هز كتاب «حالة إنكار» الذي أصدره بوب وودورد مساعد مدير تحرير صحيفة «واشنطن بوست»، البيت الأبيض هزة عنيفة لدرجة أن عدد من الوزراء والمسؤولين أصدروا بيانات نفي أو توضيح لما جاء في الكتاب. فأصدر البيت الابيض، تقريرا رد علي مواضيع في الكتاب، نقطة بعد نقطة. وظهر مسؤولون من البيت الأبيض في قنوات تلفزيونية للدفاع عن الرئيس الأميركي جورج بوش، من بينهم وزيرة الخارجية كوندليزا رايس. وصار الكتاب جزءا من حملة الديمقراطيين لانتخابات الكونغرس. وكشف الكتاب، اعتمادا على مقابلات مع مسؤولين كبار في البيت الأبيض، أن بوش لم يقل الحقيقة عندما طمأن الأميركيين، خلال السنتين الماضيتين، عن الوضع في العراق. وأنه كان يعرف أن أخطاء كثيرة ارتكبت هناك. وأنه رفض فصل دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع، أو طلب استقالته، رغم أن بعض وزرائه ومستشاريه نصحوه بذلك (ونصحته بذلك، أيضا، زوجته لورا). لكن وودوورد أصدر قبل هذا الكتاب، كتابين لم يهزا البيت الأبيض، بل أفرحاه: الأول: «بوش في الحرب»، عن غزو أفغانستان. والثاني: «خطة الهجوم»، عن غزو العراق. اشترى البيت الأبيض مئات النسخ من الكتابين، وشجع قادة الحزب الجمهوري علي شراء وتوزيع الكتابين. وفعلا، استعمل هؤلاء فقرات إيجابية عن بوش في الكتابين في الإنتخابات العامة قبل سنتين. وهكذا، قدم وودورد دعاية كبيرة لبوش في الكتابين، وأظهره وكأنه «بطل الحربين»: أفغانستان والعراق. بينما هز الكتاب الثالث البيت الأبيض لأنه قدم بوش وكأنه «كذاب» و«ناكر» لنتائج كذبه. لكن كتاب وودورد ليس الكتاب الوحيد الذي هز البيت الابيض، ففي بداية هذه السنة، صدر كتاب "حالة حرب" الذي كتبه جيمس ريسين، مراسل جريدة "نيويورك تايمز" في واشنطن. وكشف الكتاب تجسس الحكومة الأميركية علي اتصالات التلفون والأنترنت الدولية بين الولاياتالمتحدة ودول أخرى (خاصة الدول الإسلامية). وعلى اتصالات داخل أميركا، إذا أظهرت الإتصالات الدولية ما يدعو إلى ذلك. (كتب المؤلف، قبل صدور الكتاب، تقريرا عن الموضوع في جريدته). لكن البيت الأبيض عرف، مسبقا، أن الصحافي ريسين حصل على هذه المعلومات، وطلب من رئيس تحرير جريدة «نيويورك تايمز»عدم نشرها، أو تأجيل نشرها. وانتظر رئيس التحرير سنة كاملة قبل أن ينشرها في الجريدة. وعندما نشرها، انتقدها البيت الأبيض، وطلب بعض أعضاء ينتمون إلى الحزب الجمهوري في الكونغرس من مكتب التحقيق الفدرالي (إف بي آي) التحقيق مع رئيس التحرير.