لا شك أن الحزب الشيوعي كان دار ثقافة و «جامعة»، فضلاً عن القيم النضالية التي يجسدها... وهو قد خرَّج مجموعة من الكادرات المميزة في حسها الاجتماعي وإيمانها بقضايا الإنسان وحقوقه على وجه الخصوص. بين مَن رافقني في مجلة «الأحد» ثم صحبني في رحلتي التي اكتشفنا فيها الكويت، خريف العام 1962، الياس عبود، ابن الأسرة الكادحة في القرعون، زوج المناضلة المميزة انطوانيت بشارة بنت دير ميماس... والذي انضم إلينا، كمحقق في مغامرة «السفير». كان الياس عبود يتاب ع بإحساسه المرهف القضايا الاجتماعية والمعيشية محققاً، مدققاً، لا يكتب عن هوى... لا يحابي ولا يجامل، ولا يداري، ولا يهاجم اعتباطاً. ولأنه ابن القرعون، في البقاع الغربي، حيث أقيم سد الليطاني مستولداً بحيرة الخير التي كان يفترض أن تخدم الناس فتنعش زراعتهم وتنتج الكهرباء وتروي عطشهم، بتكرير مياه النهر لتصبح صالحة للشرب ...الخ، فلقد ذهب مرافقاً مجرى نهر الليطاني من منبعه في العليق، غرب بعلبك إلى مصبه في القاسمية عبر سلسلة من التحقيقات التي لامست هموم الناس ومطالبهم. «نهر المليون فقير»... وهي التجربة المميزة التي عاشتها مرة أخرى الزميلة سعدى علوه بعد 44 عاماً، فلم تجد النهر بل مجموعة مكبات للنفايات... أما البحيرة التي كان يأمل منها المهندس ذو الرؤيا ابراهيم عبد العال أن تكون نقطة تحول، في الري والكهرباء وإنعاش البقاع والجنوب، فقد تحولت إلى مستودع للجراثيم ولادة الأمراض القاتلة. وكتاب الزميلة سعدى علوه هو توكيد على أن الدولة، بحكوماتها المتعددة، تهمل شعبها وتتآمر على صحته بالإهمال المقصود مدر الرشى والسمسرات التي يمكن أن تبني سدوداً في وجه التقصير والإهمال، وأنتجت منها كتابها الممتاز: «النهر الذي بات يموت ويميت». ولقد استشهدت ابنة الياس: لولا عبود، في واحدة من أوائل المواجهات مع العدو الإسرائيلي، وعبر عملية بطولية رعاها الحزب الشيوعي. الياس عبود «مدرسة» في الصحافة الميدانية، رحل مبكراً، قبل أن ينجز مهمته في خدمة مجتمعه. رحمه الله.