هل حجب إشعاع نجاح غيرتس شمس تألق الهولندي؟ جرب أسطولا من المحترفين وأعاد الروح لأمل البطولة أعلن تحديه ببلوغ أولمبياد لندن ووعد بتكوين جيل ألمعي خلطة من الكرة الشاملة وصرامة وواقعية أشاعت روح الإنضباط
لم يحدث وأن ضم المنتخب الأولمبي أسطولا من الواعدين ومن موهوبين يمارسون على أعلى المستويات في أكبر البطولات الأوروبية، بالشكل الذي أصبح عليه الوضع مع بيم فيربيك. كما لم يسبق في تاريخ هذا المنتخب وأن استطاع الإرتباط بكادر فني من عيار العالمية وبأهداف صريحة على شاكلة ما أنجزته الجامعة مع المدرب الهولندي. فيلق وكتيبة من الممارسين بأوروبا ومثلهم بالبطولة الوطنية، ودزينة مباريات تراوحت بين الإطارين الودي والرسمي، ورهان إيقاظ الشعلة الأولمبية على مرمى حجر، إذ يفصل المنتخب الأولمبي تأكيد حضوره بلندن خطوة واحدة فقط، هي ضمان مكان له بين الثلاثة الأوائل في دور المجموعات الذي سيحتضنه المغرب الشهر القادم. في الورقة التالية، إحاطة بما أنجزه فيربيك، متابعة دقيقة ومجهرية لما تحقق للأولمبيين تحت قيادته برغم كل البوليميك الذي تسبب فيه أثناء وبعد حلول بالمغرب. من مونديال جوهانسبورغ لمؤتمر الرباط في متم شهر ماي من السنة الماضية، وفي الوقت الذي ربطت فيه كثير من المنتخبات التي ضمنت تأهلها لكأس العالم الذي احتضنته جنوب إفريقيا، لم يجد بيم فيربيك أدنى حرج في تقديم نفسه في ندوة صحفية كان هو من أصر على انعقادها في العاصمة الرباط، على الرغم من ارتباطه بالمنتخب الأسترالي المؤهل لهذا المونديال. كثير من المؤاخذات سجلت على خطوة فيربيك، دون أن يوليها اهتماما كبيرا، وبلغة تميز الهولنديين عادة إختصر المسافة على كل من همهم أو تساءل سرا عن سر مبادرة بدت غربية بعض الشيء، أكد الربان الهولندي ما يلي: «لا يوجد هناك بند سري في ارتباطي بالمنتخب الأولمبي المغربي، أنا هنا لتحقيق التأهل لأولمبياد لندن، وأتحمل مسؤوليتي كاملة مع المنتخب الأسترالي لأنني حر في اختياراتي..». ليس التهور هو من تحكم فيما نبست به شفتا فيربيك، ولا حتى الإندفاع والحماس الزائد باعتبار ما راكمه من تجارب وروح القيادة التي أشاد بها غوس هيدينك، وإنما صراحة جبل عليها كل المدربين الهولنديين الذين لا يجيدون الإختباء خلف التصريحات المنمقة والموجهة.حضور امتد ل 24 ساعة قبل العودة مجددا لجنوب إفريقيا لمباشرة تفاصيل رهان من نوع آخر، بعد أن وثق لزواج موقوف التنفيذ لكنه بضمانات جد مؤكدة. رحلة الألف ميل لم ينتظر بيم فيربيك الوقت والمسافة التي فصلته بعد الخروج من الدور الأول للمونديال الإفريقي ليقدم للمغرب، بل أكد حضوره أسبوعا فقط بعد خروج منتخب الكنغر من سباق كأس العالم، وكأنه تمة تحد يريد الرجل استعجال بلوغه وتحقيقه، أو أنه متعطش لبلوغ هدف معين. حتى وهو غير ملم بتفاصيل كرة القدم الوطنية وتزامن قدومه مع فترة نهاية الموسم الكروي، بكل ما يطرحه من صعوبات في تتبع مسار لاعبين بسن معينة وبجودة كبيرة، فإنه حرص منذ وصوله على إعادة تقديم نفسه لوسائل الإعلام، مبديا مرونة كبيرة في التعامل والتعاون من خلال استبيان كل المعطيات التي ستفيده في عمله، ومتشددا أيضا مع ضرورة أن يتوفر الذين يتعين عليهم دخول فردوسه الذي بشر به بمقاييس ألمعية من نوع خاص جدا يتلاءم مع رهان المرحلة. وما إن بدأت البطولة الوطنية في التمهيد لإعطاء ضربة بدايتها، حتى كان فيربيك قد هيأ بالموازاة مع ذلك أسطولا بأسماء العيارات التي يتوفر فيها شرط السن أولا قصد إخضاعها للمراقبة، على أن تعقب ذلك عملية تقييم المنتوج والمردود بدخول