لا أحد سيصدق أن الخروج الذي نظمه الانفصاليون في الداخل، بمناسبة زيارة وفد أجنبي وبرلماني أجنبي إلى الصحراء المغربية هو خروج «مرتجل». ولا أحد يصدق أن المظاهرة، التي قدمتها صحافة المناصرين للبوليزاريو على أنها أهم مظاهرة منذ مظاهرات العيون 1975 (بمثابة مسيرة خضراء انفصالية !!!)، كان وليد لحظات قليلة قبل الوصول المنتظر أو بمجرد الوصول إليه. حقيقة الأشياء كما تبدو، هو أن الانفصال الداخلي، ومسانديه لم يتعبوا بعد، ويواصلون الاستفزاز، وليس التعبير عن القناعات، باستجداء كاميرات الخارج والأصوات الإعلامية من كل منبر إعلامي عالمي.
الانفصال لم يتعب ، والتطورات الأخيرة التي عرفتها بلادنا تدفعهم إلى المزيد من «مجهودات» الاستفزاز: ومن الواضح أن التظاهر، بحجم يراد له أن يكون لافتا، كان يخطط له قبيل اجتماع مجلس الأمن، وقبل القرار الأخير 2099. والظاهر، من قرائن عديدة أن الصيغة الأولى للولايات المتحدة، كانت تبشرهم بنصر غير مسبوق.
فلا أحد كان يتصور أن مقترحا أمريكيا يمكنه أن يتعثر في مجلس الأمن، الذي تسقط فيه أمريكا المقترحات بحق الفيتو الذي تمارسه، ولا أحد يسقط مقترحاتها!
وعليه، فإن الجزائر وأهلها كانوا ينتظرون النصر، وبالتالي، كان الخروج منطقيا مبرمحا لكي يتم تجسيد القرار الأممي (المفترض) على أرض الواقع بقوة الاحتجاج، وبالدفع بالمينورسو إلى القيام بمهامها المنصوص عليها في القرار المحتمل.
لم يحصل ما أرادته الدوائر الانفصالية، وبقي «الجيش» المدني الانفصالي عاطلا، إلى حين، لكي يتحرك من أجل الهدف، لكن هذه المرة تحت مظلة أكثر انخفاضا من المظلة الأممية لأمريكا.
لا يمكن للملاحظ أن يغفل التواجد الكبير للإعلام الانكلوساكسوني، وقنوات مهمة للغاية، يبدو أن للسيدة كيري رأيها في انتقاء اللوبي النسائي داخل الإعلام السمعي. وهو ما يعني أن التأثير الذي تريد البوليزاريو تقديمه هو تأثير عن طريق الرأي العام،الضغط على الإدارة، إذا ما اهتزت قناعاتها عن طريق الإعلام. وهو إعلام له قوته وتأثيره. وقد تعلمنا، منذ واترغيت والإطاحة بالرئيس نيكسون أن الصحف والقنوات فاعل حاسم في التوازنات السياسية الداخلية لأمريكا، ولها تأثير على الحياة السياسية لكبار أصحاب القرار الامريكي.
يتزامن التظاهر، أيضا، بالتهييج الذي تقوم به الجزائر عن طريق الاعلام والمصادر الرسمية «المصفاة» ضد المغرب، وبالأساس ضد التحركات الديبلوماسية في أمريكا ذاتها.
فقراءة الصحافة الجزائرية لنهاية الأسبوع تكشف نفس المعلومات ونفس العبارات (تقريبا) بين مختلف وسائل الاعلام فيما يتعلق بتبخيس التحرك الديبلوماسي المغربي داخل الرقعة السياسية الداخلية للولايات المتحدة. فنحن نقرأ في الشروق ما يلي :«واستنادا إلى المعلومات المتوفرة، فإن الوفد المغربي بقيادة الفاسي الفهري، مستشار الملك، ويوسف العمراني، الوزير المنتدب للخارجية والتعاون ومحمد ياسين المنصوري، المدير العام للدراسات والتوثيق، وكذا السفير المغربي رشيد بوهلال، لم ينجح نهاية أبريل المنصرم، في ملاقاة وزير الخارجية الأمريكية، بعد أسبوع من الانتظار، قبل أن يكتفي بلقاء توم دونيلون، مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض الجمعة المنصرم، كأحد الروابط القوية مع «اللوبي اليهودي الأمريكي»!
وفي الوطن الصادرة بالفرنسية نفس المحتوى، لكن بلغة العم فولتير. ويكاد التشابه يصل حد الاستنساخ، حتى في الإحالة على اللوبي اليهودي!! ولا يحتاج القاريء إلى تمائم السحر لكي يعرف بأن اللغة والمصدر هو نفسه. الواضح أن واشنطن، والمحيط القريب من الخارجية الأمريكية أصبح ساحة مواجهة بيننا وبين الجزائر. والواضح، أيضا، أن الجزائر تعول كثيرا على محور يربطها مع واشنطن، في لحظة حساسة من تاريخ المغرب في الصراع من أجل الوحدة الترابية. وهي أمور تنكشف خيوطها، بعيدا عن «أسطورة» حقوق الإنسان ومهام المينورسو والحق في الاختلاف. 7/5/2013