب في قاعة تحرير صحيفة «الواشنطن بوست» رئيسه بن برادلي (طوم هانكس): "هل ما نقوم به من نشر أوراق محظور نشرها بقرار قضائي عمل قانوني؟"، فيرد عليه رئيس التحرير: "لا، إنه غير قانوني لكنه أخلاقي، وهل تتصور يا ابني أن عملنا في الصحافة كله قانوني؟».
تطورات الأحداث أنصفت «الواشنطن بوست» التي كانت محلية، وأصبحت بعد هذه المعركة القانونية والسياسية صحيفة وطنية ثم عالمية، وجاء قرار المحكمة الفدرالية في صالح حق النشر، إذ قال كبار القضاة، في حكمهم الذي صار مرجعا للصحافة وللقضاء: «إن الصحافة غير معنية بخاتم السرية الذي وضعه البانتغون فوق تقرير ماكنمارا، لأنه تقرير يهم دافعي الضرائب، ويهم كل عائلة قتل ابنها في حرب فيتنام، فمن حق هؤلاء معرفة ما جرى في هذه الحرب، ثم إن التحجج بسرية الوثائق فيه حد من حرية النشر المكفولة بالدستور».
لا أريد أن أقارن ما يجري هناك على الطرف الآخر من الأطلسي بما يجري هنا، حيث يحرض مصطفى الرميد، وزير حقوق الإنسان -يا حسرة- زملاءه الوزراء على جر الصحافيين إلى القضاء، وعدم التساهل معهم في ما ينشرونه، وهو يعرف أن الخطأ في النشر أهون من المشاركة في مؤامرة الصمت، وتخويف كل ذي رأي أو ضمير من الاقتراب من المعبد… لا أريد أن أكتب عن أوراق محنة الصحافة في بلد يضيق صدره، يوما بعد آخر، بريشة القلم ومداد الكلمات، فيستعمل سلاح القانون والقضاء والإشهار والتشهير لإخراس الأصوات المزعجة بطرق ناعمة وخشنة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.