استطاع الشريط الوثائقي المغربي "الأقصى يسكن الأقصى" للمخرج عبد الرحمان لعوان، والذي بثته قناة القدس الفضائية، أن يجول بالمشاهد في عبق التاريخ المغربي الأصيل فهو عبارة عن رحلة تاريخية في فترات متباعدة . وقد كشف الشريط ولمدة 50 دقيقة، الامتداد الزمني والمكاني للذاكرة المغربية التي استطاعت أن تترك بصمات واضحة في المشرق العربي في مجالات متعددة، هذه الصورة التي رسمها الشريط، جاءت معاكسة للصورة النمطية المتداولة والتي مفادها أن المشرق كان دائما يؤثر في المغرب. لقد قدم الشريط الذاكرة المغربية كذاكرة منفتحة ممتدة بإشعاعها الحضري إلى المشرق وبالضبط إلى أرض فلسطين. فالقضية الفلسطينية في الذاكرة المغربية وفي الوجدان الجمعي المغربي ليست قضية الحكام وحدهم ولا قضية العلماء ولا قضية النخبة ولا قضية عامة الشعب بل هي قضية مركزية تهم كل هذه الدوائر. وبالرغم من الإمكانات الإنتاجية المحدودة والمتواضعة وحداثة تجربة المخرج فإن الأقصى يسكن الأقصى قدم في قالب فني حقائق دامغة تفسر حب المغاربة لأرض القدس وتعلقهم الدائم للمسجد الأقصى . إذا كان الشريط قد اعتمد التسلسل في الأحداث والوقائع بشكل أفقي، فإن المخرج نجح إلى حد بعيد في اعتماد تسلسل عمودي أيضا يستند على تعدد المواضيع فمن الحج إلى الجهاد إلى الوقف ..... وظف المخرج عدة ثنائيات ويظهر ذلك جليا من خلال مايلي: أولا، الزمن فينتقل بنا الشريط من الماضي إلى الحاضر لاستشراف المستقبل ليؤكد استمرارية تعلق المغاربة بالقدس الشريف. ثانيا، ثنائية المكان حيث الوقائع والأحداث تجري في المشرق وفي المغرب . ثالثا، ثنائية المحاورين، فضيوف الشريط من المشرق والمغرب،كما أن بعض هذه الشخصيات ذات طابع أكاديمي وأخرى ذات طابع نضالي . رابعا، ثنائية تاريخ الأمة وتاريخ الدولة وهي ثنائية تبرزا لإجماع حول قضية القدس . خامسا، ثنائية التميز بين اليهودية كديانة عاش أهلها كمغاربة والصهيونية كنظام عنصري استيطاني. وإذا كان صلاح الدين قد وجه نداء للمغاربة من أجل إنقاذ القدس من خطر الصليبين خلال العصور الوسطى، فإن المخرج قد أنهى شريطه بنداء مماثل موجه للمغاربة من طرف الرائد صلاح من أجل استرجاع ممتلكاتهم التي اغتصبها اليهود بأرض القدس وكأنه ينتظر استجابة مماثلة في المستقبل القريب. وأخيرا فالشريط يعد بحق وثيقة تاريخية هامة تؤرخ للعلاقات المتعددة الأبعاد بين المغرب الأقصى. وإذا كان الفلسطينيون يناضلون من أجل تحرير أراضهم فإلى متى يستمر الصمت المغربي عن استرجاع الأوقاف والممتلكات والعقارات والأحياء والقرى المغربية المغتصبة في أرض الإسراء من طرف الصهاينة.