يبدو أن هناك حالة من الانقسام بالمملكة العربية السعودية في المواقف إزاء الانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي، فبعد أن مدت الجهات الرسمية يد العون للانقلابيين ودعمتهم، ها هم علماء ودعاة سعوديون يصفون ما حدث بمصر ب"الانقلاب العسكري المكتمل الأركان". فقد قال عدد من علماء ودعاة سعوديين، في بيان اطلعت "الرأي" على نسخة منه، أن ما حدث بمصر من "عزل الجيش المصري للرئيس محمد مرسي بداية الشهر المنقضي "انقلاب عسكري مكتمل الأركان" ووصفه بالعمل "المُحرَّم والمُجرَّم"، وأضاف أنه "قد وقع بالتواطؤ بين أطراف إقليمية ودولية، وأنه تم الإعداد له من اللحظة التي انتخب فيها مرسي رئيساً لمصر". وأكد العلماء والدعاة السعوديون الموقعون على البيان أن الانقلاب العسكري الذي نفذه وزير الدفاع على الرئيس المنتخب محمد مرسي وما تبع ذلك من قمع وملاحقات أمنية ضد ملايين من أفراد الشعب المصري المؤيدين لمرسي وخنق وحجب وسائل التعبير التي تنقل معاناتهم ووجهة نظرهم، "أمر أقض مضاجع المسلمين وينذر بمستقبل مخيف بدت نذره واضحة". وأعرب البيان عن رفضه لهذا الانقلاب العسكري باعتباره "خروجاً صريحاً على حاكم شرعي منتخب، وتجاوزاً واضحاً لإرادة الشعب"، وأكد البيان على "بطلان كل ما ترتب عليه من إجراءات". وانتقد البيان "بعض الدول التي بادرت إلى الاعتراف بالانقلاب، مع أنه ضد إرادة الشعب المصري، وخروج على حاكم شرعي منتخب"، معتبرا أن هذا الموقف "سيكون له آثار سلبية خطيرة على الجميع لو دخلت مصر في فوضى واحتراب داخلي". واتهم العلماء والدعاة الموقعون على البيان الغرب ب"الوقوف مع الاستبداد والعنف إذا كان ضد الشعوب المسلمة، سواء كانت تواجه حرب إبادة كما في سوريا، أو انقلاباً ومصادرة للحقوق كما في مصر"، منبهين إلى أنه، أي الغرب، لديه ازدواجية في المعايير ويحاول دفع المنطقة إلى الفوضى والعنف. وهاجم البيان المطول الجيش والأمن المصريين مستنكرا ما أقدما عليه "من أعمال عنف وقتل مروع، عن عمد وترصد لمئات المتظاهرين السلميين في الصلاة وفي الميادين، لمجرد التظاهر ضد الانقلاب"، مضيفا أن "الانقلاب لم يكن انقلاباً تصحيحياً ولكنه انقلاب لإقصاء التيارات الإسلامية والوطنية، ومنع الاستقلال الحقيقي لقرار مصر وسيادتها"، واستدل على ذلك بالقول "يؤكد ذلك أن قادة الجيش والشخصيات السياسية والأحزاب المصنوعة لهذا الهدف -كجبهة الإنقاذ وحركة تمرد، وهم الجناح المدني للانقلاب- مقربون من الدوائر الغربية ومن الأقباط، ومن أعداء الإسلام بصفة عامة". وجدد العلماء والدعاة السعوديون، في البيان ذاته، التذكير بموقفهم "الرافض للانقلاب وما ترتب عليه"، مشددين على أنهم "لا ندافع عن الإخوان المسلمين، بل ندافع عن الحق، ونقف مع المظلوم ومع حقوق الشعب المصري المعتدى عليها". ولم يفوت العلماء السعوديون فرصة بيانهم هذا للإشادة بموقف علماء الأزهر وغيرهم من علماء مصر، قائلين أنهم "جهروا بالحق ورفضوا الانقلاب"، ومضيفين "نذكر كافة العلماء والدعاة والمثقفين وأهل الرأي بضرورة الوقوف الحازم ضد الانقلاب". وأكد البيان ذاته، الذي يحمل توقيع 56 من علماء ودعاة السعودية، من بينهم محمد بن سليمان البراك وعبد العزيز بن عبد المحسن التركي وحسن بن صالح الحميد وعبد العزيز محمد الفوزان، (أكد) على دعم المطالبين بعودة الرئيس المنتخب محمد مرسي كما دعا العالم كله ووسائل الإعلام أن "يتقوا الله في مصر وأهلها، وأن ينحازوا للحق". وبرر موقعو البيان تأخرهم في الخروج بموقف حاسم مما حدث بمصر إلى أنهم "حرصوا على التأني في اتخاذ موقف محدد من الأحداث رغم وضوح اتجاهها في الجملة حتى لا تُقرأ مواقفنا بصورة خاطئة"، ومضوا قائلين "أما وقد مضى أكثر من شهر على الانقلاب، ووقع من الانقلابيين ما شاهده العالم من عنف وقتل متعمد ذهب ضحيته مئات القتلى وآلاف المصابين، ومن اصطفاف مستنكر للقوات المسلحة والأمن مع أقلية من الشعب تم سوقها لتأييد الانقلاب تحت تأثير حملات التشويه الإعلامي أو لدوافع طائفية أو فكرية بهدف فرض واقع جديد بالقوة، فقد تعيّن على أهل العلم إزاء هذه التطورات الخطيرة في الحال والمآل، بما أخذ الله عليهم من واجب البيان، وما بوأهم من مكانة وريادة في شؤون الأمة أن يبينوا الموقف الشرعي مما يجري في مصر، وحقيقة الظروف السابقة له والمآلات المتوقعة لمثل هذا الانقلاب".