صدق من قال أن التدريب يبقى مهنة غير مريحة، بل إنها من أصعب المهن والمسؤوليات التي يتقلدها أشخاص يقودون كتيبة من اللاعبين، مطالبون كل أسبوع بالفوز، لأن وراءهم آلاف من المشجعين الذين يهتفون بإسم هذا المدرب عند النجاحات، بل يرفعونه فوق الأكتاف، كما قد يرمى بكل أنواع سهام النقد عند الإخفاقات·· على المدرب أن يتحمل بين الفينة والأخرى ضغط هذا الجمهور وكذا وسائل الإعلام· المدرب يقف وحيدا في بنك الإحتياط، ينتظر ما تجود به أقدام تلاميذته فوق البساط الأخضر وينتظر أيضا حصاد أسبوع من العمل المضني ومن الخطط ودراسة الخصم ومن التمارين والصراخ، وقد تكون نتيجة مباراة فاصلة لتحديد مصيره ومستقبله، وقد يدفع هدف يتيم للإضطرار لتقديم استقالته مكرها أو الإقالة·· ذلك هو حال المدرب الذي يعيش كل أنواع الضغوط، وهو الذي لا يؤمن إلا بالنتائج الإيجابية ولا شيء غيرها، لذلك هناك المدرب الناجح وآخر فاشل، ناجح لأنه كلما رحل إلا وترك وراءه بصمة النجاحات والألقاب، والفاشل هو الذي لا يترك وراءه إلا الخيبة والإخفاقات والأصفار، لكن ما الذي يفرق بين المدرب الناجح والفاشل مع أن جميع المدربين يحملون نفس الشواهد ويعملون بنفس الآليات، والمناهج والخطط التكتيكية· سيقول قائل أن الحظ يلعب لعبته، لأن مجموعة من المدربين محظوظون، صحيح أن الحظ هو جزء من اللعبة وكل مدرب أو لاعب إلا ويتمنى أن يكون هذا الحظ بجانبه ويبتسم له ، لكني لا أعتقد أن الحظ يبتسم دائما وفي جميع المناسبات، ولا أعتقد أن كل مدرب ناجح هو مدرب محظوظ، فتمة أشياء تتداخل فيما بينها لتصنع مدربين خطوا صفحات التدريب بمداد من ذهب كالإنجليزي فيرغسون والبرتغالي مورينيو والإيطالي كابيلو وغيرهم من مشاهير المدربين· من ضمن أسباب النجاح التي نسجل الموهبة، فلا بد من المدرب أن يكون موهوبا، شغوفا بمهنته، فعندما توقف مثلا مورينيو عن ممارسة كرة القدم كلاعب في سن آل 23 فلأنه وجد نفسه يميل إلى التدريب، ذلك أن هذا الميول والشغف هما ما دعاه لامتهان التدريب والذهاب بعيدا في هذا المجال، فكم هم المدربون الذين لم تنفع معهم الديبلومات ولا الشواهد ولا نجوميتهم كلاعبين سابقين، لأنهم افتقدوا لموهبة التدريب· بيد أن أكثر ما يميز المدرب في رأيي هو الإجتهاد، فالمدرب هو مثل اللاعب مطالب بالعمل والمثابرة والبحث ما دام التدريب هو علم ومناهج وخطط يلزم الذكاء وحب المعرفة وليس الكسل ومحدودية الطموح· أبرز المدربين العالميين ومهما بلغوا من نجاحات وحققوا من ألقاب فإنهم يلتزمون بالبحث والمعرفة ولا يتوقفون عن طلب العلم في مجالهم، مع الأسف أن قليلا من مدربينا من يراهنون على العلم والبحث ودراسة أحدث ما وصل له هذا المجال، فعوض استغلال كل فرص العلم والدراسة، فإن مدربينا يهذرون وقتهم في التشويش على زملائهم وانتقادهم في البلاطوهات والأستديوهات التحليلية ومدرجات الملاعب، وأتذكر هنا ما قاله المدرب الإنجليزي الشهير بوبي تشارلطون والذي توفي مؤخرا أنه كان يقصد الكلية الرياضية ليزيد من معارفه، وكان يؤكد أنه ما زال يتعلم رغم ما بلغه من مجد وما حققه من ألقاب ليطور إمكانياته، فالتدريب مجال واسع لا يبتسم للمدربين الكسلاء، بل للمجتهدين، واسألوا مورينيو كيف حوله الإجتهاد من مدرب مغمور إلى أحد أكبر المدربين في العالم·