أما أول كتاب هز ادارة الرئيس بوش، بل هز الشعب الأميركي كله، فكان كتاب «رجال بيض اغبياء» الذي ألفه، في سنة 2001، مايكل مور، الصحافي والمخرج السينمائي. (أخرج، بعد ذلك بسنتين، فيلم «فهرينهايت 11 شتنبر»، الذي كان هز بوش والشعب الأميركي أيضا، وشن عليه البيت الأبيض هجوما عنيفا). كتب مور كتابه قبل هجوم 11 شتنبر، وانتقد الأشهر الستة الأولي من إدارة بوش، وقال: «هناك رجال بيض أغبياء يسيطرون علي حكم الأمة، وعلى رأسهم رئيس الأمة (وانتقد خطاب «حالة الأمة» الذي ألقاه بوش يوم تنصيبه الأول). وكان مقررا أن يصدر الكتاب في شهر أكتوبر. لكن، قالت دار نشر «هاربر آند كولنز»: «يحتم الهجوم الإرهابي تأجيل نشر هذا الكتاب بسبب حساسية الموضوع للشعب الأميركي». وطلبت من المؤلف حذف أجزاء الكتاب التي تنتقد بوش لأنها «مؤذية سياسيا خلال هذه الظروف الحرجة». ورفض المؤلف، وساعدت المشكلة على زيادة توزيع الكتاب عندما صدر بعد الهجوم بستة أشهر.كما هز البيت الأبيض، قبل سنتين، كتاب: «استعلاء إمبراطوري: لماذا يخسر الغرب الحرب ضد الإرهاب؟» الذي كتبه مايكل شوير الذي كان مسؤولا عن قسم متابعة زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن في رئاسة وكالة الإستخبارات المركزية (سي آي ايه). وقال الكتاب أن خطة الرئيس بوش لمحاربة الإرهاب تزيد الإرهاب. وانتقد الكتاب غزو العراق لأنه حول الأنظار عن بن لادن. وهز الكتاب البيت الأبيض لسببين: أولا، للأسرار التي كشفها. وثانيا، لأن جورج تينيت، مدير الإستخبارات المركزية السابق، سمح لمؤلف الكتاب إصدار كتابه كرد على حملة البيت الأبيض ضده (وقوله أن تينيت يتحمل مسؤولية تقديم معلومات كاذبة عن أسلحة الدمار الشامل في العراق). ولهذا، هز الكتاب البيت الأبيض ووكالة الإستخبارات نفسها.وهز المؤسستين أيضا، قبل سنتين، كتاب «كاسر الفك: مطاردة بن لادن: سرد شخصي لمسؤول في الإستخبارات المركزية». كتب الكتاب غاري بيرنستين، الذي كان مسؤولا في الإستخبارات المركزية عن مطاردة بن لادن على الحدود بين أفغانستان وباكستان. وقال، مثلما قال الكتاب الأول، أن حرب العراق قللت من جهود مطاردة بن لادن.وأثار بيرنستين مشكلة أخرى عندما رفع، قضية ضد الإستخبارات المركزية نفسها، وقال أنها رفضت نشر أكثر من ستين صفحة (بحجة حماية الأمن القومي) مما جعل الكتاب ناقصا. ورفع محامو الإستخبارت المركزية ردا أمام المحكمة الفدرالية في واشنطن على لسان الجنرال مايكل هايدن، المدير الجديد، قال فيه: «لا يرفض المدير طلب الموظفين لنشر كتب عن سنواتهم مع الوكالة. لكن، يلتزم المدير بالمحافظة على المصادر والمعلومات الإستخباراتية، مما يحتم مراجعة ما سينشر الموظفون قبل نشره. غير أن ذلك سيكون بطريقة بسيطة وعقلانية». لهذا، يبدو أن المشكلة ليست فقط أن ينشر صحافي كتابا يهز الحكومة، ولكن، أيضا، أن ينشر مثل هذه الكتب موظف عمل فيها. وبينما لا تقدر الحكومة علي منع الصحافي من ذلك، تقدر على منع موظفها (ولهذا يستقيل الموظف الذي يريد نشر كتاب ينتقد الحكومة). وبينما يركز الكتاب الذي يكتبه صحافي على كشف أسرار، يركز الكتاب الذي يكتبه موظف على التفاصيل. وبينما يعتمد الصحافي على مصادر موثوقة بها، يعتبر الموظف نفسه مصدرا موثوقا به.