- الهمة اتهمك أيضا بأنك قلت في تصريح صحفي إنك مع قطع يد السارق، ما هي ملابسات هذا التصريح؟ < زمن هذه الواقعة يعود إلى الانتخابات التشريعية سنة 2002، فقبل أن يتم الإعلان عن النتائج الكاملة لهذا الاقتراع كان واضحا أن هناك تقدما لفائدة حزبنا في هذه المحطة الانتخابية. والذي حدث أن صحافيا اتصل بي وقال إنه يمثل وكالة أجنبية وسألني عما سنفعله إذا ما شاركنا في الحكومة، فكان جوابي أنه من السابق لأوانه الحديث الآن عن الدخول في الحكومة لأن نتائج الانتخابات مازالت لم تعلن كاملة ولأنه ليس بإمكان أي حزب أن يشكل الحكومة لوحده نظرا لأن النظام الانتخابي نظام تجزيئي، فقال لي: ولنفرض أنكم دخلتم مع غيركم إلى الحكومة، فما الذي ستفعلونه؟ فقلت له نحن مع تخليق الحياة العامة وشرحت له مواقفنا الثابتة من قضية التلاعب بالمال العام. فقال لي: وأين الإسلام في ذلك؟ فقلت مرة أخرى إن تخليق الحياة العامة هو من الإسلام ومن مقاصده، ثم طلب مني أن أجيب عن سؤال دقيق مفاده: هل تؤمنون في الحزب بقطع يد السارق؟ فكان جوابي أن العقوبات الزجرية في الإسلام جاءت لتحمي واقعا معينا وهو الواقع الإسلامي بما هو نظام سياسي اقتصادي اجتماعي، أما الوضع الحالي فهو أبعد ما يكون عن الواقع الإسلامي، وأعطيته مثالا بقطع يد السارق، وقلت في هذا السياق إنه لا يتصور في الإسلام أن يؤمر بقطع يد السارق إلا في الحالة التي اكتسبت فيها الأموال من الحلال وأديت فيها حقوق الله وحقوق العباد، وهو ما يعني أن هذه الأموال تكتسب حصانة تستوجب على من يمس بها أن تقطع يده. فعاد الصحافي ليسألني من جديد: «هل أنتم تؤمنون بقطع يد السارق؟»، فقلت له إن قطع يد السارق أمر منصوص عليه في القرآن الكريم لا يجوز لأي مسلم أن ينكره، لكن نؤمن بأنه لتطبيق الحدود لابد من شروط، وبما أن هذه الشروط غير متوفرة فإنه لا يمكن أن نتحدث عن تطبيق الحدود. وهكذا صدرت قصاصة لهذا الصحفي بعنوان «النائب الذي يريد قطع يد السارق». وطبعا فؤاد عالي الهمة أخرج هذا التصريح الصحفي عن سياقه ليقدم الرميد بالطريقة التي يريد، على قاعدة ويل للمصلين. وكم وددت لو وجه نفس السؤال إلى الهمة: هل تؤمن بما ورد في القرآن الكريم من قطع يد السارق؟ لنعرف ماذا سيكون جوابه. - هناك من يعتبر أن الهدف من خروج الهمة إلى الساحة السياسية هو تشكيل جبهة سياسية مضادة للإسلاميين، هل تعتقد ذلك؟ < أعتقد أن الهمة له دور أخطر من ذلك، إنه يحاول تجييش فلول العلمانيين أو من يعتبرون أنفسهم ديمقراطيين وحداثيين والعديد من الفاسدين خلفه بدعوى أنه سيواجه الإرهاب والتطرف والظلامية. وواضح أن دور الهمة هو تهميش جميع الأحزاب السياسية وكل الفاعلين السياسيين غير الممخزنين لفائدة حزب أو أحزاب لا تعدو أن تكون كائنات سياسية مرتزقة. - وما العيب في أن يتوسل الهمة بالوسائل السياسية السلمية في مواجهتكم؟ < ينبغي أن يواجهنا بالوسائل السلمية المتاحة لجميع الفاعلين السياسيين والهيئات السياسية، أما السيد فؤاد فهو يواجهنا برموز الدولة وبكوادرها وبإمكاناتها. - لكن الهمة أيضا يقول إنكم تمارسون السياسية بوسائل غير متوفرة لبقية الأحزاب وتوظفون الدين في خطابكم السياسي وتوظفون المساجد... < هذه مجرد ادعاءات تحتاج إلى دليل لأن الدين للجميع وليس حكرا على أحد. وهل منعنا أحدا من أن يستمد خطابه من الدين أو يستند في سلوكه السياسي إلى المرجعية الدينية؟ لم نفعل ذلك ولن نفعل وليس بإمكاننا ذلك. لكن المؤكد أن فؤاد عالي الهمة يستغل علاقته بجلالة الملك وهو ما جعل الكثير من الانتهازيين يقبلون عليه. - وما هي مؤاخذاتك على علاقة الهمة بالملك، إنهم أصدقاء منذ 30 سنة؟ < أنا أقول إن جلالة الملك من حقه أن يختار من يستقبله ويختار من يرافقه ويختار من يصادقه، لكن نظرا لرمزية الملك ورمزية الملكية في البلاد ونظرا لأننا جميعا ملكيون فينبغي أن تكون المسافة التي تفصل جلالة الملك عن محمد اليازغي هي نفس المسافة التي تفصله عن سعد الدين العثماني أو فؤاد عالي الهمة أو مصطفى المنصوري، أما حينما يكون هناك تباين في هذه المسافات، ويكون هناك شخص قريب وآخر بعيد، فهذا في حد ذاته إشكال كبير لا يمكن أن نتصور معه عملا سياسيا متوازنا. وأنا أقول دائما إن الديمقراطية تنبني على المنافسة، والمنافسة لا يمكن أن تكون إلا إذا كانت هناك مساواة بين الفاعلين السياسيين. طبعا، لا أتحدث هنا عن العلاقة الخاصة بين جلالة الملك وفؤاد عالي الهمة، وإنما أتحدث عن تداعيات هذه العلاقة في مجال الشأن العام لماذا؟ لأنه حينما يرى المواطنون والطبقة السياسية والاقتصادية والجمعوية أن السيد فؤاد عالي الهمة يرافق الملك في جولاته في الشارع العام فهذا معناه أنه شخص محظوظ ومميز، وبالتالي سيقبل الناس عليه ليس لأنه يحمل مشروعا إصلاحيا أو أن لديه طموحا ديمقراطيا ولكن بهدف الاستفادة من هذه علاقته بالملك. وحينما تدخل في العمل السياسي هذه الاعتبارات، فذلك تمييع للسياسة وقضاء عليها. - هل تعتبر أن الهمة يتجه نحو تشكيل حزب سياسي؟ < ما يهمني هو أن فؤاد عالي الهمة دخل الحقل السياسي في سياقه الحالي من خلال الترشح في الانتخابات التشريعية الأخيرة، ولائحته بالرحامنة فازت بالمقاعد الثلاثة، وهذا غير طبيعي. - لكن الهمة يقول إن عدد الأصوات التي حصل عليها تفوق بكثير عدد الأصوات التي حصلت عليها أنت؟ < وهذا شيء طبيعي، فهو حصل على أصوات أكثر مني ومن الجميع. وهذا ناتج عن الاعتبارات التي سبق أن ذكرتها، وهي أن الهمة كان مؤازرا بالسلطة وبكوادر السلطة وبإمكانات السلطة وفي بيئة قروية للسلطة فيها اليد الثقيلة ولها رمزيتها ولها تأثيرها. - إذن التأثير على الناخبين في دائرة الهمة كان معنويا ولم تكن له علاقة بتزوير جرى لفائدته؟ < ليست لدينا معطيات على وجود تزوير لفائدة الهمة في دائرة الرحامنة، لكن التأثير على الناخبين تجاوز ما هو معنوي، إذ ساد جو من الإرهاب، ويكفي أن أذكر في هذا السياق أن مواطنا من أعيان المنطقة أظهر تعاطفا مع مرشحنا، فتم تهديده، مما جعله يتراجع عن مساندته، أذن، أريدَ للائحة الهمة أن تخوض السباق لوحدها دون منافسة، فكان ما كان. - لكن الهمة سبق له أن ترشح في انتخابات برلمانية سابقة على عهد إدريس البصري ونجح... < لكنه لم ينجح بهذه النسبة الحالية من الأصوات. وأنا أدعو بالمناسبة الطبقة السياسية إلى أن تكون لها الشجاعة للمطالبة بمعرفة الحقائق المتصلة بلائحة الهمة في دائرة الرحامنة، ثم بحجم الإنفاق المالي الذي صرفه الهمة في هذه الحملة الانتخابية. ويكفي أنه كان يوزع نشرة تواصلية يومية طيلة أيام الحملة، ونحن نريد أن يكشف لنا الهمة عن مصاريفه الحقيقية ليتبين أنها أكبر بأضعاف مضاعفة من السقف القانوني المحدد. - ما هو السقف المحدد قانونا؟ < 25 مليون سنتيم، وهذا الرقم تجاوزته لائحة الهمة بأضعاف مضاعفة. - الاتحاد الاشتراكي يتجه نحو اتخاذ قرار يقضي بطرد أي عضو من الحزب التحق بالهمة، ما هو تعليقك؟ < أعتقد أنه قرار في محله. وأعتقد أن الاتحاديين لديهم كل المعطيات حول تحركات الهمة حينما كان في وزارة الداخلية وبعد خروجه منها. ويبدو أنه تأكد لديهم بأن هذه الحركات التسخينية والتعبوية التي يقوم بها تندرج في سياق التأسيس لمشروع سياسي مشبوه، وبالتالي فمن حق الاتحاد أن يتخذ مثل هذا الموقف من الهمة. ونحن في العدالة والتنمية لو كنا وجدنا أي عضو منا يحضر اجتماعات الهمة لاتخذنا نفس القرار. وأعتقد أن جميع الأحزاب ينبغي أن تنحو منحى الاتحاد حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود. - أنتم مقبلون قريبا على تنظيم مؤتمر وطني للحزب، هل سترشح نفسك لمنصب الأمين العام؟ < ترشيح الذات أسلوب غير معمول به في هيئتنا السياسية، فأعضاء الحزب هم الذين يرشحون من يرون أنه مؤهل لتحمل مسؤولية حزبية ما، كما تقضي بذلك مقتضيات القانون الأساسي. وأعتقد أنه إذا رشحني الإخوة لمنصب الأمين العام للحزب فإني سأعتذر. - هناك من يقول إن كل القياديين في الحزب يرغبون في الترشح للمسؤوليات، لكنهم يختبئون وراء مسطرة عدم ترشيح الذات. فما العيب أن يرشح الإنسان نفسه ويدافع عن أفكاره بصورة شفافة دون التفاف على الحقيقة؟ < هناك أشكال متعددة في تدبير العملية الانتخابية الداخلية، ويمكن بالفعل في مرحلة معينة قادمة أن نعتمد مسطرة الترشح بدل مسطرة الترشيح. وبالمناسبة فقد اقترحت مع بعض الإخوة مقترحات في هذا الاتجاه وتبناها العديد من الإخوة في الحزب وكانت محل نقاش، إلا أن هذه المقترحات قرر عموم الإخوان في المجلس الوطني أنه من السابق لأوانه اعتمادها في هذه المرحلة. والمقترح يقضي بأن يرشح المجلس الوطني 3 أعضاء لمنصب الأمين العام، وهؤلاء الأعضاء الثلاثة يعمدون إلى صياغة أطروحاتهم حول الكيفية التي يقترحونها لتدبير شؤون الحزب وتصورهم لبرنامجه النضالي وعلاقاته الداخلية والخارجية وغيرها على أن تناقش هذه الأطروحات في صفوف الحزب داخل أجل معين وكل من رأى نفسه في أطروحة من هذه الأطروحات يصوت لفائدتها وهو ما سيؤدي إلى إقرار مبدأ التعاقد الحزبي. وبالطبع، تم التعبير بطرق متعددة عن أهمية هذا المقترح وحاجة الحزب إليه، لكنه قيل إنه من السابق لأوانه اعتماده الآن. - وما هو المانع من اعتماد أسلوب الأطروحات في الترشح؟ < لأن هذا الأسلوب بالنسبة إلى بعض الإخوة قد يؤدي إلى تفكيك البنية الحزبية، ذلك أن الثقافة السياسية السائدة حاليا لا يمكن أن تتحمله، وارتأى الإخوة أن يتدرجوا في هذا الأمر باقتراح حل وسط. - البعض يعتبر أنك لا تريد الترشح للأمانة العامة لأن السلطة غاضبة عليك... < هناك أسباب متعددة تجعلني مقتنعا بموقف الاعتذار. - هناك من يقول إن حزبكم ليس له مشروع سياسي ويبدو كما لو أنه مجرد جماعة ضغط بمطالب محددة، ما هو تعليقك؟ < أنا أعتقد أن الحزب لو وصل إلى أن يصبح جماعة ضغط حقيقية لكان ذلك شيئا إيجابيا. وأنت تعرف أننا في المغرب لم نستطع بعد أن نكيف أوضاعنا وفق المنظور الديمقراطي. وهب أن لك مشروعا سياسيا، فكيف ستنفذه، وما السبيل إلى تطبيقه إذا كنت محاصرا بنظام انتخابي لا يسمح لك بأن تحصل على أغلبية مطلقة تجعلك قادرا على تشكيل الحكومة لوحدك، أو على الأقل مع حزب واحد أو اثنين. أكثر من هذا، ولنفرض أنك شكلت الحكومة لوحدك، فكيف ستطبق مشروعك في ظل ملكية تنفيذية تبقى للملك فيها الكلمة الأولى والأخيرة. - إذن أنت مع تعديل دستوري يعطي صلاحيات أوسع للأحزاب السياسية. < أعتقد أنه من اللازم أن تكون هناك إصلاحات سياسية ودستورية عميقة تستهدف إعادة النظر في البنية المؤسساتية للدولة، بما يؤدي إلى توسيع صلاحيات البرلمان، ليتمكن من القيام بدوره الرقابي والتشريعي بشكل فعال وتوسيع صلاحيات الحكومة لتكون لها القدرة على تطبيق برامجها، ثم يكون الملك فوق كل هذا حكما لا علاقة له بالتدبير اليومي للبلاد. - أي أنك مع إعادة النظر في صلاحيات الملك. < نعم، يمكن أن تقول ذلك لأني مع ملكية ديمقراطية حقيقية. - إذن بالنسبة إليك «زواج» الديمقراطية والملكية التنفيذية غير ممكن... < هذا أكيد. - لديكم مقترح قانون تريدون طرحه في البرلمان حول تعديل الدستور، ما هي الاقتراحات التي تودون إدخالها على صلاحيات البرلمان. < لا أستطيع أن أتحدث في هذا الموضوع بالتفصيل، لأن هذا المقترح مازال مجرد مبادرة فردية لم يتم إقرارها بعد من طرف قيادة الحزب، وبالتالي فمن السابق لأوانه أن أتحدث عنها. لكن حسبي أن أقول لك إن هذه المبادرة تستهدف توسيع صلاحيات البرلمان وإعادة النظر في المقتضيات الخاصة بالمحكمة العليا والإحالة على المجلس الدستوري ولجان تقصي الحقائق... - خلال المجلس الوطني الأخير لحزبكم، كان هناك قرار يقضي بمراسلة الملك، فلماذا تراجعتم عن بعث هذه الرسالة؟ < الوضع الطبيعي، كما قلت سابقا، هو أن تكون هذه المراسلات مع جلالة الملك، لكن أعتقد أن قيادة الحزب لها سلطة الملاءمة لتحديد الوقت المناسب. إذا كان الهمة أكبر ديمقراطي فمن المسؤول عن التعذيب الذي حدث في عهده؟ - صلاح الوديع يقول إن الهمة هو أكبر ديمقراطي عرفه في حياته ما هو تعليقك على هذا التصريح؟ < إذا كان الأمر كذلك، فمن هو المسؤول عن مئات الأشخاص الذين اختطفوا من طرف أجهزة الأمن. وإذا كان الهمة ديمقراطيا، فمن هو المسؤول أيضا عن التعذيب الذي تعرض له العديد من المعتقلين ومن هو المسؤول عن المحاكمات الجائرة التي طالت العديد منهم. والمعروف أن كل هذه الانتهاكات حدثت في عهده عندما كان وزيرا في الداخلية وله مسؤولية مباشرة عما وقع، لأن جميع أجهزة الأمن كانت تابعة له، وأعتقد أن أتباع رضا اكديرة كانوا يصفونه بذات الصفات حين أسس الفديك. - لكن هناك من يقول إن حميدو لعنيكري هو الذي يتحمل جزءا من المسؤولية في ما وقع من انتهاكات.... < لعنيكري كان يعمل تحت إمرة فؤاد عالي الهمة، وجميع مسؤولي المؤسسات الأمنية هم تحت الإشراف المباشر لوزارة الداخلية. ثم لا ينبغي أن ننسى أن الكل كان يتحدث عن الهمة باعتباره الرجل الثاني في هرم الدولة وله مسؤولية مباشرة في ما وقع من انتهاكات في هذه الفترة، وعلى الأقل فإن مسؤوليته السياسية ثابتة. - هل تضع الهمة في خانة «الاستئصاليين» الذين كانوا يريدون حل حزبكم بعد 16 ماي؟ < ليست لنا أدلة على أن الهمة كان في صف «الاستئصاليين»، ولكن المؤكد أنه لا يكن مودة لحزبنا. - لا يكن المودة لحزبكم فقط أم للإسلاميين عموما؟ < للإسلاميين عموما وللديمقراطيين بصفة أعم.