يعتبره الغربيون صاحب خطاب مزدوج، وإسلاميا متطرفا في هيئة المسلم المعتدل، بل إن كوشنر، وزير خارجية فرنسا، تجاوز اللياقة الأخلاقية في الحديث عنه، إلا أنه يبقى واحدا من أبرز الشخصيات الفكرية التي عرفت كيف تواجه الخطاب الغربي عن الإسلام من داخل الغرب. هو طارق رمضان، أستاذ الإسلامولوجيا في جامعة أكسفورد. برز برصانة خطابه ومنطقه العميق في معالجة القضايا الخلافية في الإسلام. له مؤلفات كثيرة، ومشاركات كثيرة في منتديات عالمية. كما أنه يتقلد مسؤوليات علمية في أوربا تنخرط في إطار مشروع التقريب بين أشكال فهم الأديان وتشجيع التبادل الحضاري وتكريس الحوار بين الشعوب. - في حديثك عن أوباما وسياسته تجاه الشرق الأوسط، قلت ما مفاده أنه حين توسمنا خيرا في أمريكا جاء المتشددون إلى الحكم في إسرائيل.. معناه أننا لن نتوقع الكثير منه... < نعم، هنالك نوع من لعبة توازن. نجد الأمل في هذا الجانب، والتشدد والصرامة في الجانب الآخر. والأشخاص الستة عن الجانب الإسرائيلي، الذين ينتمون إلى الليكود هم أعضاء في منظمة إيباك، القوية في تحالف اللوبي اليهودي الأمريكي. كما أن أوباما قال في موضوع القدس وفي العلاقة المقدسة بين أمريكا وإسرائيل ما لم يقله رئيس أمريكي سابق. مرة أخرى، أقول إن أوباما كان إيجابيا على مستويات معينة، وسلبيا على مستويات أخرى، وإنه لن يذهب أبعد من ذلك، لأنه لا يملك الوسائل التي تكفل له ذلك. - ما هي قراءتك لاختيار أوباما مصر كمكان يلقي منه خطابه إلى العالم الإسلامي؟ < مصر لعبت، خلال السنوات القليلة الماضية، اللعبة الأمريكية، وخلال الحرب الأخيرة في المنطقة لعبت اللعبة الإسرائيلية. مصر، إذن، هي حليف محتمل لجميع الذين يساندون سياستها. اختيار مصر يبرر بحمولته الرمزية من حيث كونها تلعب دورا مهما في العالم الإسلامي من خلال مؤسساتها وحضورها في قلب العالم الإسلامي. مرة أخرى، أبان أوباما عن ذكاء كبير في استعمال الرموز، وأنا معه في هذا. ففضل مصر على تركيا، التي لا تشكل مركز العالم الإسلامي، بل يمكنها أن تكون معنية بما يمكن أن يجمع أمريكا من خلاف مع أوربا حول انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي. فكان ضروريا أن يختار مصر من حيث كونها حليفا مطلقا للغرب على المستوى السياسي، ورمزا أول للمرجعية الإسلامية في العالم الإسلامي. لكن، ماذا عن الانسجام السياسي؟ هنا، نلاحظ أن أمريكا تدعم بلدا لاديمقراطيا، لا يقدم التعبير السياسي البديل... على المستوى السياسي، إذن، ترتكب أمريكا خطأ جسيما، إلا أن أوباما سيغطى عليه بقوة الرمز. فمصر لا تمثل في عيون المسلمين أي مشروع سياسي أو مستقبل إسلامي منفتح على العالم انفتاحا حقيقيا. - بن لادن لم يعد يطل علينا من الشاشة، كما أن التسجيلات الصوتية لزعماء القاعدة قلّت في الفترة الأخيرة. هل هي بداية التراجع أم إن الغياب يبرره الاستعداد لما هو أسوأ؟ < أولا، أنا لا أعرف من هم. لا أعرف متى يتكلمون، ولا ماذا يفعلون. لدي الانطباع بأن رهاناتهم تراجعت في الوقت الحالي. والحال أنه لو كانت القاعدة منطقية في تحليلها، لكانت قامت برد فعل الآن. فالأشهر القليلة الماضية شهدت الحرب على غزة، وتميزت بوصول أوباما إلى الحكم، لكننا رأينا أن الوحيدين الذين استغلوا حدث مجيء أوباما إلى السلطة هم الإسرائيليون. فقد شنوا حربهم على غزة قبل مجيئه بثلاثة أسابيع، فوضعوه في وضعية صعبة للغاية؛ كما أن الحزب الإسرائيلي الذي أخذ زمام السلطة في إسرائيل هو الأكثر تشددا، فحوصر أوباما من جميع الجهات... فأين القاعدة من منطق تدخلاتها التي عهدناها فيها؟ لا تسألني عما يمكن أن تقوم به في المستقبل، لأنني لا أعرف منطق تصرفها في الحاضر ولا في الماضي، ولا أرى أي شيء منطقي في عملياتها. وأقل ما يمكن أن نقوله في هذا الموضوع أن الذين تبوؤوا من المسلمين زعامة تلك الشبكات وأصدروا كلاما صارما وقويا، هم الذين جعلوا من المسلمين ثاني أكبر ضحاياهم. ولذلك، وجبت إدانتهم حسابا لهم على ضحاياهم الأولين والتالين. فما تسببت فيه القاعدة من خسارة للمسلمين خلال الثماني سنوات الماضية فاق بكثير ما تسببت فيه الأفكار الخاطئة عن الإسلام والمسلمين. - وماذا عن خطاب حركة حماس؟ في رأيك، هل هو عرقلة لجهود السلام في الشرق الأوسط أم هو حق مشروع وطبيعي يشرعنه منطق المقاومة؟ < حماس تبقى عنصرا لا محيد عنه في صنع السلام بالشرق الأوسط، شئنا أم أبينا. وأقل ما يمكن قوله في هذا الموضوع أنه بالرغم من موقف حماس الرافض للاعتراف بإسرائيل فإنها استطاعت أن تنجح في بلورة سياسة براغماتية حقيقية، بل إنها تقدمت في مواقفها عشرة أضعاف ما تقدمت به إسرائيل خلال السنوات العشر الأخيرة؛ فإسرائيل هي التي ظلت متصلبة في مواقفها. يجب الاعتراف بما قامت به حماس على هذا المستوى. يمكن للحماسيين أن يقولوا ما يريدونه، لكن أفعالهم شاهدة على إرادتهم. - هل أخطأت حماس بمشاركتها في الانتخابات؟ < حماس شاركت في الانتخابات، وفازت فيها بعد أن كانت الانتخابات نزيهة بشهادة جيمي كارتر نفسه، فإذا بإسرائيل وغيرها تعاقب شعبا بأكمله لأنه مارس حق التصويت بشكل ديمقراطي. وأما الذين انتُخبوا من حماس فقد انتخبوا لسبب أساسي وهو رغبتهم في المقاومة وبراءتهم من الفساد مقابل الفساد المستشري في فتح. مرة أخرى، أقول إن المواقف الدولية التي اتخذت ضد حماس هي مواقف منافقة وغير منسجمة. ثم إن كثيرا من النواب والشخصيات الأوربية وحتى الأمريكية التي ألتقيها تقول لي إنه من غير الممكن ألا نتفاوض مع حماس. لكن السؤال الذي يطرح الآن هو: هل يمكن القول إن استراتيجية حماس تسير ضد تحقيق مصالح الفلسطينيين؟ أعتقد أن عليهم أن يطرحوا، في لحظة ما، السؤال حول حدود ووسائل المقاومة المسلحة. وأنا واحد من الذين يعارضون قتل الأبرياء. كما أنني قلت في وقت سابق، وقد انتُقدت كثيرا عن موقفي هذا، إن دخول حماس في المسلسل الانتخابي كان فخا؛ فقد جروا إليه. أما اعترافهم بالمسلسل الانتخابي فقد تسبب في عزل القضية الفلسطينية. شخصيا، أرى أنهم ارتكبوا خطأ سياسيا، ما كان عليهم أن يدخلوا في نظام لا سلطة له، وسلطة محلية لا نفوذ لها. ومهما فعلت حماس، فإن ذلك سيُستغل ضد الشعب الفلسطيني وسيعرقل مسلسل السلام. لماذا؟ لأن هذا الأخير لم يوجد لتكون له نهاية. إسرائيل لا تريد سلاما، ولا تريد دولة فلسطينية. الإسرائيليون يقولون هذا بالخطاب الفصيح، ونحن لا نريد أن نسمع. فمدير ديوان شارون يقول إنهم خرجوا من غزة ليربحوا عشر سنوات أخرى... بينما الكثير من العرب والمثقفين الأوربيين لا يستخلصون العبر، خلافا لهؤلاء نجد أصواتا يهودية من داخل القدس نفسها هي التي تكرر أن الإسرائيليين هم الذين لا يريدون السلام. أعتقد أن على حماس أن تتوقف لحظة لتراجع وتحلل خياراتها السياسية، وكيفية ممارسة المقاومة... وهنا، أجدني أؤاخذ حماس على مستوى بعض النقط. إلا أنني أؤيد العمل الاجتماعي الذي قامت به، وأؤيد موقفها المقاوم للفساد ووقوفها ضد السلطة الفلسطينية في ما يتعلق بتوضيح رغبتها في السلام خلافا لما يقال. ولنعد إلى ميثاق حزب الليكود، مثلا، سنجد أنه لا يعترف بالدولة الفلسطينية. - لنتحدث عنك الآن. أنت ممنوع من الدخول إلى مصر. ما سبب هذا المنع؟ < أولا، قبل المنع كنت أزور مصر كثيرا بين العامين 1994 و1998، كما أنني تلقيت فيها دراساتي الإسلامية. أما مشاكلي مع النظام المصري، فقد بدأت سنة 1992 حينما كنت موضوع مراقبة بوليسية وتوقيف عدة مرات لأنني كنت أريد لقاء بعض الأشخاص. زادت الأمور حدة ابتداء من سنة 1994، على إثر نقاش تلفزيوني بيني وبين سفير مصر في فرنسا على قناة LCI، قلت خلاله إن مصر ليست بلدا ديمقراطيا وأشياء أخرى لم ترق للنظام المصري. وفي سنة 1995، مُنعت من زيارة مصر، ولم أستطع حضور جنازة والدي رحمه الله. أنا ممنوع كذلك من دخول العربية السعودية وسوريا، التي تلقيت منها إشارة غير مباشرة في الموضوع، وليبيا. بالنسبة إلى سوريا، كنت حادا جدا في انتقادي لنظام حافظ الأسد. حينها، كان في جنيف شقيقه رفعت الأسد، الذي كان رجل مخابرات ومسؤولا عن العديد من التصفيات. نفس الشيء تقريبا بالنسبة إلى النظام الليبي، إذ سبق أن انتقدته في كتاباتي، خاصة في ما تعلق بالمنفيين الليبيين في أوربا؛ كما أن علاقتي المتشنجة هذه بالنظام الليبي ترتبط بعلاقة والدي بهذا النظام. فالقذافي كان حادا في تعامله مع والدي إلى حد أنه اتهمه بأنه عميل لوكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي إيه)، ورد عليه الوالد بلهجة أشد، فضلا عن أنني كنت دائما منتقدا في مواقفي للقذافي. - وماذا عن علاقتك بالمغرب؟ ألم تكن لك مشاكل مع النظام؟ < أبدا، لم تكن لدي مشاكل، إن على مستوى السماح لي بالمجيء إلى المغرب أو على مستوى مضامين تصريحاتي ومواقفي. بالنسبة إلي، ما يهم هو المستوى الثاني، أما منعي أو السماح لي بالدخول فلا يهم. مواقفي تجاه المغرب كانت إما حول الفساد أو الهجرة، ما عدا ذلك فتدخلاتي الأخرى غالبا ما تمحورت حول أطروحاتي حول الإسلام كمرجعية، أو مشروع مجتمعي، أو في علاقته بالتجربة الغربية. - وكيف تقيم الإصلاح الذي قام به المغرب على مستوى حقوق المرأة من خلال ما عُرف هنا بالمدونة؟ < أوضح هنا أنني ألفت كتابا حول «الإصلاح الجذري»، وأعود فيه إلى أصول الفقه. وفي جانب منه، تحدثت عن حالات أخضعتها للدراسة. ومن هذه الحالات تحدثت عن المرأة، ورجعت في هذا الموضوع إلى جميع التطورات التي ميزته، وأشرت فيها إلى تجربة المدونة. لماذا؟ بالنسبة إلي، أعتبرها تجربة مهمة. ففي لحظة من اللحظات وجد المغرب نفسه بين الخيار المبني على النموذج الفرنسي والخيار التقليدي، وأحيانا الإسلاموي. والأهم في هذا الإصلاح هو قرار الجمع بين فاعلين من مجالات وتخصصات مختلفة، علماء ونساء وسياسيين، للحسم في قرار نابع من الداخل. بالنسبة إلي، ليس من حل آخر غير هذا الحل، لأن المغاربة هم الذين يجب أن يقرروا في هذا الشأن انطلاقا من المرجع الإسلامي، حتى لا نتجاهله، ومن المجتمع، حتى نفهمه، ومن آراء الفاعلين حتى تجد المدونة طريقها إلى التطبيق، مما يعني أن فلسفة اللجنة التي أشرفت على هذا المشروع كانت مهمة جدا. وفي السياق ذاته، أدعو في كتابي إلى ضرورة التشاور بين أهل العلم من أجل البت في قضايانا، مثل قضية الفتاوى، أي الجمع بين علماء النصوص وعلماء الواقع. المرحلة الأولى، إذن، كانت مهمة. لكن، بلغني –وهو أمر مازلت لم أتأكد منه بنفسي– أن تطبيق المدونة مازال يعرف بعض العراقيل والتحفظات على مستوى بعض النصوص. يجب، إذن، الاستمرار على هذا النهج والحرص على عدم التراجع حتى لا يجهض المشروع. نموذج المدونة في المغرب يستحق أن يصدر إلى البلدان العربية الإسلامية الأخرى. وقدر رأينا أن الجزائر بدأت مسلسلا شبيها على ضوء التجربة المغربية. - ألا تشعر، خاصة في الغرب، بعبء انتسابك إلى حسن البنا مؤسس «الإخوان المسلمون»؟ < أبدا، أنا حفيد حسن البنا، وليس في ذلك أي عبء، كما أنني منسجم مع هذا الانتساب، بل إنني أقول للناس إنني غنمت الكثير من وراء كوني حفيدا لحسن البنا من أمي، وأبي كذلك الذي كان ابنا روحيا له. وأتحدى أيا كان في أن يؤاخذه على ما كتبه وعلى التزامه الفعلي وانسجامه الفكري ووقوفه إلى جانب الشعب من خلال بنائه ل2000 مدرسة، نصفها للنساء، و1500 مركز اجتماعي للشعب ومؤسسات أخرى، فضلا عن أنه وقف في وجه المحتل البريطاني، وأنه لم يكن مسؤولا عن أي اغتيال ولا عن أي عمل عنيف... فهو لم يقتل أحدا، بل ربى الآلاف من أبناء الشعب. أما أطروحاته، فيمكن الاتفاق حولها كما يمكن أن تكون موضوع اختلاف؛ ثم إن انتسابي إليه يعطيني مزيدا من القوة ويلهمني الكثير من التعاليم. - لكن، لماذا مازلت تشكل ذلك الوجه الإشكالي بين الغربيين وبين طائفة كبيرة من العرب والمسلمين؟ برنار كوشنر، وزير خارجية ساركوزي، وصفك بنعت قدحي لا يليق برجل مثله. ألا تسعى إلى توضيح صورتك؟ < أنا لا أسعى إلى تجميل أو تلميع أي شيء. حقيقة الأمر أنه من الناحية التاريخية هنالك خوف كبير ينتاب الغرب، وليس الغرب فقط، بل حتى العالم الإسلامي. فإذا عدت إلى كل الأزمات التي مرت حتى الآن، تجد أشياء خاصة جدا ومرتبطة بالمظهر. قضية الحجاب، مثلا، في فرنسا هي قضية مظهر يعلق بالحضور الجديد للإسلام، وهو ما ولد عند الفرنسيين الخوف، أي أنهم ينتقدون رمزا ما لأنهم يخافون بقية المسلسل المرتبط بهذا الرمز. الصوامع في سويسرا، التي أصبحت اليوم محط إزعاج، هي كذلك من قبيل المظهر المرئي الذي يخيف. أنا كذلك أمثل الشيء نفسه بالضبط في العالم الفكري، أي المثقف الذي يُرى، الذي يظهر للآخر. لكن، هنالك مثقفون مسلمون آخرون سعوا إلى مجاراة الغرب من أجل أن يقبلهم هذا الأخير في أحضانه. أما أنا فقد قلت إنني لن أجاري أحدا، بل نحن هنا منسجمون مع مبادئنا، ونتكلم لغة البلد الذي نوجد فيه، وننسجم أيضا مع ثقافته ونمثل جزءا لا يتجزأ من النقاش. وهذا هو النموذج الذي لم يعهده الأوربيون من قبل، لأن مُستعمَر الأمس لم يكن يتكلم ويناقش. وتختلف حدة هذا