واحد من الموظفين الذين استقالوا خلال ادارة بوش الأولي وكتب كتابا هز البيت الأبيض، كان بول اونيل، وزير الخزانة، الذي أصدر كتاب «ثمن الولاء»، وقال فيه أن بوش دخل، خلال الأشهر الأولي لرئاسته، اجتماعا لمجلس الوزراء، واستعمل أصبعه الأوسط ليسيء الي الرئيس العراقي صدام حسين، ويقول أانه سيقضي عليه. وصار الكتاب أول مصدر موثوق به يؤكد أن بوش نوى غزو العراق حتي قبل هجوم 11 شتنبر. واستقال، أيضا، ريتشارد كلارك، مستشار البيت الأبيض للإرهاب، وكتب كتاب «ضد كل الأعداء»، وقال أنه، عندما كان يعمل مستشارا للرئيس كلينتون، جمع معلومات عن توقع هجوم إرهابي كبير على أميركا، وقدم المعلومات إلى الرئيس الجديد بوش، لكن، لم يفعل بوش شيئا حتي وقع هجوم 11 شتنبر. وجمع إسم الكتاب «كل الأعداء»، بين أعداء أميركا، وأعداء مؤلف الكتاب، لأن بوش قال أن كلينتون ومستشاريه (وكان مؤلف الكتاب واحدا منهم) قصروا في عدم قتل بن لادن قبل هجوم 11 شتنبر.ولم يشهد رئيس صدور كتب تكشف أسراره وتنتقده مثلما يشهد الرئيس بوش الآن، وذلك لأكثر من سبب، منها: أولا، حروب الإرهاب وأفغانستان والعراق. ثانيا، «صحافة الشفافية» التي تنصب الصحافيين باحثين عن كذب ونفاق السياسيين. ولم تكن هناك «صحافة شفافية» عندما كان فرانكلين روزفلت رئيسا خلال الحرب العالمية الثانية (1939 1943) لتحاسبه. وكان اكثر موضوع يستحق المحاسبة هو تقصير حماية القاعدة العسكرية الأميركية في «بيرل هاربر» عندما هجم عليها اليابانيون. لكن، لم تنتقد صحيفة روزفلت في هذا الموضوع أو أي موضوع آخر. ومضت ست سنوات على «بيرل هاربر»، وسنتان على وفاة روزفلت، قبل ان يصدر الصحافي جورج مورغنشتيرن كتاب «بيرل هاربر: قصة الحرب السرية". لكن ديمقراطيين انتقدوا الكتاب ومؤلف الكتاب، وقالوا أنه "يميني يعمل في جريدة يمينية (شيكاغو تربيون)". وحتي عندما أصدر، بعد ذلك بسنة، شارلز بيرد، ليبرالي واستاذ في جامعة "ييل"، كتاب "روزفلت وتوقع الحرب"، وكرر نفس النقد، اتهمه ديمقراطيون ب"مراجعة التاريخ." لكن، انتظر التاريخ ستين سنة، حتى أصدر، في سنة 1999، روبرت ستينيت، صحافي جمهوري وصديق للرئيس بوش الأب، كتاب "حقيقة روفلت وبيرل هاربر". واعتمد الكتاب على وثائق قديمة كشفت أن ضابطا في الإستخبارات الأميركية قدم تقريرا إلى روزفلت عن أهمية الإستعداد لهجوم على بيرل هاربر، قبل الهجوم بسنة. وغابت "كتب الشفافية"، واستمرت "الكتب المؤدبة" لثلاثين سنة بعد روزفلت. ولم يجرؤ صحافي، أو يستقيل موظف، لكشف أسرار إدارة الرئيس إيزنهاور التي استمرت ثمانية سنوات (1954-1960). وصدر، في السنة الماضية، كتاب "إيزنهاور" الذي كتبه بيتر بويل، وكشف فيه خطابات سرية وشخصية كتبها إيزنهاور لوزرائه وأصدقائه