بعدما انتهى به الأمر بالإقالة في مروره السابق، حقق المدرب الإيطالي الفذ كارلو أنشيلوتي عودة موفقة الى ريال مدريد بقيادته الى إحراز لقب البطولة الإسبانية قبل أربع مراحل على ختام الموسم. لم يشفع للمدرب الإيطالي دعم لاعبي النادي الملكي ومشجعيه، فتمت إقالته في 25 أيار/ماي 2015 بعد موسم ثان مخيب بعد أن كان في الأول صانعا لتتويجه باللقب القاري العاشر في تاريخه. بعد عام ويوم واحد على قيادته ريال الى اللقب العاشر في تاريخه في مسابقة عصبة ابطال اوروبا، اقيل أنشيلوتي من منصبه في الوقت الذي اعلن فيه العديد من نجوم النادي الملكي في حينها، على رأسهم البرتغالي كريستيانو رونالدو، دعمهم للمدرب الايطالي. وقال رئيس ريال فلورنتينو بيريز "في ريال مدريد، التطلعات كبيرة جدا وحان الوقت لإعطاء دفعة جديدة من أجل الفوز بألقاب جديدة وبلوغ افضل مستوياتنا". من المؤكد أن الخروج من "سانتياغو برنابيو" بهذه الطريقة وإسناد المهمة لرافايل بينيتيز الذي لم يصمد سوى لأشهر معدودة قبل أن يفتح الباب أمام وصول الفرنسي زين الدين زيدان، لم يغادر تفكير أنشيلوتي رغم النجاح الذي حققه لاحقا بقيادة بايرن ميونيخ الألماني الى لقب الدوري عام 2017. وعندما عرض على ابن ال62 عاما العودة مجددا الى مدريد بعد قرار زيدان التنحي للمرة الثانية عن تدريب النادي الملكي، لم يتردد أنشيلوتي في الاستقالة من منصبه مع إيفرطون الإنكليزي من أجل الحصول على فرصة تعويض ما فاته في مروره الإسباني السابق. والآن وبعد أن توج بلقب "لا ليغا" قبل أربع مراحل على ختام الموسم، بات أنشيلوتي أول مدرب في التاريخ يتوج بألقاب البطولات الخمسة الكبرى، بعدما سبق له أن أحرز كلا من البطولة الإيطالية مع ميلان (2004)، الإنكليزي مع تشلسي (2010)، الفرنسي مع باريس سان جرمان (2013) والألماني مع بايرن ميونيخ (2017). وعلى غرار جميع ألقاب البطولة التي أحرزها في مسيرته التدريبية، باستثناء عام 2010 حين قاد تشلسي للتفوق على مانشستر يونايتد ومدربه الاسطوري أليكس فيرغوسون بفارق نقطة فقط، كان تتويج أنشيلوتي بطلا في إسبانيا من دون منافسة حقيقية بعدما تربع النادي الملكي على الصدارة منذ المرحلة الرابعة عشرة ولم يتنازل عنها بعد ذلك. من المؤكد أن السبب في هيمنة ريال التي أوصلته الى المرحلة الرابعة والثلاثين متقدما بفارق 15 نقطة على أقرب ملاحقيه ما جعله بحاجة الى التعادل فقط مع إسبانيول لحسم التتويج، يعود الى ضعف المنافسين هذا الموسم، لاسيما غريمه برشلونة وجاره أتلتيكو بطل الموسم الماضي. كان موسم 2021-2022 الأول لبرشلونة بعد رحيل نجمه الأرجنتيني ليونيل ميسي، ما جعله يعاني الأمرين في مستهل الموسم لدرجة أنه وجد نفسه في المركز التاسع مع الوصول الى المرحلة الثامنة وحتى المرحلة الثالثة عشرة، قبل أن تتحسن نتائجه مع التعاقد مع نجم وسطه السابق تشافي للإشراف عليه في تشرين الثاني/نونبر خلفا للهولندي رونالد كومان. لكن عودة برشلونة الى المسار الصحيح، لم يمك نه من اللحاق بغريمه التاريخي حتى بعد اكتساحه رجال أنشيلوتي 4-صفر في معقلهم خلال المرحلة التاسعة والعشرين. أما أتلتيكو، فكان في وضع أفضل من برشلونة في مستهل الموسم، لكن فريق المدرب الأرجنتيني دييغو سيميوني لم يظهر أي مؤشرات بأنه قادر على الدفاع عن لقبه لدرجة أنه لم ينه أي مرحلة في الصدارة، في حين أن فريقا بحجم ريال سوسييداد تربع عليها لأربع مراحل بين التاسعة والثالثة عشرة. وكان إشبيلية لفترة طويلة المنافس الأبرز لريال لكن من دون أن يضعه تحت ضغط حقيقي، لأن فريق المدرب خولن لوبيتيغي لم يستثمر في معظم الأحيان هفوات النادي الملكي وكان يتعثر بدوره. الحديث عن ضعف المنافسين لا يقلل من قيمة العمل الذي قام به المدرب الإيطالي وليس بسبب الهيمنة فقط على الدوري والفارق الذي خلقه ريال، بل لأنه ركز أيضا على تطوير أداء لاعبيه واستخراج أفضل ما لديهم، على غرار البرازيلي فينيسيوس جونيور الذي تحول من موهبة خامة يعيبها الاتساق الى أحد أبرز المهاجمين في العالم. أما الفرنسي كريم بنزيما، فواصل صعوده الى مستويات جديدة، متحررا من هالة رونالدو الذي قرر في صيف 2018 البحث عن تحد جديد بالرحيل الى يوفنتوس الإيطالي ومن بعده الى فريقه السابق مانشستر يونايتد الإنكليزي. وإذا فاز بنزيما بجائزة الكرة الذهبية هذا الموسم، وهو أمر مرجح لاسيما إذا نجح ريال في إحراز لقبه الرابع عشر في دوري أبطال أوروبا (وصل الى نصف النهائي وخسر ذهابا في أرض مانشستر سيتي الإنكليزي 3-4)، فيعود الفضل بذلك الى أنشيلوتي وقيادته التي أعادت الحياة أيضا للمخضرم الكرواتي لوكا مودريتش (36 عاما ) من خلال سياسة التدوير التي راعت عمر أفضل لاعب في العالم لعام 2018. واعتقد كثيرون أن ريال سيعاني دفاعيا بعد رحيل القائد سيرخيو راموس الى باريس سان جرمان والفرنسي رافايل فاران الى مانشستر يونايتد، لكن أنشيلوتي عرف كيف يوظف البرازيلي إدر ميليطاو والوافد الجديد النمسوي دافيد ألابا لدرجة أن أحدا لم يشعر بأن فريقه خسر اثنين من أعمدته الأساسية. ولو خسر أي فريق آخر لاعبا بحجم وأهمية راموس ومدربا مثل زيدان الذي قاده الى ثلاثة ألقاب متتالية في عصبة الأبطال، لسقط من الأعالي. لكن أنشيلوتي عرف كيف يحافظ على انتظام الأمور والتركيز والهدوء، مانحا في الوقت ذاته الشبان فرصة إثبات قدراتهم والمخضرمين الحق في الدفاع عن مراكزهم. عندما وافق فلورنتينو بيريز على إعادة أنشيلوتي العام الماضي، تساءل الكثيرون عما إذا كان ذلك خطوة الى الوراء بمواجهة فرق تضم مدربين أصغر سنا وأكثر تقدمية، لكن امتنان الإيطالي للعودة الى ناد من مستوى ريال كان يعتقد أنه لم يعد ممكنا بالنسبة له، قد انعكس إيجابا . بالنسبة لأنشيلوتي "إذا كان النادي سعيدا معي فهذا عظيم. إذا لم يكن كذلك، سأكون دائما ممتنا للفرصة التي أتيحت لي من أجل قيادة ريال مدريد مرة أخرى".