سنة 1970 بالملعب الشرفي بالدارالبيضاء المغرب الجزائر: 30 ثلاثية الشهد والدموع مقص باموس، شهد بيشتو وقنبلة بوجمعة كلما أطلت علينا مواجهة كروية مغربية، جزائرية إلا وتحسسنا نوعا من الإنجداب الرائع لأزمنة مضت أبدعت الأجيال بحسب تعاقبها على رسم لوحات جميلة تخلد في الذاكرة ولا تبارحها.. وعندما يبرز الجوار والعراقة وكثير من المشتركات الرائعة والتاريخية كعناصر إستراتيجية مؤثتة لفضاء التنافس الكروي، فإن المباريات التي نقول أنها تكتسي طابع المحلية ثارة وطابع الكلاسيكية ثارة ثانية وطابع الديربي ثارة ثالثة، غالبا ما تحفل بندية كبيرة، وغالبا ما تفرز مشاهد فنية رائعة، وقد كانت مواجهات المغرب والجزائر كرويا على مدى نصف قرن أو ما يزيد طافحة بالإثارة وبالروح الرياضية العالية، وأبدا لم تترك أي منها وشما حزينا في الذاكرة، فقد سعى النجوم المغاربة والجزائريون على امتداد تاريخ المواجهات بمختلف الأبعاد والمؤثرات إلى طبع كل النزالات برغم سخونتها وحساسيتها بطابع النبل والتسامح دليلا على قوة ومثانة الوشائج والروابط التي تربط الشعبين معا. وإذا كانت المواجهات المغربية الجزائرية الرسمية منها والودية والتي بدأت سنة 1965 قد تجاوزت الثلاثين، فإن هناك بينها ما حفر خنادق في الذاكرة فأقام فيها بيوتا تحيل على ذكريات جميلة. أولى هذه المواجهات الحافلة بالندية هي التي جمعت الفريق الوطني بنظيره الجزائري يوم 27 دجنبر 1970 بمركب محمد الخامس بالدارالبيضاء والذي كان مسماه وقتذاك الملعب الشرفي، مباراة إياب عن تصفيات كأس إفريقيا للأمم 1972، من العيار الفني والكروي الثقيل.. فماذا حدث في هذه المباراة، إلى الحد الذي أضفى عليها طابع الأنطولوجية وجعلها خالدة في سجل المنتخبين المغاربيين. - سقوط الموندياليين بالجزائر عائدا للتو من المكسيك، حيث كان للكرة الإفريقية أول سفير فعلي منحدر من التصفيات القارية في نهائيات كأس العالم 1970، كان على الفريق الوطني أن يواجه بجيله الأسطوري والملحمي منتخب الجزائر في إطار تصفيات كأس إفريقيا للأمم 1972 والتي استضافت نهائياتها الكاميرون.. لم يكن الفريق الوطني برغم الذي تحقق له بمكسيكو سنة 1970 في أول حضور له بكأس العالم، بخاصة وهو يظفر بأول نقطة أمام بلغاريا، لينسى تداعيات إقصائه من دورة كأس إفريقيا للأمم 1970 التي أقيمت، فقد إلتقى الجزائر بمعقلها يوم 9 مارس 1969 وخسر بهدفين لكالم والناjوري، وعندما واجهها إيابا بأكادير يوم 22 مارس 1969 لم ينفع الفوز بهدف المعروفي في تأمين العبور إلى النهائيات الإفريقية. بهذه الخلفية التي تحفز على طلب الثأر وبنشوة الحضور اللافت في مونديال مكسيكو سنة 1970، وجد الفريق الوطني نفسه في مواجهة منتخب الجزائر وكما كان الحال سنة من قبل، فقد حكمت القرعة بأن يلعب أسود الأطلس أولا بالجزائر، وجاءت المباراة التي دارت يوم 10 دجنبر 1970 في صورة صدمة قوية للفريق الوطني أولا ولكل الجماهير المغربية ثانيا. فبرغم أن أسود الأطلس لعبوا تقريبا بتشكيلتهم المونديالية التي وقفت في وجه منتخب ألمانيا قبل أربعة أشهر (علال، عبد الله، بوجمعة، مولاي ادريس، السليماني، المعروفي، سعيد غاندي، باموس، بتيشتو وبنيني)، إلا أن الفوز عاد لمنتخب الجزائر بنجومه الكبار وقتذاك (عبروق، عمار، الدباغ، البطروني، لالماس والسردي) وكانت الحصة هي 31. ولم يفلح أسود الأطلس في الحفاظ على تقدم رسمه بنيني نجم الرجاء البيضاوي السابق بهدف وقعه في الدقيقة السادسة، إذ سيأتي الطوفان الجزائري على الأخضر واليابس، وسيتمكن زملاء (الأصلع) لالماس من إيداع ثلاث كرات في مرمى الحارس علال بنقسو، لتنتهي مباراة الذهاب بخسارة الفريق الوطني بثلاثة أهداف لهدف. - باموس وبيتشو ردا الدين لم تمر الخسارة دون أن تترك رضوضا وشروخا نفسية، فقد صاغ الإعلام وقتها نيابة عن الجماهير صيغا كثيرة للإحتجاج على الهزيمة بالأداء وبالنتيجة أيضا، الهزيمة التي كان من الصعب على أي كان إستصاغتها، بخاصة وأن التشكيلة التي لعبت تلك المباراة هي ذاتها التي أثارت إعجاب العالم كله بعد مبارياتها الثلاث في نهائيات كأس العالم بالمكسيك. وفي ظروف نفسية بالغة التعقيد، دخل الفريق الوطني مباراة الإياب بالملعب الشرفي (آنذاك) بالدارالبيضاء، وما من أحد كان يتصور أن أسود الأطلس سيجعلون من يوم 27 دجنبر 1970 واحدا من أيامهم الخالدة. أجرى المدرب والناخب الوطني اليوغسلافي فيدنيك والذي كان صانع ملحمة المونديال تعديلات طفيفة على تشكيلة الفريق الوطني، إذ وضع حميد الهزاز في حراسة المرمى بديلا لعلال واستعان بالعربي أحرضان وبالمعطي لتأمين الخط الدفاعي، وألحق بخط الهجوم كلا من أحمد فرس والغزواني. وبمجرد أن إنقضت الدقائق الثلاثون الأخيرة حتى أثمر الضغط القوي الذي فرضه الفريق الوطني عن هدف أول حمل توقيع النجم والعميد الأسطوري باموس بضربة مقص غاية في الروعة.. هدف فتح شهية أسود الأطلس الذين سيضيفون هدفا ثانيا بعد أقل من ثمان دقائق بواسطة المايسترو المرحوم بيتشو.. كان الفريق الوطني من حيث المبدأ قد رد إلى هذه اللحظة دين الذهاب، ولأن اللوائح عندها لم تكن لتعطي أية أفضلية عند التعادل للمنتخب الذي يسجل أكثر الأهداف خارج ميدانه، فإن الفريق الوطني كان وقتها أمام خيارين، إما أن يسجل هدفا ثالثا ويظفر ببطاقة التأهل، وإما أن يبقي على تقدمه ويفتح هامش الحظ عند الإحتكام للضربات الترجيحية. ولأن أي مدرب لا يقبل بالمجازفة، فقد حرص المدرب فيدنيك على تحفيز لاعبيه للوصول ثالثة إلى مرمى الحارس الجزائري الشهير عبروق. - هدف أنطولوجي لبوجمعة جاءت الجولة الثانية قاطعة كالسيف بحديه، فقد سعى المنتخبان معا إلى حسم الأمر، الفريق الوطني بحث عن هدف ثالث والمنتخب الجزائري بحث عن هدف يعطيه الحق في المرور.. وكادت تنقضي الدقائق 45 كاملة من دون أن يتوصل أي من المنتخبين إلى توقيع هدف، ما كان يقضي بالمرور تحت الإكراه إلى الضربات الترجيحية، لولا أن السماء التي كانت مغممة بسحب الشك والخوف من السقوط ستبرق وترعد بمفاجأة مزلزلة، في الدقيقة 90 والحكم السينغالي أنغوم يستعد لإسدال الستارة على المباراة، يزحف القنيطري الرائع بوجمعة بنخريف وكان متعدد الأدوار دفاعيا، ومن الجهة اليمنى يرسل قذيفة لتسكن الكرة في الزاوية 90 لمرمى الحارس الجزائري عبروق.. هدف أنطولوجي ختم بالفرح الهيستيري مباراة خالدة، لم تكن لتؤهل الفريق الوطني مباشرة لأول مرة في التاريخ إلى نهائيات كأس إفريقيا للأمم 1972 بالكامرون، إذ كان على الفريق الوطني أن يعبر حاجزا أخيرا هو حاجز المنتخب المصري، وهو ما كان، إذ هزم أسود الأطلس فراعنة النيل ذهابا يوم 14 مارس 1971 بالدارالبيضاء بثلاثية نظيفة حملت توقيع بيتشو، المعطي والفيلالي، وخسروا أمامهم بالقاهرة إيابا بثلاثة أهداف لهدفين وقعهما الفيلالي والعربي.