لكي نفهم كيف يمكن للإعلام ان ينتزع حقه في الإخبار وتحدي المنع والرقابة إن اقتضى الحال، لا بد أن نعود لأشهر قصص الإعلام في الولاياتالمتحدةالأمريكية، والتي ركعت رئيس أقوى بلد في العالم بقوة القانون والتشبع بقيم الديمقراطية. في سنة 1971، قررت جريدة "الواشنطن بوست" أن تنشر أوراقا سرية عن حرب الفيتنام، وتكشف كيف كان البيت الأبيض يكذب على الرأي العام لحشد التأييد في حرب قذرة. ما إن بدأت النشر حتى سارع البيت الأبيض برفع دعوى استعجالية لوقف النشر وكان له ذلك مؤقتاً، ريثما تقدم المحكمة حكماً نهائياً. وبالتزامن مع ذلك، وضع البيت الأبيض إفشاء تلك النوعية من المعلومات كجريمة الجاسوسية التي يعاقب عليها القانون بعشرات السنين من السجن. مالكة "الواشنطن بوسط" قررت مع ذلك المجازفة بأموالها ومستقبل استثمارها وحريتها، فضلا عن الاصطفاف مع حق المواطن في الوصول إلى المعلومة، والاستمرار في النشر. المفاجأة جاءت من أكبر منافسة ل"الواشنطن بوسط"، وهي الجريدة الذائعة الصيت "نيويورك تايمز"، التي قررت بدورها أن تربط مصيرها بمصير منافستها وتنشر الأوراق السرية بشكل تضامني. كان لهذا القرار وقع الزلزال السياسي بالولاياتالمتحدةالأمريكية، خاصة عندما تدفع هذه الخطوة عشرات الجرائد التي تحدت البيت الأبيض ونشرت تلك التقارير دفعة واحدة. إذاك حكمت محكمة واشنطن الكبرى لصالح "الواشنطن بوسط"، التي واصلت نشرها لأوراق الفيتنام السرية، وكانت بداية نهاية حكم الرئيس الأمريكي نيكسون الذي، ولسخرية القذر، أسقطته الصحيفة نفسها التي كان يريد إغلاقها، فيما اشتهر عالمياً بفضيحة "واترغيت". عِبرٌ كثيرة يمكن أن نستشفها من هاته القصة، أولاها أنه لا يمكن لأي بلد أن يدعي الديمقراطية وصدره يضيق لحرية الإعلام، و أنه لا يمكن أن تدستر الحق في الوصول للمعلومة، وفي الوقت نفسه تشرع قوانين حادة من حرية التعبير، وأن تبتكر قوانين تمنع الإعلام من إيصال المعلومة إلى الرأي العام، بل أكثر من ذلك تسوق أربعة منابر إعلامية "جملة" إلى المحاكمة لمجرد نشرها أخبارا عن تحقيق بخصوص الصندوق المغربي للتقاعد، وهو صندوق نخره الفساد حتى صار عاجزاً عن توفير معاشات المتقاعدين، الذين ادخروا طول حياتهم من أجل تقاعد كريم، سرقه للأسف تجار الريع، الذين عوض أن يساقوا إلى السجن، يريد حكيم بنشماش أن يسوق مكانهم أربعة صحافيين لفضحهم المستور. العبرة الثانية تكمن في تضامن أهل الإعلام والصحافة والنشر لصون المهنة من تكالب الانتهازيين، الذين يريدون أن يغطوا تجاوزاتهم ضد المال العام وضد قيم الوطن والمواطنة، ويراد لهم أن يشاركوا في مؤامرة الصمت. لذلك، سيكون حضور الإعلاميين بشكل مكثف في محاكمة 25 يناير رسالة واضحة لكل من يعتقد أنه بإمكان أن يكمم الأفواه في زمن الأنترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي. مؤخراً، قال وزير الاتصال إن هناك أزيد من خمسة آلاف موقع "إخباري، فيكف سيتم مراقبة محتوى هذا الكم الهائل من تدفق المعلومات؟ وكيف سيتم "تقييد" حرية خطوطها التحريرية؟ بالطبع يستحيل ذلك، وبهذا على السلطات أن تتعامل مع الأمر بواقع العصر وهو فتح المجال أمام المعلومة الصحيحة لتجفيف منابع الإشاعة، والرقي بالإعلام إلى مستوى الجودة التي يتوخاها المتلقي، بدل أن يبحث عنها في شبه الإعلام الموازي، والتشكي منه لاحقاً. موعدنا يوم 25 يناير، يوم الدفاع عن حرية التعبير وحق المواطن في الوصول إلى المعلومة، وفق منطوق الدستور.