الأندية صلب موضوع المنافسة، وهو الهيكل الأول الذي أقام على أساسه فيربيك صرح أحلامه وأحلام إعادة تشييد ما ضاع داخل بلاط الأولمبيين.. أجندة تهييء لغربلة الكومندو في الوقت الذي انشغلت الجامعة بتقديم إيريك غيرتس وهو الذي تأخر في إعلان قدومه، وبالضبط أواسط شهر نونبر 2010، كان فيربيك قد فطن إلى أن سعي الجهاز الذي ارتبط به لترميم ما تهدم في بناء الأسود، قد يحول كل الأنظار عنه، بل قد يجعل كل الحماس الذي قوبل به في مؤتمر وندوة الرباط جزء من الماضي المنسي، لذلك كان قد صمم أجندة محكمة للتعارف وتكوين فكرة شاملة عن اللاعبين المفروض أن يشكلوا أساس الإشتغال. بداية الظهور كانت بالإعتماد على لائحة هيأتها له الجامعة بتعاون مع تقنيين مغاربة كانوا أقرب ما يكون للمشهد، وبعدها يترك له هامش الإختيار واسعا لترك بصمته، وهو ما كان أمام المنتخب القطري في لقاء ودي عرف تفوق المنتخب الأولمبي الذي تشكل من لاعبي البطولة ب ( 31) وبعده بيومين فقط أجرى بتزامن مع لقاء الكبار ببلفاست الإيرلندية مواجهة مع منتخب كوت ديفوار آلت لصالح صغار الفيلة ب (12)، الشيء الذي خلف انطباعا كبيرا وعميقا لدى المدرب الهولندي من أن الإعتماد على لاعبي البطولة غير المستقر الإيقاع فيه من المجازفة الشيء الكثير. دعا فيربيك لإجراء دوري ودي يتيح له فرصة التقييم والإستقراء بشكل أكثر موضوعية، وهو ما لبته الجامعة خاصة وأن المدرب لم يتأخر كثيرا في كشف القناع أو الوجه الخفي بانتقاد سذاجة لاعبي البطولة في التعامل مع مجريات الأحداث بشكل لا يقدم ضمانات تحقيق الهدف التعاقدي، فكان دوري شمال إفريقيا الذي احتضنته ملاعب البيضاء، الجديدةوالبيضاء.والغاية غربلة الكومندو لاختيار الأصلح للمهام الحربية التي يتهيأ لها.. جولات مكوكية ليبيا، الجزائر والكامرون وكلها منتخبات واجهها المغرب في دوري شمال إفريقيا وحقق خلالها نتائج متباينة تراوحت بين الإنتصار العريض (الرباعية المسجلة أمام ليبيا) أو الرضوخ لمشيئة الخسارة كما عرت ذلك مباراة الجزائر.. كلها عوامل دفعت بيم فيربيك للبحث في أوروبا عن الوجوه التي بإمكانها تنقيح المجموعة بمصل المناعة في الأدغال الإفريقية.. أميال كثيرة قطعها بالطول والعرض، ورحلات قادته لمختلف البطولات بالقارة العجوز وتجنيد لفريق عمل متعدد الوجوه، غايته التنقيب وتهييء لائحة بالأسماء التي يمكن وضعها تحت المجهر وهو ما حدث في نهاية المطاف. شكلت مباراة بوركينافاصو الشهيرة بمراكش فرصة كي يقدم الجيل الرابع من أبناء المهجر أنفسهم بهوياتهم الجديدة تحت أنظار العراب فيربيك أمثال (فتوحي - فضال - بركديش - كركيش - قاسمي - الخروبي - برادة - والواعد لبيض..) ومعها حسم المدرب الهولندي رأيه الذي برمجه منذ توقيعه العقد، وهو الإعتماد على الوجوه المحترفة بالإستناد لنضجها وانضباطها وخاصة استقرار مردودها في رحلة الحلم الكبير.. حلم بلوغ أولمبياد لندن بطبيعة الحال، ومعها تسنى اكتشاف معادن نفيسة أخرى بالديار الأوروبية، إذ كل مرة كان يطلع فيربيك بوجه مغمور سرعان ما يصقله ليقدمه بالصورة التي تليق به وتضمن له كثيرا من الإعجاب والتقدير.. عراب شالنج يستفز الجامعة أمام المد الجارف والحضور الطاغي للوجوه المحترفة في تشكيل المنتخب الأولمبي، وأمام تصريحات بيم فيربيك الحادة جدا والتي جاءت كرد فعل على ما لمسه من جفاء في التعامل مع العمل الذي ينجزه في العمق لكرة القدم الوطنية، والتي انتقد من خلالها سلبية المنتوج المحلي وعدم استقراره على حال، خاصة بدخوله في مشاحنات وصراعات معلنة مع لاعبين تم دعمهم