صدقا ما هذا الذي يحدث؟ مدرب يقال·· مدرب يفصل·· مدرب يرمى به في المستنقع، ومدرب يُبلَّغ بخبر عزله وهو "كيفرق الصوم مع أولاده"، ومدربون نجحوا في أن يطول بقاؤهم إلى ما بعد شهر رمضان، مع أن رياحا قوية تهب من بعيد، وحتما ستصل عن قريب فتذهب برؤوسهم·· وحتى أرفه عليكم، لأن المناسبة شرط، فنحن نعيش أيام عيد، ولا أريد أن يتكدر أحد منكم، سأسوق إليكم ما كان قد قاله ذات مرة الإطار الوطني سعيد الخيدر الذي رمت به الأقدار إلى وجدة ليصالح مولودية مهزومة في كبريائها مع تاريخها الرائع، الذي لم يصبح سوى كلمات مرتعشة على شفاه حزينة·· عندما سئل الخيدر عن مقصلة الإقالة التي تتهدد كل وقت وحين المدربين أجاب: >المسلمون يضحون مرة في السنة·· ونحن معشر المدربين يضحى بنا مرة كل أسبوع<· مثير حقا للإستغراب أن تكون لرؤساء الأندية على تعاقبهم، حتى أولئك الذين "فقصوا" من البيضة القدرة على أن يضربوا أعناق المدربين بلا شفقة كلما خسر فريقهم في مباراة أو مبارتين، بل إن كثيرا منهم يدفع المدرب بلا هوادة قربانا لأفران الغضب المشتعلة، بل إن منهم من لا يحتاج حتى إلى هزيمة ليشيع المدرب إلى مثوى الإنفصال، إذ يكفي أن المدرب تعنث وتجبر ولم يعمل بكلام رئيسه ليصبح في اليوم الموالي مفصولا عن العمل ومعزولا عن الفريق·· إلى الآن لم يمض من عمر البطولة غير دورتين، ومع ذلك طارت رؤوس ثلاثة مدربين، صحيح أنهم إختلفوا في ظروف العزل ولكن هم مفصولون أو منفصلون·· ظن عبد الحق السبتي الصاعد بالوداد الفاسي إلى القسم الأول، وقد أثنى أهل فاس على أريحيته وغيرته وصبره على >المكائد< أن نور الدين حراف سيدفع بالوداد إلى قهر الخوف الذي يتملك أي فريق كلما صعد إلى القسم الأول وأصبح يلعب بحضرة الكبار، ولست أدري أي مقارنة عقدها حتى يتبين الفرق بين خيري الذي صعد بالواف وبين حراف الذي يخوض لتوه أول تجربة مع فريق بالقسم الأول، وأنا هنا لا أفاضل بقدر ما أحاول أن أفهم، لأنه برأيي كان الأفضل الإبقاء على خيري، فقد فهم على الأقل كل الذي يتحرك داخل الفريق وفي هوامشه أيضا·· لم يصبر السبتي على ما أصاب فريقه من لعنة الهزائم، وهو يجد نفسه بعد مبارتين دون أدنى نقطة فأمر بإخلاء سبيل حراف، وكان من حظه أن المغرب التطواني إنفصل في ذات اللحظة عن عبد الرحيم طاليب بسيناريو مختلف، فحول إتجاه الأخير من تطوان إلى فاس، فيما أخذ حراف طريقه بحسب ما أعلم إلى أولاد تايمة ليشرف على فريق شباب هوارة· وبدا أن إنفصال المغرب التطواني عن طاليب وقد أنبأت به إرهاصات قبلية سيتم في أجواء مطلقة من التراضي، بأن يجلس المدرب ورئيس الفريق ويتواجها بالحقيقة ويفترقا على هدى من الله، وقد سل كل واحد شوكته من دون دم، إلا أن ما يراق اليوم على الهوامش من كلام ومن تهم وما يصوب بمنتهى الطيش من عيارات يقول بأن ما كان وراء الإقالة شيء أعظم، أكبر من مجرد أن طاليب لم تعد لديه القدرة ليحرك فريقا بكل هؤلاء "النجوم" الذين جاؤوه في موسم كسر رتابة اللعب لاحتلال مراتب آمنة في سلم الترتيب· واختلف الأمر عند الفريق الآخر لمدينة فاس، المغرب الفاسي، فمن رحل طوعا بلا قيد أو شرط هو المدرب محمد فاخر، الذي ما إن إنتهت مباراة المغرب الفاسي متعادلة بالعيون أمام شباب المسيرة في أولى دورات البطولة، حتى آخذ قرارا بعزل نفسه بالخروج بمحض الإرادة من فريق، عمل لمدة شهر على تحضيره لبطولة هذا الموسم· وأخذا بالإعتبار النضج الذي بلغه فاخر في تدبير مشواره التدريبي وفي حدس كل المواقع التي يتواجد للعمل فيها، فإنني لم أقتنع بكل الدفوعات "التقنية" التي قدمها فاخر وهو يعلل رحيله الذي فاجأ الرئيس الجديد مروان بناني، بل وعطل عنده كل قدرة على الفهم وعلى التحليل·· والدليل على أن فاخر كان على درجة كبيرة من التصميم والجزم بعدم الإستمرار مع المغرب الفاسي، فقد بدت ورقة الصلح التي لعبها أوزال وهو يطفو على السطح مجرد غيمة عابرة لم تمطر، وبرحيل وانزواء فاخر تكون الحقيقة وراء هذه الإستقالة قد تخفت علها تظهر ذات يوم فتنزع عنا الحيرة·· لا أستطيع أن أرثي لحال طاليب وحراف المدربين المقالين، فلم يمض على توقيعهما على وصل الإنفصال، وتقاضيهما مؤخر الطلاق نقدا أو وعدا، حتى كانا قد حلقا صوب فريق آخر، فطاليب هو اليوم مدرب للوداد الفاسي وحراف طار صوب هوارة فيما أظن، ما يعني أن المدربين معا لم يتعطلا عن العمل ولو ليوم واحد، بالمقابل أنا أرثي لأن يكون حالنا على ما هو عليه إلى الآن، أن تكون العلائق بين الأندية والمدربين مؤسسة على أهواء ونزوات أكثر ما هي مؤسسة على نصوص قانونية وعلى ميثاق فكري وتقني، فما يربط فريق بمدرب أكبر من عقد يوثق ويحمل فيه كل طرف مسؤوليات إتجاه الآخر، ويكون قانونا ملزما بتحمل المسؤولية كاملة· ما يربط فريق بمدرب، رؤية، إستراتيجية، فلسفة عمل ومطابقة فعلية بين فكر المدرب وروح الفريق في الخصوصيات والأهداف·· إن كان البعض يفسر تعجيل فريق بإقالة مدرب عند أول عثرة بدفع تهمة سوء التدبير عن المسير ورميها على المدرب، فإنني أفسر ذلك بحالة الفوضى والتسيب التي تضرب كرة القدم المغربية، وتعيق كل سعي لاحترافيتها، حتى لو كنا قد بشرنا أنفسنا أن هذا الموسم هو موسم الوصول إلى البطولة الإحترافية·