"الأخ أوس كيف حال الإيمان" بهذه التّذكرة كان يلقاني طوال أزيد من ثلاثين سنة التي عرفته فيها؛ وكلّ مرة أجيبه بجواب؛ تارة: الحمد لله على كلّ حال، وتارة: نسّأل الله العافية، وتارة … وتارة… لكنّه لم يكن ينتظر جوابي ولا يبالي به لأنّ الغرض عنده هو العبرة والتّذكرة؛ هذه العبرة التي عاش بها ولها هو وأخوه ورفيقه في الدّرب الأخ عبد الإله بنكيرات الذي لا يمكن أن يتناول الكلمة في أي مناسبة أو محفل إلاّ كانت دندنته حول الإيمان والورع والثّبات والأخلاق… كلام وإن كنّا ألِفناه وأصبح متوقّعا لدينا إلاّ أنّنا في كلّ مرّة كأنّنا نسمعه للمرّة الأولى لم نملّ منه لأنّ هذين الرّجلين كانا وسيضلاّن – إن شاء الله – في شخص الأخ عبد الإله الضّمير الحي في الحركة وفي الحزب الذي كلّما دعت الضّرورة دندن دندنته حول الإيمان والصّدق والأمانة فسرعان ما ترجع الأمور إلى نصابها. لقد فقدنا جميع رجلا أخا ميّزه الله تعالى بما ينذر أن يجتمع اليوم في أحد من النّاس والإخوان والسّياسيين من أخلاق رفيعة: الحكمة والذّكاء والرّزانة والصّبر والاعتدال وخفض الجناح والتّواضع والبساطة والدّقة وبُعد النّظر والحلم والأناة……… ومهما استفضت في ذكر مناقبه لن أوفّيه حقّه. بعض الحكماء لا يَعرف النّاس قدرهم إلاّ بعد موتهم. أمّا الأخ عبد الله بها كان يكفي أن يتغيّب عن مجلس من مجالسه التي يغشاها ليفتقده النّاس مفتقرين إلى حكمته ووجاهة رأيه وسداد اختياره. ولا شكّ أنّ الخاسر الأكبر في هذه المصيبة العظيمة هو الأخ عبد الإله بنكيران الذي –كان الله في عونه- كان له بَها –رحمة الله عليه- الأخ الحميم الذي لا يخذله أبدا؛ ورفيق دربه وثاني اثنين في كلّ مراحل العمر وشريكه في أسراره والنّاصح الأمين الذي لا يبخل عليه بالرّأي والمشورة والذي إذا خالفه في الرّأي عرف كيف يأخذه بالحكمة واللّين والأناة. فأسأل الله العلي القدير أن يبدله محبّته صبرا وأن يعوّضه عن أخوّته ورفقته رعاية ربّانية تحوطه وترعاه وتؤنسه وتسدّده. ونحن جميعا لا بدّ أن نأخذ الدّرس والعبرة من هذا المصاب؛ لا بدّ أن نتّعظ وننتبه ونتذكّر أنّنا لا نضمن الرّجوع إلى بيوتنا كلّما غادرناها ولا نضمن الاستيقاظ من فراشنا كلّما خلدنا إلى النّوم ولا نضمن إنهاء الوجبة التي شرعنا في تناولها ولا إنهاء الأعمال التي نكون بصددها. وهذا كلّه ننساه في زحمة أعمال هذه الدّنيا التي لا تنتهي فتجدنا نتصرّف وكأنّنا خالدون. نعم الرّجل الذي كان يعظنا ويذكّرنا في حياته ها نحن نتّعظ أيضا بمماته. لقد شرفت بمعرفة الأخ عبد الله بها وبالعمل معه على طريق الدّعوة والإصلاح وبمحاولة التّعلّم من حكمته. واليوم حين رجعت إلى بعض الصّور والذّكريات من عمق التّاريخ التي ألِفت النّظر إليها من حين لآخر؛ وجدتني أنظر إليها بعين باكية حزينة على فقدان أخ حبيب كان بالأمس القريب يجاورني في لقاءات المكتب التّنفيذي أنهل من سداد رأية وأستفيذ من حكمته. أسأل الله العلي القدير أن يقبله عنده في الشّهادء والصّالحين وأن يعامله بعفوه وأن يتداركه برحمته وأن يسكنه فسيح جنانه في الفردوس الأعلى مع رسول الله وصحبه. وكما جمعنا الله معه في هذه الدّنيا على الدّعوة والإصلاح أسأله أن يجمعنا معه في الآخرة على حوض رسول الله نغرف جميعا من كفّه الشّريفة شربة لا نظمأ بعدها أبدا. كما نسأل الله تعالى أن ينبّهنا إلى حالنا حتّى نألف التّأهب للرّحيل والاستعداد للقاء الله تعالى في كلّ وقت وحين. اللّهمّ ارزق أهله وذويه الصّبر والسّلوان وأبدلهم محبّته صبرا واحتسابا، وأجرهم على مصيبتهم خيرا. آمين وإنّا لله وإنّا إليه راجعون. والحمد لله ربّ العالمين.