إعلاميا أكثر من اللازم، وخاصة عبد المولى برابح وياسين لكحل.. لجأت الجامعة لشن هجوم مضاد كانت الغاية منه وضع المدرب الهولندي في ورطة أو أمام الأمر الواقع بشكل أكثر تهذيبا.. الخطوة كانت تقديم اقتراح بدا غريبا في بعض تجلياته وخاصة توقيته وطريقة ونظام إجرائه، وهو دوري شالنج الذي تم التأكيد على لسان أصحابه على أنه اقتراح من فيربيك، في حين تبرأ الأخير من نسبه لاحقا، دوري فتح أعين الجامعة والمدربين وحتى الجمهور على عناصر واعدة طوتها انشغالات الأطر الوطنية بالمخضرمين وبالمراهنة على لاعبي الخبرة، وتم فتح المجال أمام أكثر من 92 لاعبا لتأكيد حضورهم ، وهي واحدة من الحسنات التي تحسب لفيربيك الذي ساهم في وضع متوسط أعمار اللاعبين على مقياس غير مسبوق ومعه توسيع دائرة اختياراته للتنويع وإشعال المنافسة لربح مكان ضمن المجموعة. شعلة لندن على بعد خطوة بتجاوزه حاجزي منتخبي موزمبيق وبعدها منتخب الكونغو المشكل في غالبيته من لاعبي فريق مازيمبي العتيد، والذي كسب كأس إفريقيا للمحليين في السنة المنصرمة، قدم فيربيك نفسه للجميع على أنه «الرجل المناسب في المكان المناسب»، وعلى أنه بالفعل نجح في تأكيد كل قناعاته حتى وإن بدت للبعض في البداية على أنها متطرفة.. كسب جيلا من المحترفين الذين يمارسون على أعلى المستويات، على شاكلة الواعد برادة الذي ينشط في الليغا رفقة خيطافي والذي توج أول عقد احترافي صحيح له بعد تألقه رفقة الأولمبيين، وعلى نفس الخط يتواجد فضال رفقة الإسبانيول وبركديش رفقة لانس ، وبالإيرديفيزي يتواجد المتألق لبيض المطلوب من طرف كبار الليغا وعلى رأسهم إشبيلية بمعية رفيقيه مختار ونجاح..قبل أن يتحول ياسين قاسمي من كومبارس في الفريق الباريسي للاعب رسمي في رين. المنتخب الأولمبي الذي سيقبل بعد أقل شهر من الآن على دور المجموعات الفاصل، بات قريبا جدا من تأكيد حضوره الخامس في الألعاب الأولمبية بعد أن شكل ظهوره في أثينا 2004، التوقيع الأخير له في تظاهرة من هذا الحجم، وحظوظه في التواجد ضمن طابور الثلاثة الأوائل جد قائم خاصة بعد إسناد الحدث للمغرب تنظيميا، بالإحتكام بطبيعة الحال لما قدمه هذا الفريق منذ بداية التصفيات من مردود.. كاريزما شاملة وغبن إعلامي الكاريزما التي تختزل خلفها قوة الشخصية والتشبث بمواقفه مهما كان حجم المخلفات.. سمات أكدها بيم فيربيك على امتداد 16 شهرا التي هي قوام الفترة التي أمضاها بالمغرب. صحيح أن بعض خرجاته وتصريحاته تم تفسيرها على أن فيها نوعا من التناقض مع المنطق حين وجه سياط الإنتقاد لاختيارات جامعة هي من تدفع راتبه أولا وأخيرا، إلا أن الأرقام والحصيلة عادت لتنصفه أخيرا وتؤكد أنه كان صاحب حق ومبادئ. أحس بيم أنه كان ضحية استحواذ الغريم غيرتس على الأضواء فاستعرت كل نيران ديربي البينولوكس بداخله، باستحضار الصراع الأزلي بين البلجيكيين والهولنديين، والكل شاطر التقييم الذي يقول بأن شمس الإنجازات والعمل الكبير الذي قام به حجبتها الإشعاعات التي سلطها غيرتس على محيطه. هذا هو بيم فيربيك الذي غير كثيرا من المفاهيم التي ظلت تضع المنتخب الأولمبي على هامش الأحداث في السابق قبل أن يرسخ لثقافة جديدة مفادها، أن الكبار الذين لا خلف لهم إنما موعودون بالإعدام في منتصف الطريق، وداخل كل هذه الدوامة ما يزال فيربيك منتصرا لأطروحته الشاملة المستمدة من مدرسة رينوس ميتشيل والقائمة على الإنضباط وتطويع المجموعة للإشتغال كخلية نحل تدافع كوحدة وتهاجم كيفلق وتلك بصمته التي صاغ بها منتخبا أولمبيا سيستأثر بكثير من الأضواء مستقبلا.. إنجاز: