سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
طارق رمضان: على البابا أن يعلن موقفا صارما من قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي قال ل :إن على العلماء المسلمين أن يعمقوا تحليلهم في قضايا الحوار مع الآخر
يعتبره الغربيون صاحب خطاب مزدوج، وإسلاميا متطرفا في هيئة المسلم المعتدل، بل إن برنار كوشنر، وزير خارجية فرنسا، تجاوز اللياقة الأخلاقية في الحديث عنه، إلا أنه يبقى واحدا من أبرز الشخصيات الفكرية التي عرفت كيف تواجه الخطاب الغربي عن الإسلام من داخل الغرب. هو طارق رمضان، أستاذ الإسلامولوجيا في جامعة أكسفورد. تميز برصانة خطابه ومنطقه العميق في معالجة القضايا الخلافية في الإسلام. له مؤلفات عديدة، ومشاركات كثيرة في منتديات عالمية. كما أنه يتقلد مسؤوليات علمية في أوربا تنخرط في إطار مشروع التقريب بين أشكال فهم الأديان وتشجيع التبادل الحضاري وتكريس الحوار بين الشعوب. - شاركت ضمن وفد من العلماء المسلمين في منتدى الحوار الإسلامي المسيحي بروما بين 4و 6 نونبر 2008. هل لمست بعض المؤشرات على حدوث بعض التطور على مستوى وحدة وعمق فكر العلماء المسلمين أمام التحديات الحضارية التي تواجههم؟ < يجب أولا أن أذكر بالسياق الذي جاء فيه اللقاء مع البابا وأعضاء التراتبية الكاثوليكية في الفاتيكان. فقد جاء على إثر ما قاله البابا في راتسبون في وقت سابق. بالنسبة إلي كان هذا اللقاء، الذي شارك فيه علماء مسلمون، مرحلة أولى على طريق الحوار. الحمد لله. لكن لا ينبغي أن نقول إننا حللنا جميع المشاكل، بل الأمر يتعلق ببداية تمت على مستوى عال من قبل المسيحيين. لأن الوفد المسيحي كان مهما مقارنة بالوفد الإسلامي، الذي كان ينبغي أن يكون أكثر استعدادا مما كان عليه. لقد تحدثنا وناقشنا موضوع «حب الله وحب الجار»، لكن سرعان ما بدا أن الكاثوليكيين كانوا مستعدين لطرح قضايا أخرى معمقة عما طرحه المسلمون من قضايا من قبيل إمكانية تغيير الديانة والحرية... بينما المسلمون لم يتوقعوا طرح مثل هذه القضايا. صحيح أننا لم نحبذ ما وقع، لكن كان لابد أن نتوقع ذلك. اللقاء كان مهما، لكن يجب أن لا نكون ساذجين، بل يجب أن نذهب كمسلمين إلى أبعد وأعمق من ذلك المستوى في علاقتنا بالتقليد الكاثوليكي، خاصة تجاه البابا، الذي يمتاز بانسجام ذاتي كبير. - أين يتجلى هذا الانسجام مثلا؟ < يتجلى على جميع المستويات. فهو كاثوليكي مقتنع بالحقيقة الكاثوليكية، إذ يؤمن بأن جميع الديانات الأخرى ليست من الحقيقة. فهو يدخل، إذن، في حوار يقول عنه بصراحة إنه حوار يجب أن نحاول أن نتفاهم في إطاره، لكن من وجهة نظر دينية يجب أن تكون الأشياء واضحة، أي أن الخلاص رهين بالمسيح. الأمر الثاني يتعلق بقضية أوربا والعالم الغربي. فهو يعتقد بأن الأصول الأوربية مسيحية وإغريقية وأن الإسلام ليس دينا غربيا. وهنا نجده منسجما مع قناعته كذلك. صحيح أنه اعتذر عما قاله سابقا وأكد، إلى حد ما، احترامه للإسلام وزار مؤخرا الأردن وفلسطين وإسرائيل وقال إنه يؤيد قيام دولة فلسطينية، وينبغي أن ينال الفلسطينيون حقوقهم... إلا أن ما قام به البابا لم يكن كافيا... - صحيح أنك كتبت في إحدى مقالاتك أن ما قام به البابا ليس كافيا؟ بماذا تطالبه إذن؟ < فعلا، أنا كنت أتوقع منه أكثر من ذلك، وكتبت في الصحف بأن الاعتذار عما فعله في ماضيه أو خلال السنتين الأخيرتين أو خلال فترة شبابه، ليس كافيا. فقد كتبت في مقال نشرته ال «الغارديان» أنه يجب الانتقال من طلب الاعتذار بالأمس، إلى تحمل المسؤولية اليوم. وهو ما يعني أنه يجب على الكنيسة الكاثوليكية أن تضيف صوتا مسيحيا للقضية الإسرائيلية الفلسطينية لكي يتضح جيدا أن الأمر لا يتعلق بقضية دينية بالأساس، أي أن الصراع ليس صراعا بين المسلمين واليهود. يجب على البابا أن يقول إن المسيحيين، كما اليهود والمسلمين، يجب أن يكون لهم حق متساو في زيارة الأماكن المقدسة. يجب إذن أن يتخذ موقفا صارما وواضحا على هذا المستوى، لأنه بذلك سيقلص من حدة الاعتقاد بأن الصراع هو صراع ديني. ثم هنالك شق سياسي للقضية، فبعد الذي حدث في غزة لا يمكن أن نذهب إلى فلسطين ونتجاهل ما وقع. صحيح، أن البابا دعا إلى رفع الحصار عن غزة، لكن ما يجب أن يعرفه الناس، حتى هنا في المغرب، هو أن وضع الفلسطينيين الآن في غزة أسوأ مما كان عليه تحت القنابل. فخلال الحرب كانوا يتوصلون بمساعدات خارجية ودعم مادي، أما اليوم فلم يعد للفلسطينيين في غزة أي شيء. البابا تحدث أيضا عن الحائط في فلسطين، وقال إن الأمر مأساوي. لا، بالنسبة إلي الحائط ليس كذلك، بل هو أمر غير عادل، ومناف للقانون الدولي. لا يمكن، إذن، أن نكتفي بوصفه بالمأساوي. - هل القضية قضية تعابير أم قضية موقف؟ < هي قضية موقف أساسي. البابا قام بخطوة أولى تستحق التنويه، لكننا نتوقع، اليوم، الكثير من الكنيسة الكاثوليكية، خاصة من زعيم الفاتيكان. - وهل تعتقد بأن المواقف التي تطالب بها البابا يمكن أن يكون لها أثر عميق على طبيعة الوضع الحالي؟ < يجب أن نفهم شيئا. فاليهود لا يتوقفون عن مطالبته بالاعتذار. والأحبار اليهود ما فتئوا يطالبونه بتوضيح ماضيه والاعتذار عن تاريخه... البابا يوجد إذن في وضع صعب على هذا المستوى. شخصيا لا أعتقد أن موقف البابا سيغير الوضع السياسي، إلا أنه سيموضع بوضوح شروط النقاش؛ أي المساواة ما بين جميع الديانات، وحق الفلسطينيين في دولة مستقلة. فصوت البابا صوت أخلاقي، وعندما يكون لنا صوت أخلاقي، نبعث به رسالة واضحة إلى الأقوياء، وإسرائيل هي الأقوى في المنطقة، وعندما نملك القوة نطرح السؤال حول كيفية استعمالها. لا يمكن قصف السكان المدنيين المحاصرين في ذلك السجن الكبير. هذا عمل مرفوض من الناحية الأخلاقية، وهو ما يمكن أن نطالب به البابا. - قلت إن المسلمين لم يكونوا مستعدين بالشكل الكافي للقاء الفاتيكان. لماذا في رأيك؟ هل بسبب الانقسامات الحاصلة بين الطوائف المسلمة: السنة والشيعة إلخ؟ < لا، لم يكن الأمر كذلك، فقد حضر الشيعة والسنة وغيرهما، لكن الاختلاف كان على مستوى القضايا التي عالجها المسيحيون، بمن فيهم المسيحيون العرب، على مستوى الأحكام الدينية، مثلا، والفتاوى والأقليات المسيحية في المجتمع الإسلامي... لقد جاؤوا بمثل هذه الأسئلة الواضحة لفتح النقاش، بينما اكتفينا نحن بالاستماع. وعندما ذهب البابا إلى الأردن، كان العنصر السياسي الوحيد الذي طرحه هناك هو الحرية الدينية، ويعني بذلك حرية الكاثوليكيين، مما يعني أنه يحدد موقفا سياسيا عندما يريد أن يكون سياسيا في خطابه. وعليه، يجب على العلماء المسلمين، على مستوى عال، أن يوضحوا هذه الأمور داخل مجالنا الإسلامي. هناك إذن عمل كبير ينبغي القيام به في إطار اللقاءات البينية والتحاور الداخلي رغم الاختلافات الموجودة بين المسلمين حول أمور عدة كقضية حكم الردة التي ظلت منذ زمن طويل موضوعا خلافيا بين المسلمين. فعندما لا ندبر جيدا تنوع رؤانا نعطي الانطباع بأننا منقسمون، وهذا أمر ليس في مصلحتنا. - لكن، هل المسلمون مستعدون للتجاوب مع هذه الأفكار؟ هنالك المتطرف وهنالك المعتدل والمتعصب... < أعتقد أن هنالك من المسلمين من هم مستعدون، وآخرون ليسوا كذلك. لكن يجب أن نعمل مع المستعدين منهم اليوم. عموما، نحن، الذين شاركنا في لقاء روما، مستعدون لهذا العمل بنسبة 99 في المائة تقريبا. هناك مسلمون اليوم واعون بضرورة رأب الصدع بين السنة والشيعة، لأن الأمر خطير جدا. علينا مسؤولية كبيرة إذن، والكرة توجد في معسكرنا. لقد حان الوقت للقطع مع خطاب الضحية. فمخاطبنا لا يكون قويا إلا من خلال ضعفنا. العالم العربي الإسلامي يعاني من أزمة حقيقية على مستوى قضية السلطة والصلاحية، أي من له الحق في التكلم باسم المسلمين والإسلام؟. - ما هو رأيك الشخصي حول قضية المسيحيين العراقيين المستهدفين من قبل بعض الطوائف المتطرفة الإسلامية، خاصة القاعدة؟ < أعتقد أن هنالك تصورات جاهزة قبلية عن الأقليات الدينية داخل المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة. ليس هنالك نقاش أو حوار قوي بين ممثلي علماء مختلف التفرعات الدينية في البلد الواحد. المشكل الحقيقي اليوم هو كيفية تأكيد حق حرية الاعتقاد وتوطيدها في إطار واحد. لكن ينبغي أن ندرك اليوم أنه سواء في العراق أوفي أندونيسيا أو حتى في مصر نجد أن حقيقة التوترات الدينية تستغل لمصلحة آخرين، على مستويات أخرى، سياسية وثقافية... وهو ما يستدعي أن يكون للعلماء والمثقفين المسلمين موقف صارم وواضح في قضية التمييز العقدي والاغتيالات ومصادرة الحقوق كما هو الحال، مثلا، مع مسيحيي العراق. وطالما ليس هنالك حل سياسي، فإن الخلافات تنعكس على المستوى الإثني. لا ننسى أيضا أن الوجود الأمريكي في المنطقة زاد من حدة الوضع. يجب إدانة هذه الأفعال، إذن، والتوقف عن إصدار خطاب ملتبس في مثل هذه القضايا. فعندما ننتمي إلى بلد واحد، يجب أن يشترك الجميع في وضع واحد متساو... لكن، يجب أن لا يظل الكلام كلاما، بل يجب تغذية هذه المبادئ من خلال الفعل والممارسة. فالمجتمع الإسلامي ليس مجتمعا أحادي الاعتقاد، فالله تعالى يقول: «ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة» وهو ما يعني أن الإسلام دين التنوع... - هل يمكن القول إن مسلمي أوربا من أجيال المهاجرين تغلبوا على هذا المشكل الديني؟ < المشكل لم يحل في أوربا. بعض النخب المسلمة في أوربا يقول أفرادها إنهم أوربيون مسلمون ويمكنهم أن يتعايشوا مع الجميع. لكن، المشكل ينقلب ضدهم. أي أنهم يُنظر إليهم كمسلمين لم يبلغوا بعد درجة الأوربيين ولا كفرنسيين مثلا. والحقيقة أن الكثير من الحكومات تُثقف أو تؤسلم المشاكل لأنها تفتقر إلى سياسة اجتماعية مبنية على المساواة، فتلصق مشاكل الضواحي والعنف بالإسلام. فإذا كان ثلث السجناء، مثلا، في هولندا من أصول مغربية فهذا ليس لأنهم مغاربة، بل لأن هنالك مشكلا حقيقيا على مستوى الاندماج الاجتماعي، وليس على المستوى الديني والثقافي نظرا لأن الاندماج حاصل في هذين المستويين. الحقيقة إذن أنهم في أوربا يحصرون الأفراد في انتماء ديني معين، وانتماء إلى البلد الأصل. مؤخرا، أصدر معهد غالوب الأمريكي نتائج دراسة تبين أن 80 في المائة من الأجيال المسلمة المهاجرة تقر بتبعيتها للبلدان الغربية التي تعيش فيها، بينما 30 في المائة فقط من الغربيين هم الذين يعتبرونهم كذلك. وهو ما يعكس مشكلا حقيقيا. - ألا يمكن القول إن وجود جماعات إسلامية متطرفة هي التي تفسد على المسلمين في أوربا الاندماج الحقيقي الكامل؟ < لقد اشتغلت مع عدد من الأساتذة والمسؤولين الرسميين، أوربيين وأمريكيين؛ وفي نقاشاتنا أجدهم يجمعون على أن الأغلبية الساحقة من المسلمين لا علاقة لها بالإرهاب أوالعنف والتطرف، وهو ما يعني أن الأمر يتعلق بظاهرة هامشية. وعندما نحلل منشأ هذه الانحرافات، التي تصبح عنيفة لدى البعض، نجد أن المشكل ليس مشكل اندماج ديني، إذ لا يمكن الانطلاق من هذا العنصر الهامشي جدا لتفسير كل ما يحدث. إنها مقاربة خاطئة من الناحية العلمية. لكن عند تحليلنا للمسألة تبرز لنا ظاهرتان، أولا، هنالك فهم قاصر جدا للإسلام، يعتمد على منطق ثنائي، إما أسود أو أبيض، أي هناك ال«نحن» وال«هم»... هذه إذن قراءة يجب إعادة النظر فيها، وهو ما يوجب القيام بإعادة تربية دينية. كذلك الشأن عند بعض المسلمين في أوربا، وهو الأمر الثاني. هؤلاء يضعون «الآخر» في مواجهة ال«نحن»، رغم أنهم ولدوا وعاشوا في أوربا. هنا يجب أن تطرح المجتمعات هذا السؤال على نفسها: إلى متى ستظل تعتبر المواطنين البريطانيين أو الفرنسيين ذوي الديانة الإسلامية لم يصبحوا بعد فرنسيين أو بريطانيين كليا؟ ماذا ينبغي على هؤلاء المواطنين أن يفعلوا، فضلا عما فعلوه حتى اليوم، كي يصبحوا فرنسيين أو بريطانيين كاملي المواطنة...؟ وماذا تفعل المجتمعات الأوربية من أجل أن يكونوا كذلك؟ فعندما نعود إلى المناهج التربوية الأوربية، نجد أن الإسلام لا يعتبر ديانة أوربية، بل ديانة الأجانب، وعندما نلاحظ الخطاب السائد نجدهم يقولون عن أجيال الهجرة في فرنسا إنهم فرنسيون من أصول مهاجرة، واليوم غيروا هذه العبارة وصاروا يقولون: «فرنسيو التنوع»؛ لكن لماذا يقولون فرنسيي التنوع؟ فكل الفرنسيين هم فرنسيو التنوع، لماذا هذا التمييز؟ يجب إذن القيام بعمل كبير على مستوى توضيح الأمور والاعتراف بهؤلاء الأشخاص الذين يكونون فرنسا اليوم والبلدان الأوربية ويسهمون في اقتصادها. لذلك أجدني أستعمل في مقاربتي عبارة « ما بعد الاندماج»، أي أننا في مرحلة المشاركة في تنمية المجتمعات الأوربية، وبالتالي وجب التوقف عن الحديث عن الاندماج، لأننا نعيش في بلداننا ولأننا مندمجون كليا في مجتمعاتنا. ومشاركتنا هذه لا تقتصر على مجال الرياضة والثقافة فقط، بل على المستوى الاجتماعي والأخلاقي كذلك. لدينا نحن كذلك مسؤوليات تجاه مجتمعاتنا الأوربية، سواء كنا مغاربة أو جزائريين أو تونسيين من أصول مهاجرة. يجب، إذن، الاعتراف، مثلا، بأبوي زيدان اللذين جاءا إلى فرنسا ليسهما في بنائها بنفس مقدار الاعتراف الذي يحظى به زيدان عندما يسجل أهدافا للمنتخب الفرنسي. - وماذا عن الاستثناء السويسري باعتبارك تعرف حقيقة سويسرا. هل يمكن أن نتحدث عن استثناء ما في أوربا؟ < لقد انتهى عهد الاستثناءات في أوربا. اليوم في سويسرا يطالب الحزب الأول في البلاد، الذي هو حزب اليمين المتطرف، بالقضاء على الصوامع الإسلامية. وفي هولندا، سيكون الحزب الأول في الانتخابات المقبلة هو الحزب الذي ينتمي إليه غيرت ويلدرز، الذي أنجز فيلم «فتنة». هنالك اليوم في أوربا تيار يميني متطرف. البرتغال نفسها، التي ظلت إلى عهد قريب تشكل بعض الاستثناء على مستوى علاقتها بالمسلمين، طالها هذا التيار، فقبل شهر واحد وجه رئيس أساقفة لشبونة نداء إلى جميع النساء البرتغاليات يوصيهن بعدم الزواج من المسلمين. ففي الوقت الذي كنا ننتظر من البرتغال أن تصدر نموذجها التسامحي إلى بقية أوربا نجدها هي ما يستورد الشروخ والانحرافات من أوربا. الشيء نفسه ينسحب على إسبانيا وبقية بلدان جنوب المتوسط/يضاف إلى ذلك العنصرية المرتبطة بالهجرة، التي تزيد من الخوف من الإسلام. حتى في البلدان التي كان فيها نوع من التسامح الديني والتعايش، مثل النرويج والسويد، نجد أن التيارات المتطرفة بدأت تغزوها. ثم إنني لا أحبذ المقارنة بين هذا البلد والآخر، بل أفضل مقاربة كل بلد على حدة. لكننا نعيش فعلا وضعا متوترا حقيقيا. - أريد أن أعرف رأيك في مسألة المحاكم الشرعية التي حاول المسلمون فرضها في كندا قبل سنوات وانتهت بالرفض؟ < ما حدث هو أن مجموعة من المسلمين قالوا بإمكانية إقامة المحاكم الشرعية داخل القانون الكندي سيرا على ما هو معمول به بالنسبة إلى اليهود والمسيحيين. والحقيقة أنه لم يكن من الصائب إطلاق اسم «المحاكم الشرعية» على هذه المحاكم. لأن الأمر يتعلق بنصائح تحكيمية، أي أنه بإمكان الأشخاص المتخالفين أن يلجؤوا إلى إمام ليحلوا مشاكلهم. لكن في إطار القانون، وعند الحديث عن الشريعة، فذلك يعطي الانطباع بأن المسلمين سيتعاملون مع مشاكلهم من منطلق أحكام الشريعة خارج الإطار القانوني الكندي، وهذا شيء آخر. شخصيا، سألت المسلمين: ما ذا تريدون طالما يمكنكم أن تجدوا كل شيء داخل إطار القانون الجاري به العمل وطالما لا حاجة لكم بهذه المحاكم؟ وقلت للكنديين: لستم منسجمين مع أنفسكم. كان انتقادي موجها إلى الطرفين. في نهاية المطاف، نُزع هذا الإجراء من جميع الأطراف الدينية. بالنسبة إلي، لا فائدة اليوم في أن نسير في هذا الاتجاه، لأننا لسنا في حاجة إلى ذلك على المستوى القانوني أولا، وثانيا لأننا نلعب لعبة الذين يعتقدون بأننا، كمسلمين، نريد أشياء أخرى، أي أننا نريد قوانين خاصة، والحال أن الحقيقة ليست كذلك. أوباما يتقدم على مستوى رمزية الخطاب - كيف تنظر إلى القادم الجديد إلى البيت الأبيض أوباما بعد مرور أزيد من 100 يوم على ترؤسه الولاياتالمتحدة الأمريكية؟ هل تراه قادرا على تغيير الأشياء خاصة في الشرق الأوسط؟ < بالنسبة إلي، كان موقفي دائما مدعما لمجيء الرئيس باراك أوباما بعد ثمان سنوات من حكم بوش. إذ أن أوباما لا يمكنه أن يكون إلا أفضل من سابقه. أدعمه، إذن، من منطلق الأمل في سياسة جديدة دون أن نسقط في السذاجة ولا في المبالغة في تمجيدها خلال مقاربتنا لها. لكن عندما يصبح المرء رئيسا للولايات المتحدة، فهذا يعني أنه استفاد من دعم مجموعات قوة وضغط كبيرة لها ثقلها الكبير على المستوى المالي والسياسي والإيديولوجي. أكيد أن هنالك أشياء ستتقدم إلى الأمام وستتغير أخرى، وإن كانت هذه الفترة التي قضاها في البيت الأبيض بينت أن هنالك بعض التراجع على مستوى بعض الرموز التي وردت في خطابه مثل قضية غوانتنامو. صحيح أنه يتراجع بحذر، لكن التراجع حاصل. يمكن القول إنه تقدم بشجاعة على مستوى رمزية الخطاب، لكنه يتراجع بحذر على مستوى الحقائق. هذا هو المشكل الذي يظهر عندما نبالغ في التمجيد والمثالية. والمثالية هي عندما ينجذب المرء وراء الرموز فتحجب عنه رؤية الحقيقة. الأمر الثاني هو أنه لن يحصل تقدم كبير على مستوى بعض المجالات، إذ لا يمكن أن نتوقع من أوباما أن يأتي بالتغيير أو بشيء ملموس في قضية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لاسيما أنه سيطمح لا محالة إلى الفوز بولاية ثانية. الغريب في ما وقع بالمنطقة أنه بعد الحرب على غزة توقعنا أن يكون للشعب الإسرائيلي رد فعل يدفع إلى إعادة النظر في السياسة الإسرائيلية. لكن العكس هو الذي وقع، فقد دعم الشعب الموقف المتشدد من خلال مساندته وزيرا أول لا يعترف بالدولة الفلسطينية وآخر عنصريا في وزارة الخارجية؛ بل إن الأخير لا يعترف بحق عرب إسرائيل في المواطنة. هنالك، إذن، أمل في هذا الجانب من خلال انتخاب أوباما، وهنالك تشدد وصرامة في الجانب الثاني من خلال انتخاب نتنياهو ووزير خارجيته.