فوجئ المتابعون لتطورات الحرب على "داعش" بترحيب النظام السوري يوم 24 شتنبر 2014 بأي مجهود دولي يصب في محاربة الإرهاب في سوريا، بعد أن اعتبرت إيرانوروسيا كل تدخل عسكري في سوريا مخالفا للقانون. فما الذي يفكر فيه النظام السوري من خلال هذه الخطوة؟ ولماذا أقدم على إحراج أكبر حلفائه إلى هذا الحد؟ هل بدأ يقتنع بالرؤية الأمريكية لحل الأزمة السياسية في سوريا؟ أم بات يخشى تداعيات سلبية تأتي بالتزامن والحرب على "داعش"؟ يبدو أن النظام السوري قد استشعر الأهداف المستترة وراء مطاردة "داعش" والمتمثلة بالقصف الجوي في العراق تبريرا وتمهيدا لضرب التنظيم في سوريا. لقد أدرك خطة المزاوجة بين ضرب داعش والنظام بسلاح الجو الأمريكي الخارق، بخاصة بعد تصويت الكونغرس الأمريكي على تسليح وتدريب المعارضة السورية. إن خطة إدارة "أوباما" وضعت جميع الأطراف في حرج كبير، لأن فعلها القوي على الأرض جعل خصومها يكتفون بردود أفعال لا تَحِلّ وتعقد. لما استوعب نظام بشار قوة التخطيط الأمريكي القائم على التوغل العسكري والإغارة، ثم فتح الباب أمام الخصوم على خيارات متعددة.' قَدّر النظام، بعد قصف "داعش" في سوريا، أن يرحب بكل مجهود يحارب الإرهاب، وادعى بأن أمريكا أخبرته بالقصف، لكن أمريكا فندت ادعاءه. كأنه يريد بذلك استباق المآلات ليبقي على مشروعية ما في المرحلة القادمة بخاصة بعد إذاعة خبر تفاوض إيران على طموحها النووي باستخدام الورقة السورية. غير أن الائتلاف الوطني السوري(المعارضة) فهم إشارات نظام بشار فعقب سريعا بأن لا سبيل إلى الاستقرار والقضاء على داعش إلى بتنحية بشار واستبعاد أي دور له في المرحلة القادمة. ولما لاحظت إيران أن أمريكا تسارع إلى تنفيذ استراتجيتها الأمنية(تنتهي سنة 2014)، هرعت إلى التفاوض حول ملفها النووي، دون أن تحسب تداعيات تسريب خلط إيران بين ملفها النووي والملف السوري. وغير مستبعد هذا التوجه من قبل إيران إذا علمنا عراقة بلاد فارس في التأسيس للتضحية بالعربي وغير العربي مقابل مصلحة الفرس. ولذلك لم تمهل نظام بشار بالنقد اللاذع. وإذا لم تُظهِر روسيا سوى انتقاد موقف نظام بشار من التدخل العسكري الأمريكي في سوريا، فلا يخفى مقصدها من التشبث بنظام بشار، إنها لا تريد المغامرة بوجودها في البحر المتوسط إثر صعود نظام جديد. أما إسرائيل التي لا يعلم لها اليوم موقفا حاسما من الإرهاب، والذي طالما طالبت المنتظم الدولي بمواجهته[1]، فيبدو أنها غير مرتاحة من تداعيات القضاء على "داعش" وتغيير النظام وإحلال الاستقرار في سوريا، ولعلها تناور لإدامة الصراع في المنطقة، وتريد مجموعات ضغطها الكبرى تحجيم حلفاء الولاياتالمتحدة وجرها إلى حرب استنزاف برية. إن المصلحة الراجحة أبدا عند إسرائيل هي إضعاف الجميع، بما في ذلك أمريكا. لكن يبدو أن الأطراف التي خسرت نقاطا على الساحة السورية والعراقية، عبأت كل جهودها للمناورة وكسب نقاط على الساحة اليمنية. وبدا ذلك جليا حين سارعت هذه الأطراف زمن إبرام اتفاق بين الأطراف اليمنية برعاية أممية، لتبسط السيطرة على صنعاء ومؤسساتها الحيوية وتطوق منازل رجالاتها الفاعلين. لذلك تريثت أمريكا قليلا ثم نددت بأعمال الحوثيين، وسحبت جزءا من بعثتها الدبلوماسية في اليمن يومه الخميس 25 شتنبر 2014 كإجراء أولي ينذر بتطورات مجهولة المعالم، بخاصة بعد توعد تنظيم القاعدة للحوثيين. أما ليبيا فلم تأخذ اليوم حيزا في أخبار العالم، بعد أن تم التوافق على حكومة "عبد الله الثني"، وأذيع نبأ تقدم الجيش الوطني الليبي، وتراجع قوات فجر ليبيا يوم 24-09-2014 . وفي خضم هذه الظروف، يبدو الوضع الفلسطيني أكثر استعدادا لانجاح المصالحة واستكمال جولة التفاوض الجارية وإسرائيل من موقع قوة، ويعكس ذلك اتفاق حركتي فتح وحماس في القاهرة(25-09-14) على إزاحة كافة العقبات أمام حكومة التوافق الفلسطينية لتسيير قطاع غزة ومباشرة إعمار غزة(في 12-09-2014) والإشراف على جميع المعابر. لا يبدو الشذوذ عن النسق القائم إلا في الوضع اليمني، أَيُراد منه تأبيد الصراع بإعادة إنتاج سيناريو العراق أو سوريا في اليمن؟ أم سيجنح أطراف الصراع الدولي إلى السلام؟ ذاك ما ستبيديه الأيام القليلة القادمة. [1] -استهلت صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية مقالة في هذا الاتجاه بقولها:" لم تكد تبدأ الحرب على داعش حتى أخذ العالم أو الغرب يهيننا: فالرؤساء يرسلون طائرات وقوات صاعقة.' كيف يتجاهلنا نحن الذين سمينا كل عصابة مسلحة في جنوبلبنان إرهابا، وسمينا إرهابا أيضا كل من رمى ناقلة جنود مدرعة بحجر...". أنظر ترجمة المقالة بجريدة المساء، ع.2487، بتاريخ 25 شتنبر 2014.