إن تجربة الإسلاميين في الساحة السياسية بالمغرب تجربة فريدة من نوعها، تجربة شكلت محط إعجاب لدى البعض وصدمة لدى البعض الأخر ممن كانوا ينتظرون فشل هذه التجربة وعدم استمرارها ،عن تجربة حزب العدالة و التنمية ذو المرجعية الإسلامية أتحدث . فالنظرة النمطية التي خلفتها ملامح التاريخ حول الإسلاميين وتعاملهم مع المواقف الصعبة والقضايا السياسية الحساسة،خاصة ما يصطلح عليه "من السجون إلى القصور"، راكمت أحكاما ومواقف ثابتة عن الإسلاميين و ممارستهم للسياسة وجعلت زاوية النظر للإسلاميين و السياسة تميل للسوادبفعل الأحكام الجائرة التي خلفتها بعض الممارسات سابقا. من بين أسباب تعثر تجربة الإسلاميين في بعض الدول هو تغليب فهم معين للدين، وتعريف السياسة تعريفا سلبيا بالضرورة و التعصب للرأي وضرب الرأي الأخر واتخاذ مواقف تتسم بالقطعية والشوفينية وعدم التنازل بحجة امتلاك الحقيقة المطلقة و البراهين التي لا تقبل الرفض مطلقا و الاستحكام. لكن ما كان على غير العادة هو قلب قيادات حزب العدالة و التنمية لهذه النظرة بعد "التمكين لهم" معتمدين منطقا ينبني على التشاور والحوار مع كل المؤسسات، بالإضافة إلى احترام الآراء المتعددة والسعي دائما للوصول لتوافقات ونقط مشتركة تخدم الصالح العام بعيدا عن الحسابات الحزبية الضيقة، وتصرف بنكيران كرجل الدولة، الذي يراعي مصلحة الوطن قبل أي شيء آخر. كما أن الحزب راجع بطريقة حكيمة تصوراته للعمل الحزبي و فصل الدعوى عن السياسي على مستوى القرار وأبقى عليه على مستوى التصور، و تمكن من تطوير أدوات اشتغاله،طيلة العقود الماضية، الشيء الذي يفندالأطروحة القائلة بتبعية الحزب للحركة و انغماسه فيها، علما أن العدالة و التنمية قام في المقابل بتعزيز و تفعيل شراكات مع حركة التوحيد و الإصلاح في إطار التربية والتكوين. التعددية التي تزخر بها الساحة السياسية المغربية على مستوى المرجعيات والتوجهات تستوجب تقبل الاختلاف و الاستغناء عن رداء التطرف وتعزيز سبل التعامل مع الانتماءات المختلفة ومواقفها المغايرة.هذا الأمر ليس بالسهولة التي قد نتخيله بها، وقد تسبب في بعض الأحيان في أزمات داخلية و خارجية. لكن حكمة "الإخوان" مكنتهم من مسايرة "التيار" بطرق تتسم أكثر بالمرونة وضبط العلاقة بين الحلفاء على اختلاف توجهاتهم. وهذه معركة نجح فيها حزب العدالة والتنمية، و يكفي تأكيدا لذلك انسجام الأغلبية الحكومية وتوافقها. إن النظرية التي تقوم على أن الإصلاح لن يأتي إلا بسلطة مطلقة دون الحاجة لحلفاء سياسيين فصحتها لم تكتمل بعد أو أنها فرضية لم تطرح في مكانها المناسب، فالتعامل مع أغلبية مطلقة من شأنه أن يعرقل مسيرة الإصلاح فكيف لحزب أن يسير قطاعات عديدة و كبرى لوحده دون أن يؤثر ذلك على مركزه ويزيد من متربصيه كما أن عامل الإرباك و صعوبة التدبير سيكون حاضرا دائما، ما تجربة مصر وتونس علينا ببعيدتين. وجود الحلفاء السياسيين نقطة إيجابية خصوصا إن كانت أول تجربة في تدبير الشأن العام، كما أن الاختلاف والتعدد شيء إيجابي من شأنه خلق التوازنات بين الأطياف السياسية، بمعنى اخر الإصلاح يكون بمنطق التشاركية . مخطئ من يظن أن الاستحواذ على السلطة خطة أعتمدها حزب العدالة و التنمية للوصول للمناصب المغرية و التربع على كراسي السلطة، فالساحة السياسية بكل أطيافها تشهد، في سابقة في حياتنا السياسية، على كثرة التنازلات والتضحيات التي قدمها هذا الحزب، سواء على المستوى الوطني أو المحلي لضمان الاستقرار وصيرورة الإصلاح. فخطة الاستيلاء على مفاصل الدولة لابد أن تفتك بصاحبها وترمي به إلى فئة المنسيين في نهاية المطاف و حزب العدالة و التنمية ليس بهذا الغباء ليجعل من هذه النهاية ختاما لتجربته السياسية الناجحة. كما أن النهاية المؤسفة لبعض الأحزاب التي كانت تستحوذ على الأضواء خلال فترة معينة لكنها ما فتأت في نهاية المطاف أن نخرت وتآكلت تنظيميا بفعل محاولاتها العديدة لتطويع القانون و الدستور لمصالحها وهذا درس لا يمكن لحزب قوي كحزب العدالة و التنمية أن يفوته. إن الفكر التجديدي المبني على مبادئ الإسلام الأصيلة ذي الرؤية المتوافقة هو أفضل منتوج نحتاجه في ظرفيتنا الحالية،فهو يمكن صاحبه من التعامل مع متغيرات العصر من جهة و يجعله بديلا دائما من جهة أخرى دون أن يترك لممارسه أي مجال للتفكير في استبدالهوهذا ما تمثله تجربة العدالة و التنمية في ظرفيتنا هذه.الممارسة السياسية لابد لها أن تبنى على هذا الفكر وتكون مصاحبة بأخلاق حميدة من مثل الصدق والاستقامة والأمانة.