سأغادر المغرب بعد شهرين إذا استمر الجحود مسيرو الرجاء والوداد لم يودعوني ولو بفنجان قهوة يد سوداء في جامعة كرة القدم تحاول خنقي
يسمونه الساحر الأبيض، يلقبونه بطائر الفينق، ينعتونه بالمعلمة اللاتينية الصامدة ضد التنكر، لكنه يظل في حله وترحاله الأكثر إثارة للجدل، الأكثر عشقا للمغرب من بين مئات المدربين الأجانب الذين مروا مرور الكرام أحيانا أو مرور اللئام، في مشهدنا الكروي. أوسكار فيلوني سقط صريعا في حب الدارالبيضاء من أول نظرة، ليس لأن الرجاء منحته المجد والألقاب، بل لأنه نسج علاقة وجدانية مع محيطه، وتحول من مدرب أجنبي يهوى جمع المال إلى مؤطر يهوى جمع الكؤوس والألقاب. سقط الرجل في حب الدارالبيضاء، ليس لأنه يهوى لياليها، وليس لأنه اكتشف منجم الألقاب في الدارالبيضاء، وليس لأن أولى شرارات العشق في كرة القدم نظرة فإصابة فانتصارات وألقاب، بل لأن الرجل القادم من عمق أمريكا اللاتينية، لا يغمض له جفن إلا إذا احتسى قهوة المساء في مقاهي المعاريف ودخن سيجارته الأمريكية المفضلة على نخب الإنتصار. لم يصنع فيلوني مجده مع الرجاء أو الوداد فقط، لأنه حل بالدارالبيضاء في نهاية التسعينات وفي حقيبته كؤوس وميداليات وشواهد حسن السيرة والسلوك، عليها خواتم كبريات الأندية الإفريقية، جاء ليملأ جرابه بألقاب أخرى أدخلت الرجاء والوداد التاريخ من بابه الواسع، دون أن يتمكن من ملء حسابه البنكي الذي ظل يعاني فقر في الدعم، دون أن تنتابه حالة ندم، فقط لأنه أشبه بالمعتوه يفضل هواء الدارالبيضاء الملوث على مال الأندية الخليجية. يقال إنه مدرب غريب الأطوار متقلب المزاج ينتفض حين يحتاج الأمر بعض الهدوء ويكون هادئا أمام الزوابع والبراكين، مدرب لا ينعته الصحافيون بالأجنبي لأنه يملك جنسية مغربية مستترة لم تمنحها له مصالح الجنسية والأجانب، فهو ينتقل من تدريب فريق بطل إلى تدريب فريق يسعى إلى الإنفلات من مخالب الدرجة الثانية، وفي كثير من الأحيان يقبل الإشتغال بأجر زهيد كي يمدد مقامه بين المغاربة، بكن سرعان ما تنتابه حالة غضب كطفل انتزعت منه لعبته، فيقلب الطاولة ويغلق هاتفه ويختفي في مقاهي المدينة. في هذا الحوار تقترب «المنتخب» من أوسكار بتفتح خزائن قلبه، لتنصت إلى نبض قلبه الذي امتلأ عشقا بالمغرب، وألما من فرط الجحود. في هذا البوح يعيد الرجل سرد علاقته مع أطراف المعادلة الكروية، منذ أن وطأت قدماه مطار محمد الخامس ذات يوم من خريف سنة 1998، إلى مغادرته الطوعية للنادي القنيطري وتحوله إلى زبون دائم لمقاهي العاصمة الإقتصادية. - نبدأ في هذه الجلسة الحوارية من أزمة الرجاء البيضاوي، ما هو تشخيصك للأزمة هل الأمر مجرد حالة زكام أم وعكة مزمنة؟ «لقد ابتعدت طويلا عن الرجاء البيضاوي رغم ارتباطي الشبه الدائم بالدارالبيضاء، أظن أن أزمة الرجاء أزمة هيكلية عميقة، صدقني إذا قلت لك بأنني أشعر بالألم والحزن أمام الأزمة التي يمر بها الرجاء، ليس من حقي الحديث عن الأزمة الداخلية وعن الصراعات التي تنهش الجانب التسييري لأن أخلاقي لا تسمح لي بذلك بحكم العلاقة التي تربطني بفعاليات الرجاء، لكن ما يحزنني فعلا هو هوية الرجاء التي تلاشت وضاعت، أعرف الرجاء بالأقمصة الخضراء فقط، لا توجد هوية بصمة أو طابع يميز الرجاء عن بقية الأندية، لاعبون يلهثون وراء الكرة بدون بوصلة ولا أهداف». - حضرت إلى مركب محمد الخامس في مباراة تأبين الزروالي، لكنك غادرت المدرجات سريعا ، ماذا حصل؟ «قلت إن هوية الرجاء تلاشت، وقفت على هذا، حين جئت إلى الملعب لأشاهد مباراة الرجاء ضد الحسيمة تكريما للاعب ساهمت في صقل مواهبه وهو زكريا الزروالي، هذا الولد كان إبني الذي حولته إلى ظهير من الطراز الرفيع، للأسف لم أتمكن من متابعة المباراة إلى نهايتها، وغادرت الملعب بعد أن شعرت بالألم وشعر معي كل الحاضرين أن رجاء الألقاب أصبحت بلا روح، تساءلت وأنا أعود إلى بيتي عما حصل لفريق الرجاء الذي نال صفة العالمية وأصبح مجرد رقم من أرقام البطولة الوطنية فريق فاز ذات يوم بكأس كأس عصبة الأبطال الإفريقية بدون لاعبين أجانب، اليوم الرجاء بدون أبنائه وبعناصر مستوردة لا تملك الهوية بلاعبين تائهين بدون باطرو». - هل الأزمة تتجاوز حدود النتائج الآنية إلى أزمة سيكولوجية عميقة؟ «سيكولوجيا، يمكن القول أن اللاعبين كانوا في السابق يعرفون لماذا يلعبون؟ ويعرفون قدراتهم وإمكانياتهم، وإذا انهزمنا نعود بسرعة في اللقاء الموالي، أزمة الرجاء معضلة داخلية وخارجية، فبعد نتائج المباريات ترى في وجوه المحبين حسرة وألم، يصابون بحيرة تسيطر عليهم لكنهم سرعان ما يتسلحون بالأمل لطرد الألم، ويمنون النفس بانتصار هارب يطارده الرجاويون دون أن يتفقوا على خطة المطاردة». - هل شعرت بالندم لأنك قبلت العودة إلى فريق حققت معه كل الألقاب الممكنة؟ «لقد دربت الرجاء والوداد وحققت معهما ما لم يحققاه منذ سنوات، وفي ظرف زمني قصير، حين فاوضني المسيرون الرجاويون للعودة لتدريب الفريق لم أتردد لحظة لأن هدفي هو العودة للمغرب من أجل الظفر بكأس لم تكن في حوزتي وهي كأس دوري أبطال العرب، التي يعد الرجاء أول فريق يحرزها، بالرغم من الظروف التي مرت فيها هذه المنافسة وصعوبة التوفيق مع أجندة البطولة وطول صيام، وعودتي للوداد كانت من أجل قيادة الفريق إلى الألقاب، لكن سارت الأمور بشكل مختلف تماما حينها غادرت الدارالبيضاء جسدا لا روحا وظل الرجاء والوداد في جوارحي». - تعاملت خلال مشوارك الكروي مع العديد من المسيرين المغاربة منهم الرؤساء الأكثر رسوخا في ذهنك؟ «بكل صدق أقول لك بأن حميد الصويري هو أحسن رئيس فريق لكرة القدم تعاملت معه، إنه قريب جدا من النادي، يجعله أكبر انشغالاته، يعطي للنادي وقته وجهده وماله، أنا لا أرميه بالورود، فلا مصلحة تربطني الآن بهذا الرجل، لكنه كان أكثر قربا للرجاء من رئيس آخر حققت معه ألقابا عديدة وهو أحمد عمور الذي لديه إلتزامات أخرى في عمله مما يجعله يفوض اختصاصات لمسيرين أحيانا لا يقومون بالدور المنوط بهم ويسربون أخبارا للرئيس وفق مصالحهم الخاصة». - لم تتحدث عن مسؤولي الوداد والنادي القنيطري والمغرب الفاسي، هل لديك مواقف معينة منهم؟ فضلت عدم الحديث عنهم لأنهم مروا دون أن يتركوا في وجداني أي أثر، قضيت معهم فترة معينة كان الحذر هو الطابع البارز، كيف تريدني أن أتذكر مسيرا يطلق لسانه لتصريحات تبرئ ساحته وتغرق الآخرين، رئيس له مصالح يحول النادي إلى دكان يسترزق فيه كل صباح، تصور أنني تعاقدت مع الكاك ورصيده من النقط سبعة نقط فقط، قبلت المغامرة رغم أن عددا من الأصدقاء حذروني من المخاطرة، وحين احتل الفريق موقعا آمنا أداروا ظهرهم لي، وفي فاس تسلمت الفريق وهو عائد من تجربة القسم الثاني، بل وكان مهددا بالعودة إلى بطولة الظل وقدمت في ظرف قصير وبأقل الإمكانيات التي يجب أن تتوفر لمدرب أكثر مما سطرته مع المسيرين، وهنا تحضرني واقعة تستحق أن تروى، فقد وجدت نفسي يوما أمام القضاء لأن الرئيس السابق للوداد نصر الدين الدوبلالي دعاني إلى إفراغ شقة كنت أسكنها قبل أن ينتهي عقدي، بل إن رجاله نزعوا جهاز الهاتف من البيت وأنا الذي أعطيت للاعبين والمؤطرين عشرات الهدايا». - لكن الدوبلالي عينك مديرا رياضيا للنادي، أي أنه وسع اختصاصاتك، حصل هذا قبل فوزك مع الوداد بكأس الكؤوس الإفريقية وتحديدا في كوماسي؟ - (يضحك)، نعم كنت معنا في كوماسي وفي الفندق الذي أقمنا فيه عقد الرئيس نصر الدين الدوبلالي ندوة صحفية، قال فيها إنه ابتداء من الآن سيصبح أوسكار «منادجير جينرال» وحدد مسؤولياتي الواسعة من انتداب اللاعبين إلى تشكيلة اللاعبين والمؤطرين، وعلى الفور باشرت مهامي واتصلت باللاعب غوصو غوصو الذي إلتحق بوفد الوداد في غانا على الفور ورافقنا إلى الدارالبيضاء على متن الطائرة العسكرية التي أقلتنا، لكن في اليوم الموالي أصدر رئيس الوداد قرارا آخر يقول فيه إنني مجرد مدرب للفريق الأول فقط، ولا دخل لي في الإنتدابات وأنه ما قال في ندوة الأمس لا يلزمه». - هل ينتابك بين الفينة والأخرى شعور بالغبن تجاه من تنكر لك من المسيرين؟ «رغم كل السنوات التي قضيتها مع الرجاء والوداد، لم أتلق أي دعوة لحضور مباراة في مركب محمد الخامس أو حفل يقام بمناسبة الفوز بلقب ما، لحسن الحظ أن بعض المنظمين وأفراد الشرطة يعرفونني فيسمحون لي بولوج المدرجات دون الحاجة إلى دعوة رسمية، هذا تنكر أو جحود.. تصور أنه حين يغادر مدرب الرجاء كهنري ميشيل أو غيره من المدربين تنظم إدارة النادي حفل وداع على شرف المدرب الذي غادر الفريق بسبب ضعف المردودية، وحين غادر أوسكار الفريق رغم كل ما حققه للرجاويين لم يستدعه رئيس لتناول كوب قهوة سوداء، أي تفسير لهذه الواقعة، أحاول أن أفهم سر الجحود فلا أستطيع، لكن لا أنكر أن مجموعة من الأصدقاء ظلوا على وفائهم ومنهم بعض الصحافيين الشرفاء، وهذه العينة هي التي تزيد تعلقي بالمغرب». - هل هناك مؤامرة لوقف مسارك كمدرب بالمغرب على الأقل تحت ذريعة التقدم في السن؟ «المدرب ليس موظفا في بلدية يتقاعد في سن محدد ويستفيد من إجازة سنوية، ويوقع في كشوفات الحضور والإنصراف، المدرب الذي راكم خبرة معينة على المسؤولين أن يستفيدوا منها، للأسف في المغرب هناك كائنات تريد التخلص من المرجعيات الكروية، مهما كلف ذلك من ثمن حتى عن طريق خلق وترويج الإشاعات المغرضة». - لكن الجامعة تقول إنك لا تملك شهادة تدريب معترف بها لدى الكاف؟ «الذي يقول هذا الكلام ويطلب من أوسكار شهادة تدريب، يستحق شهادة غباء معترف بها عالميا، كيف يعقل أن أدرب أندية محترفة في أوروبا وإفريقيا وأسيا دون أن تكون لي شهادة أو وثيقة تجعلني أنتمي كتابيا لفئة المدربين، لماذا يتعطل نظام المعادلة كلما تعلق الأمر بأوسكار؟ هذه أسئلة أطرحها بصوت مسموع فلا أجد جوابا، أظن أنه في الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، يد سوداء تريد أن تخنقني أو تطعنني وتبعدني عن المغرب لأنني أصبحت جزءا من تاريخ الرجاء والوداد، أنا على يقين بأن هناك من يريد طردي من المشهد الرياضي والتخلص مني إلى الأبد، لكنني لست كيس نفايات ولحمي لا يؤكل نيئا، خذ على سبيل المقارنة وتساءل معي، هل الإتحاد المصري والاتحاد التونسي والإتحاد الجنوب الإفريقي والإتحاد الإماراتي والإتحاد السوري والاتحاد الجزائري يقودهم أغبياء، لماذا سنحوا لي بتدريب فرق ومنتخبات في كل القارات وأنا لا أملك شهادة تدريب، الوحيد الذي يملك قرار بقائي أو إبعادي هو ملك البلاد محمد السادس الذي أكن له كامل التقدير والإحترام، أما بعض المسيرين الذين أقسموا أن أغادر المغرب بعاهة ذهنية فلن أحقق لهم تنبؤاتهم، ومن يشكك في ما أقول أدعوه ليقوم معي بجولة في شوارع الدارالبيضاء ليكتشف حجم الشعبية التي أحظى بها لدى الناس البسطاء، أما من يعاني من قصور في الذاكرة فأدعو له بالشفاء العاجل». - إذا استمر هذا الوضع هل سترحل عن المغرب أم ستقرر الإستقرار نهائيا في هذا البلد الذي نسجت معه علاقة حب؟ «سأقول لك أمرا لم أفصح به لأي أحد باستثناء زوجتي، إذا استمر الوضع بهذا التنكر سأغادر المغرب وأنا متأسف على الخاتمة المؤلمة التي أنهيت بها مساري كمدرب في المغرب، حينها سأطوي صفحة هذا البلد الذي أفتخر بوجود أصدقاء كثر فيه». - هل كنت ضحية رهان تشبيب مبالغ فيه؟ «أنا فخور بانتمائي إلى صنف المدربين الذين يعشقون المبادرة، الذين يقدمون في فترة إشرافهم على تدريب فريق ما الجديد، أحاول أن أخرج إلى الوجود لاعبين شباب أشكر الله لأنه وفقني في مهمتي وتمكنت من حيازة ألقاب بتشكيلة متجددة على الدوام.. هكذا أحاول أن أخرج لاعبين صغار من بئر النسيان لكي أجعل منهم نجوما، أو على الأقل لاعبين أساسيين في فرقهم، أمنا نماذج عديدة في كل الفرق التي تعاقدت معها، وأذكر أنه مع اتحاد العاصمة الجزائري غيرت نسبة كبيرة من اللاعبين وفي الجزائر أيضا خلال مباراة تاريخية بين الوداد واتحاد العاصمة أقحمت باحفيظ وأيت العريف أمام استغراب المسيرين، وقمت الدليل على أن الشباب لا تنقصهم إلا الثقة، وروح المبادرة فالمغرب يزخر بكفاءات تحتاج إلى من يمسك بيدها ويصبر لبعض الوقت قبل جني الثمار». - ما هي الطريفة التي ما زلت تذكرها خلال مسارك كمدرب؟ «في نهائي كأس دوري أبطال العرب منعني الحكم الرابع ومندوب المباراة من ولوج الملعب لأنني لا أملك بادج، هنا تبين لي أن المدرب هو آخر اهتمامات المسيرين، وهنا كنت مضطرا إلى انتزاع بادج أحد المصورين ووضعه في عنقي كي لا تجرى المباراة بكرسي بدلاء فارغ». - أنت مدرب عاش مع شخصيات كبرى في عالم الكرة مع سليم شيبوب مع الساعدي القذافي ألا تفكر في كتابة مذكراتك؟ «أنا رجل مواقف أولا، سواء مع هذه الشخصية أو تلك المهم أن أبقى وفيا لمبادئي، تصور أنني حزمت حقائبي بعد الإنقلاب على سليم في الترجي، وكنت من رجالاته لا أنكر هذا، قررت الرحيل بعد أن كان عقدي ساري المفعول وإنجازاتي تتكلم عني، وفي ليبيا غادرت الأهلي بعد أن دقت ذرعا بتدخلات الساعدي، وفي سوريا ودول أخرى كانت لي مواقف تستحق أن تدون ليقرأها الجيل الحالي ولو على سبيل الإستئناس. حاوره: