منذ فضيحة الووترغيت، التي أطاحت بالرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، والواشنطن بوسط تعتبر، في عيون الكثيرين عبر العالم، الصحيفة التي تمثل السلطة الرابعة بكل تجلياتها بامتياز. وبعدد مبيعاتها الذي يبلغ 700 ألف نسخة يوميا، تعتبر «البوسط»، كما يطلق عليها اختصارا، الصحيفة الأمريكية التي تعطي تغطية سياسية شاملة عن عمل البيت الأبيض والكونغرس والحياة السياسية الأمريكية بصفة عامة. ورغم كونها صحيفة إقليمية توزع أساسا في واشنطن دي سي ونواحيها، فإن مقروئيتها تتعدى حدود الولايات، وتعتبر -إلى جانب كل من النيويورك تايمز، يو إس إي توداي والوول ستريت جونرال- من كبريات الصحف العالمية وأعرقها، وقد حصلت الصحيفة حتى الآن على 18 جائزة من جوائز البولتزر المرموقة و18 جائزة من المنح المقدمة من زمالة نيمان، وكذلك على 368 جائزة مقدمة من رابطة البيت الأبيض للمصورين الصحفيين، بالإضافة إلى العديد من الجوائز الصحفية الأخرى. ترجع ملكية صحيفة الواشنطن بوسط إلى شركة واشنطن بوسط التي تمتلك عددا كبيرا من الشركات الإعلامية وغير الإعلامية مثل مجلة النيوزويك ومجلة سليت الإلكترونية وعدد من المحطات التلفزية والإذاعية. صدر أول عدد من البوسط في دجنبر من سنة 1877، بعد تأسيسها من طرف ستيلسون هوتشينز، الذي قام سنة 1889 ببيع الصحيفة إلى كل من فرانك هاتون، مسؤول سابق في البريد، وبيرياه ويلكينز، عضو سابق في الكونغرس الأمريكي عن الحزب الديموقراطي. وقد انتقلت الصحيفة من مالك إلى آخر. تعتبر صحيفة الواشنطن بوست من الصحف المحايدة، وتصنف سياسيا بأنها جريدة ليبرالية، إلى جانب النيويورك تايمز، لكن رغم توخيها الحياد والمهنية في تغطياتها الإخبارية فإنها كثيرا ما ساندت المرشحين الديمقراطيين في الحملات الانتخابية، وكثيرا ما وجهت الانتقاد اللاذع إلى الجمهوريين. شكلت بداية السبعينيات نقطة تحول كبرى في حياة البوسط، حيث عرفت إشعاعا داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية وخارجها. ففي 1971، نشرت الصحيفة تقريرا حول أكاذيب الإدارة الأمريكية خلال الحرب في الفيتنام. وسنة بعد ذلك، قام كل من الصحفيين بوب وودورد وكارل بورنستين. بإزاحة الستار عن شبكة من التجسس السياسي والفساد التي عرفت في التاريخ باسم « فضيحة ووترغيت»، والتي خلدتها هوليود في فيلم « كل رجال الرئيس»، الذي قام ببطولته كل من النجمين روبرت ريدفورد (الذي لعب دور الصحفي بوب وودورد)، والنجم داستن هوفمان ( الذي جسد دور الصحفي كارل برنستين)، والذي جعل من الصحيفة أسطورة في الصراع الأبدي بين الخير والشر، تحارب الشر والفساد مهما كلفها ذلك وتبحث عن الحقيقة أينما كانت، ولا تعتبر أحدا فوق القانون حتى لو كان رئيس البلاد نفسه. وتعد فضيحة ووترغيت أكبر فضيحة سياسية في تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية، وتعود القضية إلى 1972 حين ضبط خمسة أشخاص في مقر الحزب الديمقراطي في مبنى «ووترغيت» في واشنطن، واتضح فيما بعد أنهم تسللوا لإصلاح تجهيزات تنصت وضعت في المكان قبل ثلاثة أسابيع. لكن الواشنطن بوسط، وبعد أن حلقت عاليا في سماء الحقيقة والمهنية، سقطت في عدة أخطاء مهنية، كادت تزعزع ثقة القارئ فيها لولا كون هذه الأخطاء قليلة ومعزولة. ففي سنة 1981، نشرت البوسط مقالة لجانيت كوك بعنوان «عالم جيمي». وكانت كوك، وهي صحافية إفريقية/أمريكية، فازت بجائزة بولتزر عن قصة كتبتها تروي معاناة مدمن على الهيروين يبلغ من العمر 8 سنوات. وتبين فيما بعد أن القصة كانت مفبركة بالكامل، فردت الجائزة واستقالت كوك. وفي هذا الصدد، قال بن برادلي، رئيس تحرير الصحيفة الأسبق، في مقابلة صحفية، إن الموضوع على الرغم من مرور وقت طويل عليه فإن الصحيفة لم تتخطه كليا. وأضاف برادلي، رئيس تحرير البوسط في عهد الووترغيت، إن الخطأ الذي وقعت فيه الصحيفة هو أنها وثقت في الصحفية ولم تتحر صحة قصتها، موضحا أنه «لم نكن نعرفها بالمقدار الذي كنا نتخيل أننا نعرفها به... لقد كتبت لدينا لمدة سنة ونصف، ولم نتحقق من قصصها». وعن مستقبل صحيفة الواشنطن بوسط وسر النجاح في الصحافة المكتوبة، يقول أشهر رئيس تحرير في تاريخ الصحافة: «الجواب مكون من كلمة واحدة فقط.. القصص»، مضيفا «المطلوب هو القصص الجيدة.. قصص تجعلك تقول: يا إلهي.. هذه قصة رائعة».