لا يقتصر التوتر على مباريات الوداد والرجاء بل يمتد الأمر إلى مختلف الفرق التي يجمعها رابط كروي وجغرافي، في جميع بلدان العالم تصادفنا مباريات بين غريمين يرفعان شعار لا للهزيمة في الديربي ولا مانع من الخسارة في بقية المباريات، وكأن للمباراة تنقيطا مختلفا عن بقية المواجهات. حين يلتقي اتحاد العاصمة بمولودية الجزائر يتوقف نبض المدينة، وحين يواجه الأهلي الزمالك أو الترجي التونسي النادي الإفريقي، أو أهلي طرابلس والاتحاد الليبي أو الهلال السوداني والمريخ والنصر السعودي والهلال وأسيك أبيدجان بأفريكا سبور وغيرها من الاصطدامات الكروية الحارقة تعيش البلاد حالة استنفار قصوى تحسبا لأي طارئ. ليست الظاهرة وليدة هاجس ثأري يسكن العقلية الكروية العربية والإفريقية بل يتعداه إلى حضارات كروية أخرى، فلقاء ريال مدريد وبرشلونة والأنتير ضد أسي ميلان وسبورتينغ ضد بنفيكا وبوكاجونيورز والريفير بلات وغيرها من المواجهات ذات الطابع المحلي هي أشبه ببطولة في مباراة واحدة داخلها مفقود وخارجها مولود. في ديربيات العاصمة الاقتصادية بين الرجاء والوداد، تصبح شعارات الروح الرياضية ولازمة شجع فريقك واحترم ضيفك مجرد أثاث للمدرجات، فبمجرد أن تدور الكرة حول نفسها تصبح الشعارات مؤجلة الصلاحية، بعد أن تتحرك الفصائل المتطرفة لتنصب نفسها وصية على المتفرجين. لا يقتصر الأمر على الكبار يكفي أن يواجه صغار الوداد نظراءهم الرجاويين في بطولة الفئات الصغرى ليسيطر التوتر على الأجساد الصغيرة وتصبح هزيمة هذا الطرف أو ذاك مرادفا للخيانة، وحين يتعلق الأمر بأنواع رياضية أخرى ككرة السلة واليد والمصارعة فإن هاجس الانتصار يأخذ بعدا آخر يتجاوز حدود التنافس الرياضي. في بعض المدن والقرى ظهرت فرق تحمل اسمي الوداد والرجاء ولأن التسمية تخفي في طياتها تنافرا طبيعيا فإن مواجهة مثلا بين وداد ورجاء قلعة السراغنة تتحول إلى ديربي مصغر، نفس الشيء يسري على فرق أخرى كرجاء الجديدة ووداد الغربية ورجاء تمارة ووداد تمارة، وقس على ذلك من النماذج القادرة على زرع البهارات في مباراة عادية وتحويلها إلى ديربي حارق. لا يهم الديربي لاعبي وجماهير ومسيري الفريقين بل يشغل بال السلطات الأمنية التي تمني النفس بتعادل يسل شعرة النزاع من عجين المواجهة، بل إن القلق يمتد إلى المجموعة الوطنية واللجنة المركزية للتحكيم وكل من له علاقة باللقاء الكلاسيكي من قريب أو بعيد، لأن أظناء هذا النوع من المواجهات متعددون يكفي أن تنفلت صفارة الحكم لتعزف الجماهير موشحات معادية لجامعة الكرة، وحين تنتهي المباراة يحصي كل طرف خسائره ويتنفس المتدخلون الصعداء في انتظار محطة حارقة أخرى بخسائر مؤجلة. لدواعي أمنية تم تهريب الديربي إلى الرباط لكن المخاوف لم تنته ولن تنتهي بإبعاد مباراة عن معقلها، فالجماهير لن تتردد في قطع المسافة الرابطة بين البيضاءوالرباط، بل إنها على استعداد لمطاردة المباراة الأبرز حتى ولو تم تهجيرها إلى خارج الحدود كما حصل قبل عشر سنوات حين دار لقاء بين الرجاء والوداد في العاصمة الليبية تلبية لرغبة الساعدي القدافي، دون أن يمنع التهجير الرجاويين والوداديين من ملاحقة المباراة التي انتهت بلا غالب ولا مغلوب. للمرة الرابعة يحتضن مركب الأمير مولاي عبد الله معركة أهلية بين الإخوة الأعداء، وهو إجراء يهدد مداخيل الديربي لكن دون أن يقلص حجم الضغط الملازم للمباريات الكلاسيكية حتى ولو أجريت في القطب المتجمد.