بعد مسلسل ماراطوني استعملت فيه مختلف الاسلحة الشرعية وغير الشرعية، قدم الوزير الرميد مشروع القانون التنظيمي للمجلس الاعلى للسلطة القضائية أمام المجلسين الحكومي والوزاري في انتظار احالته على البرلمان، وفي اطار هذا النقاش نخصص هذا المقال لبعض القضايا الخطيرة التي تضمنها هذا المشروع. المشروع الذي يتضمن 112 مادة مقسمة على خمسة اقسام وثمانية ابواب ويتضمن النص مقتضيات تسعى لضمان استقلالية المجلس الاعلى للسلطة القضائية وتنظيم انتخابات ممثلي القضاة وضمان تمثيلية النساء القاضيات وتنظيم وسير المجلس وتقوية الضمانات المخولة للقضاة بمناسبة تدبير وضعيتهم المهنية وتعزيز ضمانات مسطرة التأديب وتحديد الجهة القضائية المختصة بالبث في الطعون الانتخابية والإدارية وتفعيل دور المجلس في تخليق القضاء وحماية استقلال القضاة ومساهمة المجلس في تحسين وضعية القضاة ومنظومة العدالة والتعاون مع السلطة التنفيذية. في هذا المشروع تستوقفنا عدة مواد تستدعي مناقشة هادئة: المادة 24 والتي تتضمن شروط الترشيح للعضوية في المجلس وتحددها في خمسة شروط وهي ان يكون المرشح ناخبا في الهيئة التي سيترشح عنها وان لا تقل اقدميته عن خمس سنوات وان يكون مزاولا فعليا بإحدى محاكم الاستئناف او محاكم الدرجة الاولى وان لا تصدر في حقه عقوبة تأديبية وان لا يكون في وضعية رخصة مرض متوسطة او طويلة الامد، هذه الشروط التي وضعها المشروع تثير مسألتين اساسيتين تتعلق الاولى بشرط الخمس سنوات والذي يساءلنا حول مدى كفاية هذه السنوات الخمس للقاض لمراكمة الخبرة والحكمة والكفاءة اللازمة لممارسه المهام المفروضة في هذا المجلس وخاصة ان خمس سنوات هي مرحلة زمنية قصيرة في المسار المهني يكون فيها القاضي في الدرجات الاولى لسلم الترقي فكيف له ان يبث في قرارات ترقية من هم اعلى منه درجة، ألا يجدر بالمشرع في هذه الحالة ان يضع على الاقل خمسة عشر سنة من ممارسة المهنة وان يكون القاضي مصنفا على الاقل في الدرجة الممتازة، اما الشرط الثاني فيقترن باشتراط المزاولة الفعلية في احدى محاكم الاستئناف او محاكم الدرجة الاولى وهو شرط يؤدي بشكل مباشر الى اقصاء عدد مهم من القضاة الذين راكموا خبرات مختلفة ولكنهم يشتغلون بإدارة وزارة العدل او ملحقين لدى ادارات اخرى. المادة الاخرى المثيرة للتساؤل هي المادة 36 والتي تركز على ورقة التصويت وصندوق الاقتراع مع العلم ان المحاكم كلها مجهزة بأنظمة اليكترونية والهيئة الناخبة ذات مستوى تعليمي مرتفع مما يجعل اللجوء الى التصويت الاليكتروني امرا ذا فائدة ووجاهة اما المادة 95 فتستند الى الفصل 114 من الدستور لتنظيم مسألة الطعن بالشطط في مقرارات المجلس المتعلقة بالوضعيات الفردية امام الغرفة الادارية بمحكمة النقض، وهذه الامكانية تطرح مشكلة حقيقية تستدعي البحث عن حلول حقيقية فكيف لهيئة ادنى ان تلغي قرارات هيئة عليا وكيف لغرفة محكمة النقض ان تجتهد فوق اجتهاد مجلس يضم الرئيس الاول لهذه المحكمة والوكيل العام للملك لدى هذه المحكمة ورئيس غرفة بهذه المحكمة بالاظافة الى عشر قضاة منتخبين وخمس شخصيات ذات كفاءة وخبرة يعينها الملك والوسيط ورئيس المجلس الوطني لحقوق الانسان وماذا لو تعلق الامر بالوضعية الفردية لقضاة هذه الغرفة الادارية نفسها. أما المادة الاكثر تأثيرا في هذا النص على مستقبل القضاء بالمغرب فهي المادة 103 وخاصة البند الثاني فيها والمتعلق بكون الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض يقدم تقريرا الى المجلس بصفته رئيسا للنيابة العامة حول تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة، فهذه المادة تطرح الاشكالات التالية: اشكالية الشرعية فالسلط في البناء الدستوري المغربي تتأسس على قواعد الاستقلالية والشرعية والتوازن وهذه المادة تطرح اشكالا حقيقيا في مسألة الشرعية فما مصدر الشرعية التي تتمتع بها السلطة القضائية فاستقلالها لا يعفيها من الشرعية الديموقراطية فالسلطة التشريعية مستقلة ولكنها منتخبة والسلطة اتنفيذية مستقلة ولكنها حاصلة على تفويض برلماني اصله الشعب فما مصدر شرعية النيابة العامة. اشكالية الثانية الدستور ينص بشكل صريح في فصله 89 على "تمارس الحكومة السلطة التنفيذية" والسياسة الجنائية هي سياسة تنفيذية، فلماذا يمارس القضاء سلطة تنفيذية؟ ولماذا يقدم تقريرا حول تنفيذ السياسة الجنائية؟ ومن يضع السياسة الجنائية؟ ومن يساءل حول السياسة الجنائية؟ فمن سيجرؤ غذا على محاسبة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض على تنفيذه سياسته الجنائية في غياب اية الية لمحاسبته من قبل البرلمان او الحكومة؟ اليوم نسمع بإحالة وكلاء عامين على المفتشية العامة لوزارة العدل ونسمع على محاسبة برلمانية لوزير العدل على بعض الاختلالات الواقعة في السياسة الجنائية، هل سيبقى للمغاربة غذا، بعد تبني القانون، أمل في ضبط السياسة الجنائية وهل سيبقى للبرلمانيين مبرر لاستقبال وزير العدل في مجلسهم ومحاسبته؟ ان اقرار هذه المادة سيؤدي بشكل مباشر الى وجود سلطة قضائية متحررة من اية رقابة شرعية ديموقراطية ومخالفة للأصل الدستوري المغربي القائم على ان نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية.