وفي ذلك فليتنافس المتنافسون كنت على وشك أن أهجر مباراة الجيش وأولمبيك آسفي وشوطها الأول ينتهي بسخافته وعجافيته ومردوده التقني والتكتيكي الضعيف، فقد قلت مع نفسي ما الذي يلزمني بضرورة التسمر لساعة أخرى أمام شاشة التلفزة لمشاهدة مباراة كان فيها الإبداع والخلق وحتى التقيد بأساسيات كرة القدم تحت الصفر، وحقيقة الأمر أن ما كان في شوط مباراة الجيش وأولمبيك آسفي الأول، وهو للأسف نسخة طبق الأصل مما هو شائع اليوم في كثير من مباريات البطولة الوطنية، ما كان يستفز، يغضب ويصيب بحالة من الإحباط الشديد الذي لا يصبح معه غريبا ولا حتى مدعاة للسؤال أن يكون العزوف بهذه الدرجة التي كان عليها في تلك المباراة، برغم أن هناك من سيأتي بمبرر تأجيل المباراة وبرمجتها في وقت شد عن القاعدة.. كانت الجولة الأولى من مباراة جيش يبحث عن توازن مفقود وبين أولمبيك مسفيوي يبدي أريحية كبيرة في بذل مجهود جماعي يرفعه درجات كثيرة فوق إمكاناته مرآة عاكسة لمعضلات كثيرة تشكو منها كرة القدم الوطنية، فعندما لا تكون للاعب لضعف التكوين والتأطير ولغياب حوافز كثيرة ذهنية ومادية مساحة كبيرة للخلق وللإبداع الفردي الذي يصب في مصلحة الجماعة، وعندما تتعرى محدودية متخليه فلا يستطيع لقصور واضح أن يأتي بحلول سحرية، وعندما لا يستطيع هذا اللاعب أن يتقدم خطوة صغيرة ليقدم أكثر مما ينصح به من مدربه، فإن المحصلة تكون في النهاية كما شاهدنا في الجولة الأولى من المباراة كارثية ولا تقبل بأي قياس، تمريرات خاطئة، خروج عن النص، قصور في المتخيل الكروي وغياب كلي للقدرة على تأدية الدور، حتى أننا نقول، ماذا يفعل هؤلاء اللاعبون طوال الأسبوع وهم المحسوبون على الإحتراف جوهرا ونصا، لا عمل لهم إلا كرة القدم. هناك من سيقول إن التشدد الذي يبديه المدربون والصرامة التي يعاملون به اللاعبين كلما خرجوا عن التوجيهات هي ما يؤدي إلى هذا الإنسداد وهذا الإحتباس في طاقة الإبداع، إلا أنني أبرئ كلية من هذه التهمة الإطارين عبد الهادي السكتيوي ومصطفى مديح، فما عرفت أن أكاديميتهما ولا حتى خطهما التكتيكي يسمحان بهذا القمع العلني لحواس الإبداع والخلق برغم ما يبديانه وهذا حقهما من تشدد في صون جماعية الأداء من أي غطرسة فردية، بدليل أن ما قدمه الفريقان في الجولة الثانية كان مناقضا في الجوهر وفي الشكل لما قدماه في الجولة الثانية.. فما الذي حرر اللاعبين؟ وما الذي رفع درجة الجرأة فأعاد للمباراة الحياة؟ بالقطع لست من الذين يصدقون مقولة أن الشوط الأول للاعبين والشوط الثاني للمدربين، ليقيني التام أن المباراة كل لا يتجزأ في فكر وفي تدبير أي مدرب، ولعلمي أيضا أن سلاح المتغير التكتيكي هو أكثر ما يحتاجه المدرب لمواجهة طارئ وظرفية، لذلك أقول أن ما قلب مباراة الجيش وأولمبيك آسفي رأسا على عقب، حتى أنني كنت سأندم لو قاطعتها بعد الذي شهادته من بؤس كروي في الجولة الأولى، هو تغير فكر اللاعبين بخاصة مع توقيع الصهاجي لهدف أولمبيك آسفي الأول، فكأني بهذا الهدف لعب دور المحفز على الثورة ضد الرتابة والخنوع وتصريف الأمور بدون حاجة لا للمجازفة ولا للمخاطرة، فكانت الجولة الأولى صورة من كثير مما نراه في بطولتنا وهي صورة مرفوضة وإن كانت مبررة، وجاءت الجولة الثانية صورة مما نريده، ومما نقدر عليه بقليل من الإجتهاد الفردي والجماعي على حد سواء.. --------------------- لو نحن سلمنا أن عمق البطولة الوطنية لا يطابق الطموحات وإن كان صورة من حالة المخاض التي تمر منها كرة القدم لاستشراف أفق الإحتراف، ولو نحن أجمعنا على ضعف المردود العام من دون الأخذ بالإستثناءات وهي قليلة على كل حال، للأسباب التي نعرف والتي عددناها في أكثر من مرة، فإننا سنقول بأن ما تشهده المنافسة على الصدارة والتي تضع أي فريق في طريق مستقيم لنيل اللقب من وجود قوى جديدة هو مظهر صحي يبقي الإثارة ويحفز على المتابعة وحتما يرفع درجة الندية، لطالما أن الإحتكار يذهب هذه الإثارة، بل ويعدمها بالكامل.. يبرز اليوم فريقا المغرب الفاسي وأولمبيك آسفي كضلعين جديدين يهندسان لسباق من نوع آخر نحو اللقب، وإن كان الرجاء يظهر في الصورة كفارس تقليدي، إلا أن ما دلت عليه الدورات العشرون يقول بأن التسابق نحو اللقب في الثلث الأخير سيكون له مذاق آخر، وأظنكم مثلي تقولون بأن فريقا أولمبيك آسفي والمغرب الفاسي صمما على مقاس مدربيهما أو أن مدربيهما يقدمان فريقيهما بالصورة التي تتطابق مع فكرهما، ولا أظن أن بين التعريفين فرق كبير.. في المغرب الفاسي التي راهن رئيسها مروان بناني منذ مجيئه على إحداث ثورة بداخلها بالصورة التي يجب أن نقبل بها، هناك كثير من روح رشيد الطوسي، فاللاعبون باختلاف أمزجتهم وملكاتهم يتوحدون في النسق التكتيكي الموضوع، لا يخرجون عنه إلا في ضرورات بعينها، ضرورات ليست من طبيعة الضرورات التي تبيح المحظورات التكتيكية، وفي أولمبيك آسفي التي أدخلها الإنتماء لقطب المكتب الشريف للفوسفاط دائرة الإستقرار ونزهها عن السقوط لدرك الحاجة نتنسم أريج وعطر المدرب عبد الهادي السكتيوي الذي يضع لنفسه إطار عمل ومنهج تواصل فلا يتزحزح عنهما قيد أنملة، ما دام أن ذلك كله يخلق عنده نوعا من التوازن الفكري والمدرب من دون توازن فكري هو ريشة في مهب الريح.. لا أدعي أنني أريد وضع نيشان الجدارة والكفاءة على صدر المدربين رشيد الطوسي وعبد الهادي السكتيوي، لأن عملهما ونتائجهما وليس أي شيء آخر، هو ما سيرفعهما إلى القدر وإلى المكانة اللتين يستحقانها، ولكن أقف فقط عند الرجلين لأدلل على أن كرة القدم التي نريدها في الأمد القريب أن تدخلنا إلى مصاف كبار القارة أولا وتلائمنا مع طبائع الإحتراف القاسية ثانيا تحتاج إلى مدربين ومفكرين رياضيين بكاريزمية ورحابة أفق السكتيوي والطوسي. --------------- أعود للنادي المكناسي، لا لأختار بين الكلمات هودجا أضع فيه المدرب هشام الإدريسي وكل لاعبيه وهم بدرجة فرسان ولا لألتقط بين النجوم نيزكا أصفه وأصف لاعبيه به، فهذا أمر متروك للتاريخ الذي له ذاكرة لا يعتليها غبار، ولكن لأنبه أهل وساكنة وكل القوى الحية بمدينة مكناس، إلا أنهم أمام فرصة تاريخية لمصالحة أنفسهم وتاريخهم، أخاف كل الخوف أن يجعلوها تمر أمامهم فيقعدوا بعد ضياعها نادمين، حيث لا ينفع الندم ولا القضم ولا العض على الأنامل.. النادي المكناسي هو جزء من ذاكرة مكناسة الزتيون، هو مرآة عاكسة لمجد زمن ما كان مبدعوه يريدونه لحظة معزولة في تاريخ مدينتهم.. النادي المكناسي هو أمانة تاريخية لا بد وأن تتحملها أجيال اليوم، النادي المكناسي هو صورة من تلك الأسوار المنتصبة، هو جزء من حياة، ومن تراث.. وإذا كان النادي المكناسي الفريق بمدربه وبلاعبيه وبالأوفياء من جماهيره يقف اليوم مثوثبا من أجل تحقيق حلم الصعود والمصالحة متحديا كل الإكراهات وكل الدسائس، ومترفعا عن كل أشكال الإحباط حتى تلك التي تصيب بالجوع، فإن أهل مكناس مدعوون إلى مباركة هذه الصحوة بالدعم المادي وبالتحفيز المعنوي، وبنبذ الخلافات والخصومات والمعارك الصغيرة لأتفه الأسباب وذاك أضعف الإيمان. للأمانة أحيي لاعبي النادي المكناسي قبل مدربهم على رايات التحدي التي يرفعونها باستمرار في مواجهة العوز واللا مبالاة والنفاق الممنهج، عندما يلعبون إنتصارا لكرامتهم وانتصارا لرمزية القميص الذي يرتدونه، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.