أقتبس هذا العنوان من دراسة لرجل الفلسفة موسى وهبة، في موضوع النهضة. بيد أن الداعي للاقتباس يباين ما تطرق إليه، ويرتبط بالراهن في سياقنا المغربي. ذلك أن أي وضعية، سواء في صيغتها الاجتماعية أو السياسية، أو هما معا تستلزم تثبيت الحاجة إلى فهمها قبل التفكير في الإقدام على المعالجة. إذ الفهم يمثل خطوة أولى لتدبير أزمة اللحظة، بوعي من يفكر في اللاحق، وليس من يدير اللحظي دون قراءة أبعاده المستقبلية. على أن خاصة الفهم حال الأزمة ، تفرض فضيلة الاستماع إلى من تمسه الأزمة في العمق. ومثلما الاستماع، تأكيد قاعدة الاستشارة عوض فرض الرأي بالإكراه والإجبار، فلم يعد الزمن الزمن. زمن تلبيس أعتى التهم، أو نسج خيوط واهية في محاولة لإذابة حقيقة أو حقائق في حكم المتداول والمعروف. إن الحاجة إلى الفهم تبدأ من إثارة الأسئلة: لماذا؟ ما الهدف؟ وكيف تدبر المعالجة؟ وتأسيسا من موضوعية الإجابة وعمق التفكير، يتأتى للوعي الاجتماعي العودة إلى استبانة الرشد. عودة « ماركيز»: قرأت في ملحق ثقافي لجريدة لبنانية، خبرا ثقافيا مؤداه أن إحدى دور النشر العربية أقدمت على شراء حقوق بعض روايات غابرييل غارسيا ماركيز» (1927/2014) من ناشره في «برشلونة» بما يعادل (75 ألف دولار). بيد أن الروايات التي يتوقع نقلها إلى اللغة العربية عن الإسبانية هي التالية: «مئة عام من العزلة»، «الحب في زمن الكوليرا»، «خريف البطريرك» و»الجنرال في متاهته». والواقع أن هذه الأعمال وغيرها متداولة في سوق القراءة بشكل كبير، سواء في طبعاتها الحقيقية أو المقرصنة، وعلما أيضا بأن ترجماتها في المستوى، إذا ما ألمحنا بأن الطبعات المزمع إصدارها موقعة باسم المترجم ذاته، وأقصد صالح علماني. والحقيقة أن الأخير يعد من قدم للوسط الثقافي العربي الروائي غابرييل غارسيا ماركيز، إلا أن أول ترجمة مثلا لرواية «مئة عام من العزلة» أنجزها كل من سامي الجندي وإنعام الجندي، وصدرت عن دار الكلمة/بيروت، مثلما ظهرت لاحقا ترجمة ثانية للرواية نفسها في مصر موقعة من طرف سليمان العطار. وهي الرواية التي مضى خمسون عاما على ظهورها. ويمكن الاعتراف بأن الروائي والشاعر والمترجم التونسي محمد علي اليوسفي أسهم في التعريف وتقديم آداب أمريكا اللاتينية، ضمن أعداد مجلة «الكرمل»، حيث قدم نصوصا متفرقة ل: ماركيز، كورثازار وأوكتافيو باث، إلى كونه أنجز ترجمة رائدة لرواية «خريف البطريرك». وهي ترجمة لا يمكن أن تضاهى إلى اليوم، والدليل كون المترجم السوري صالح علماني لم يجرؤ على ترجمتها إلا في وقت متأخر، وأعتقد بعد وفاة ماركيز. وترجم اليوسفي في الآن ذاته «حكاية بحار غريق». إن إعادة إصدار هذه الأعمال رغم توافرها، وفي صيغة قانونية هي المستجد، لن يكون الهدف الوحيد منه سوى الحد من سرقة حقوق غابرييل غارسيا ماركيز، لولا أن مثل هذا الحد يكسره تداول النسخ المقرصنة. وأعتقد أنه كان من الأولى التنويع الروائي بالنسبة لأدباء أمريكا اللاتينية، خاصة أن المترجم صالح علماني قد نقل للأدب العربي والثقافة العربية تحفا أخرى، لها أثرها القوي والعميق والدال. وأما تجاريا، فلا أتصور أن الدار الناشرة ستحقق مكاسب بإنجازها هذه الخطوة. صورة السياسي: لم يعد السياسي في مغرب اليوم، يمتلك الصورة التي تبرز قوة شخصيته، وتبين ما يمتلكه من كفاءة واقتدار، حيث يتداول اسمه العلم، وترتسم مواقفه وأثرها: سياسيا، اجتماعيا وثقافيا. إذ يضع في مصاف أولوياته العام عوض الخاص، خدمة لمصلحة عليا هي مصلحة الوطن. إن السياسي اليوم، إذا ثبت أنه كذلك، يستبق واقعه المتميز بأفقه الضيق، في محاولة لفرض الذات على محيطه: حزبا، مناضلين ومبادئ. لم يعد مثار الاهتمام اللحظة في عمق تحولاتها، وإنما ما يمكن أن تحصله الذات في تعاملها مع فترة وجيزة من العمر. وإذا تأتى هذا التعامل في درجاته القصوى أمكن التوريث بهدف الاستمرار. هذا إذا لم تكن شجرة السلطة ذات امتدادات بلا حد. إن السياسي في مغرب اليوم، لا يمثل نخبة، ولا يرسم صورة دقيقة عن شخصه، ولا مرجعياته. إنه كما يأتي ينطفئ، حتى أن البعض قد لا يعرف اسمه نهائيا.