في فرنسا ودول أوروبية أرستقراطية أخرى بخلاف العرب يقولون ويتكلمون أكثر مما يفعلون، ويجسدون التطبيق على أرض الواقع، حين يريدون إنتقاد فعل أو سلوك لا يجرحونك، بل يبادرون بطريقة مهذبة ولبقة إلى الإتيان بفعل آخر مضاد أفضل منه، فتضطر أنت إلى الخجل والإعتراف بألمعيته لوحدك وأنك أخطأت الصنع·· نبلهم وشهامتهم تقودهم لأشياء كهاته، فحين يرتشف فرنسي ما قهوة رديئة، فإنه مثلا يحترم مشاعرك ولا يجرحك في الصميم ويقول لك إنها بهذا السوء، بل يعمد إلى تهييء قهوة أخرى رفيعة ويقول لك تذوق هاته، وحين يداعب لسانك مذاقها الرائع تفهم الرسالة وتدس رأسك في التراب كأي نعامة· قد تتساءلون ما الداعي لربط التقديم بطبيعة الموضوع؟ والإجابة تأتي في صورة وصيغة أن ما يفعله الفرنسيون مع معد القهوة الرديئة فعله وطبقه لومير مع رئيس الجامعة الجديد علي الفاسي الفهري كيف ذلك؟ فحين أقدم رئيس الجامعة على ركوب الجسر الجوي صوب فرنسا وأوروبا لذغذغة الوثر المنفلت في عقارب دماغ أبناء المهجر، وخاصة وادو في خطوة غير مسبوقة وسنة محدثة، وعاد ببشارة لملمة الجرح وتقديم الضمانات للاعب نانسي والإنتصار لنضاله وتاريخه وإسمه في المرحلة المقبلة، وبأن ينال الرسمية والشارة وغيرها من الملحقات، ظل لومير هادئا، ساكنا ذلك السكون الذي يتقدم العواصف الهوجاء، ولم ينتقد ما اعتبره كثيرون لا يدخل ضمن اختصاصات رئيس الجامعة الجديد·· لكنه بالمقابل انتظر التوقيت المناسب للرد بطريقته الخاصة، وتقديم قهوة أفضل من تلك التي هيأها الفهري·· أبعد وادو بدم بارد وأنجز ما ينتصر لسمعته ولتاريخه وإسمه وبالطريقة التي ترضيه وتخدمه أكثر من أي واحد بما فيها مصلحة الأسود، لأن لومير إحترم بهذا المنطق حدود الإختصاص والمسؤولية ولا أحد سيلومه، بل لا يوجد في لغة المنطق ما يجعله مخطئا وسأفسر كيف؟ لو وجه لومير الدعوة لوادو لأرضاه ولخسر أسهمه كلها في خريف عمره في بورصة قيم التدريب، لتحول لأضحوكة ولنكتة كرجل يهلوس لدى الإعلام الفرنسي وخاصة ليكيب وفرانس فوتبول اللذان تابعا بعضا من فصول مسرحية وادو وتصريحاته وانتقاداته اللاذعة لاختيارات لومير، لأن رأس مال لومير هي الكاريزما التي يتباهى بها، هي قوة الشخصية وهي ردة الفعل على سلوكيات كهاته، وكما رسخها تقليدا ببلاد قرطاج وفي مناسبتين، الأولى مع زياد الجزيري الذي لم يقدر عواقب عدم ربط اللسان وبعده الشرميطي وأحالهما لمجرد صفر على اليسار داخل تشكيلة النسور القرطاجية· أحترم لومير مبادرة الفهري وبإبعاده وادو دعاه بطريقة ماكرة وبغمزة سحرية لاحترام مشيئته وبعدها يتحمل مسؤوليته كاملة·· لومير اليوم هو مدرب للأسود وغذا لهولندا، أو نيجيريا أو حتى إيطاليا أو الكاميرون، وأراد التأكيد للعالم ككل على أنه لن تكتب في صحيفته أنه إنحنى يوما أمام ضغوطات لاعب أساء له ولم يحترمه كما لم يحترم زملاءه·· هكذا فكر لومير فقدر الأمور وحسبها كما يلي: فهو محال على إقالة مكتوبة تنتظر الختم والتأشير عليها بعد لقاء الكاميرون لو قدر الله وتعثر سواء لعب بوادو أو بدونه، لذلك فضل إقصاءه وإعلاء كلمته وبالتالي تأكيد قوة الذات والشخصية·· وفكر أيضا أنه لو استدعاه لعاش أسبوعا بأحوال طقس مكهربة، بتيار مفصول داخل المجموعة، بتكتلات تمزق الوحدة، وبلاعبين خليجيين ناقمون على ابن الراشيدية وهذا ما لا يخدم مصلحة الفريق الوطني، لذلك لجأ للخيار السهل بغض النظر عن مأساة خط الدفاع، وسأحيلكم هنا على نماذج للأسف تقف إلى جانب لومير وبصفه· بفرنسا حينما خرج تريزيغي بتصريح مماثل طعن في اختيارات رفيق درب لومير دومنيك وقال >أنا ألعب في اليوفي< وبتعيين على دومينك الإعتماد علي بتحريض علني بليكيب، جاء رد الأرستقراطي الفرنسي بأن همشه وحين فكر في ترسيمه في لقاء النهائي العالمي ندعم على فعلته بعدما أهدر الأرجنتيني تريزيغي الجزاء الوحيد ضد الطليان، فأخرجه من ذاكرته واحترم حتى سكاليت هذا·· ما فعله تريزيغي وسبقه إليه كانطونا، وفعله بيكهام مع فيرغسون وكابيلو لدرجة أن السير غرس حذاءه في جبهة ملك الإعلانات وفعله فيغو مع لوكسمبورغو مع الريال، فكان أن أحاله بيريز على بلاد الإسباكيتي ليلحق بالأنتر، وحين كرر المشهد غالاس وكشف أسرار مستودع ملابس أرسنال رماه فينغر ب "البيتزا" وهدده بما هو أمر· على أن أكثر ما يقترب من صورة لومير مع وادو هو حادث المعلم شحاتة مع حسام حسن ضد السينغال، وأيضا بعدها وكيف أن ميدو بعدما انتقد زميله عمر زكي لاعب الزمالك، أن هذا الأخير طار لأنجلترا وألهم جماهير ويغان، وكيف أن نجم ميدو واعتزازه بالذات، أفلا ولا أحد داخل مصر لام شحاتة برغم قيمة ميدو وجماهيريته· هكذا فكر الكهل لومير وقدر فقرر، ومخطئ من يظن أن الباركينسون ينال من طاعني السن، فالأخير أثبت أن السنين تزيد البعض حكمة ودهاء، أما وادو فلعله استوعب الدرس·