الأمر بين بلد أوربي وآخر. ففي فرنسا، مثلا، مازال الوضع متوترا على هذا المستوى. لكن المثقف البارز، المرئي، قد يستغل، بين الفينة والأخرى، لأغراض سياسية داخلية؛ أي أنهم يستغلونه في بعض الأزمات الداخلية لتصفية حساباتهم مع الإسلام ويخلقون منه حكاية كاملة المواصفات. هناك صحفيون يكتبون للغد، وسياسيون يعملون للانتخابات القادمة، أما أنا فملتزمٌ من أجل جيل المستقبل. - وماذا عن حكاية تهمة الخطاب المزدوج التي توجه إليك في الغرب؟ < مازالت التهمة قائمة. وآخر مثال على ذلك ما حدث لي في هولندا، حيث كتبت صحيفة خاصة بالمثليين أن لي خطابا مزدوجا... سأوضح. لدي صفة مستشار في بلدية روتردام في شؤون المواطنة، وأشتغل في الوقت نفسه في جامعة المدينة... - هل للأمر علاقة بعمدة المدينة ذي الأصل المغربي؟ < نعم، وقد خاب ظني فيه كثيرا، إذ إنه خذلني أمام الملأ بعد أن دعمني على المستوى الشخصي... - ماذا حدث بالضبط؟ < أولا، ما يجب أن تعرفه هو أن هولندا تشهد حاليا توترا حقيقيا بين أحزاب أقصى اليمين والحزب الليبرالي الذي يوجد الآن في وضع حرج، وهو ما حدا به إلى محاولة استغلالي لخلق أزمة مختلقة. فكان وراء نشره في تلك الصحيفة أنني أعتمد خطابا مزدوجا. وجل ما ورد في الصحيفة اقتُبس من كتاب كارولين فوريست (Frère Tariq)... وأوردت الصحيفة مواقف خاطئة في مواضيع الشذوذ الجنسي، مثلا، وفي المرأة وأسندتها إلي ظلما. لكن ما قامت به البلدية تجاه كل هذا الجدال كان عين العقل. فقد أوقفت كل شيء، وقامت بالتأكد من حقيقة مواقفي بنفسها، فطلبت ترجمة مواقفي الخلافية هذه وأخرى إلى الهولندية لتتأكد من براءتي أو تورطي في ما كتبته الصحيفة. استغرق الأمر 3 أسابيع قبل أن تعلن بلدية روتردام عن عقد ندوة صحافية وتكشف للجميع أن كل ما قيل في حقي كان إما خطأ أو حُرف معناه وأخرج عن سياقه، وبينت، مثلا، أن طارق رمضان يقول خلاف ما نُسب إليه في موضوع المرأة أو في موضوع الشذوذ الجنسي... من جهتها، نشرت صحيفة «لوموند» مقالا في الموضوع، إلا أنها اكتفت بنشر حقيقة ما قلته في تلك المواضيع، لكن دون أن تشير إلى أن بلدية روتردام وضحت وصححت موقفها مني. رغم كل ذلك، حاول اليمين أن يضغط بطلب التماس إسقاط عقدي مع الجامعة، إلا أنه فشل. وانتهت الحكاية باستقالة عضوي الحزب الليبرالي اللذين كانا في الحكومة التنفيذية، ووضعا شرطا لعودتهما؛ وكان الشرط أن يغادر طارق رمضان الجامعة الهولندية. لكنني رفضت، لأن التحريات بينت عكس ما ادعاه الليبراليون الهولنديون، فلم يعد للحزب الليبرالي أي ممثل له في الحكومة بينما احتفظت أنا بمنصبي، الذي مازلت فيه إلى الآن. وخلال كل هذا الذي حصل، ظل العمدة بعيدا عني، ولم يتدخل ليوضح الأمور أو لينهى الآخرين عما فعلوه، كما أنه لم يجب عن السؤال الحقيقي وهو: هل من شيء قلته يوجب المؤاخذة من قبل عمدة المدينة ومن قبل أي مواطن هولندي وهو الذي كان قبل ثلاثة أشهر يقول إنه يقدر عملي؟! إذن، أنا أقول في قضية الشذوذ الجنسي إن الإسلام يحرمها، لكن يجب احترام الناس حتى وإن كنا نختلف معهم حول ما يفعلونه. كنت أتوقع من العمدة أن يوقف كل ما ارتُكب ضدي بهتانا وأن يدعمني بعد أن تأكدت البلدية من الحقيقة، لكنه لم يفعل. فقد خيب ظني.