وأفراد عائلته. وكشف الكتاب أن إيزنهاور لم يهتم في البيت الأبيض كثيرا بادإرة البلاد، وقضى وقتا كثيرا يلعب الغولف. ولم يهتم بالتفرقة العنصرية التي عاني منها السود، خاصة في ولايات الجنوب. لكن الكتاب لم يركز على أخطاء إيزنهاور، بل ركز علي "سجله كرئيس أميركي بني أميركا القوية، وكان مثل الأب للشعب." وبرر الكتاب تقصير إيزنهاور في الدفاع عن حقوق السود بأنه كان لإرضاء أعضاء الكونغرس من ولايات الجنوب.وبعد إيزنهاور، كان بن برادلي، رئيس التحرير السابق ل "واشنطن بوست" يقدر على كتابة كتاب يكشف أسرار الرئيس جون كنيدي (1960-1963). ويقدر، أيضا، على نشر تقارير مثيرة في الجريدة عن هذا الموضوع. وخاصة عن مغامرات كنيدي العاطفية. لكن برادلي لم يفعل ذلك لأنه كان صديق كنيدي. ولأن زوجته "توني" كانت شقيقة ماري مايار، واحدة من صديقات كنيدي، قابلها في منزلهما.ولم تظهر "صحافة الشفافية" إلا بعد أن كشف الصحافي وودوورد (وزميله بيرنشتاين) في جريدة "واشنطن بوست" فضيحة ووترغيب التي سببت استقالة الرئيس نيكسون سنة 1974. وكانت تسمى "صحافة التحقيقات". وكان أهم كتبها "كل رجال الرئيس" الذي أصدره الصحافيان، وكشفا فيه أن نيكسون كان يعلم بالتجسس على مكاتب الحزب الجمهوري في مبني ووترغيت. رغم أن نيكسون نفي ذلك، وهدد بالتحقيق مع برادلي، رئيس تحرير "واشنطن بوست." (لماذا حرص برادلي على كشف أسرار نيكسون الجمهوري، لا أسرار كنيدي الديمقراطي؟ أجاب برادلي، في كتاب مذكراته، بأن الصحافيين، في ذلك الوقت، كانوا يفصلون بين المواضيع السياسية والمواضيع الشخصية).لكن الرئيس رونالد ريغان (1980-1988) كان جمهوريا أيضا، لكنه كان أكثر شعبية من نيكسون (ربما لأنه كان ممثلا سينمائيا لامعا). ولم يجرو صحافي على كشف أسرار إدارته. لكن وزير الخزانة دونالد رغان استقال وكتب كتاب "للتاريخ" عن بعض أسرار ريغان، منها أن نانسي ريغان كانت تعتمد على قارئة كف في كاليفورنيا لتحديد برنامج زوجها، خوفا من "العين الشريرة". لكن، لم يملك الوزير الشجاعة ليصدر كتابه حتى خرج ريغان من البيت الأبيض. (ولهذا لم يهزه). وكتب وودوورد كتاب "الحجاب"، وكشف فيه دور وكالة الإستخبارات المركزية في نيكاراغوا والسلفادور والشرق الأوسط. لكن، لم يملك وودوورد الشجاعة لينتقد ريغان مباشرة (انتقد وليام كيسي، مدير الإستخبارات المركزية)، ولم يصدر كتابه إلا بعد أن خرج ريغان من البيت الأبيض ايضا. (ولهذا لم يهزه). ومن المفارقات أن الشخص الذي كلفه ريغان بكتابة قصة حياته، إدموند موريس، كتب أسرارا عنه أكثر من غيره. قال أن ريغان كان ينام خلال اجتماعات مجلس الوزراء، ولم يجرؤ وزير على نقده، واهتم بالقاء الخطب أكثر من إدارة الدولة، ولم يحب شيئا مثل الجلوس إلى جوار نانسي، ليتغطيان بلحاف مشترك، ويشاهدان أفلام الكاوبوي القديمة.