قال بيب غوارديولا مدرب البارصا بعد النصر التاريخي الذي حققه أمام الريال في الكلاسيكو: «لعبنا مباراة بمستوى راقي أداء ونتيجة، وأنا سعيد جدا بما قدمناه اليوم، البارصا كان الأفضل في المباراة بكل المواصفات العالية، ومن جهة أخرى لا نلعب من أجل توجيه الإنذارات، بل نلعب من أجل تقديم أفضل ما لدينا من أداء ومحاولة الفوز بكل المباريات، وسيكون من غير المعقول أن لا نستمتع بالفوز لأن مثل هذه المباراة لا تأتي إلا في حالات ناذرة». ومضمون ما قاله غوارديولا بغض النظر عن ما شاهدناه في الكلاسيكو الإسباني والعالمي على حد سواء بحجم البارصا والريال كأرقى فرق العالم، يشكل قاموسا جديدا في الكرة الشاملة والناذرة التي يقدمها المنتوج البارصاوي في أعلى صور الخيال الكروي داخل واقع الرقعة والنزال الإستراتيجي المبني أصلا من التعصب والحرب النفسية قبل الفرجة وحوافز النصر بين العملاقين. وأعرف أن ما قدمه البارصا على كل المستويات أداء وفرجة ونضجا واحترافية وأهدافا ومتعة هو عرس لا يتكرر دائما، وضع الريال في حالة غليان وحيرة من كل الذي هز عرشه الملكي بهذه الوضاعة لأشهر نجومه، كما قدم البارصاويون للعالم صورة حقيقة الكرة الكونية في إبداعها الفني والراقي بسرعة اللمسة الجبرية (الرياضيات) سواء بالمثلثات والهلاليات والدائرة التي تتشكل منها الكرة أصلاً في قالب محوري لفَّتْ منه البارصا بالكرة دائريا واستراتيجيا في لحظات العجز المدريدي لإيقاف هذا النشاط المبالغ فيه للبارصا.. وكنت دائما أومن بأن الأزمنة الكروية تختلف من نادي لاخر بين البارصا والريال، وزمن اليوم هو للبارصا كعملاق يتأسس على تفريخ الأجيال المكونة بالقيمة الإبداعية والمهارية والتكتيكية والخرافية في إيجاد الحلول الممكنة لتجاوز الخصوم أو تجاوز أقوى المحاور الوسطية والدفاعية مثلما تفاعلت به أمام الريال.. وكنت سأقبل هذا المسلك والمشهد الخرافي للبارصا مع أي فريق آخر كجزء في معادلات الحكم المسبق على أداء البارصا لأنه كان وما زال هو ذات النهج والتناغم الكبير بين مكونات الدفاع والوسط والهجوم، لكن أمام الريال فاق هذا التصور كل المرجعيات السابقة للمواجهات الثنائية بين البارصا والريال، وقدم الكلاسيكو مرجعيته الجديدة كأقوى لقاء في تاريخ الكلاسيكو الإسباني أداء أكثر سموا لعباقرة الوسط البارصاوي، وفرجة أكثر من الرعشات الكبرى، وتكتيكا جديدا لا يقوى على مجاراته أي عملاق في العالم، وذهاء فنيا لغوارديولا قرأ به عقل خصمه مورينيو من رأسه إلى رجله.. طبعا يجوز هذا الكلام لأن وضع المباراة في حجمها التاريخي منح الإمتياز للبارصا لياقة وقراءة خالصة لأداء الريال، ولو ثبت العكس، وفازت الريال لكان هناك كلام آخر، بحكم الوضع سيكون مختلفا، أولا بفوز الريال التاريخي بالبارصا، وثانيا بفوز مورينهو بالبارصا (ولن يسكت أبدًا) وثالثا بأي طريق، سيفوز بها الريال هل هي بذات صورة البارصا الخيالية؟ أم بالواقعية العادية؟ وشخصيا لست متعصبا ككل المغاربة من كل الذي أشاهده أسبوعيا في مقاهي المغرب غير العادية والأسر التي تختلف عشقا بين البارصا والريال، ولكني جد متعصب للأداء الراقي الذي يعشقه كل المغاربة، ونحن جميعا لسنا إسبانيين في العرق والجنسية والفكر مثلما يعادينا إعلامها في وحدتنا الترابية، ولا يمكن للكرة أن تكون عدوا لأحد ولكنها في العمق تمثل جسرا للروح والتعارف والسمو الفكري لكل الشعوب، ولا دخل للسياسة بالرياضة كما قلت مثلما نحضره غدا أمام الجزائر كخصم للمغرب كرويا من جهة رغم أن ساستها هم الحاقدون والأعداء بالخط الأحمر للوحدة الترابية.. أما إسبانيا، وإن كان حزبها الشعبي هو على خط العداء والكراهية للمغرب مثلما نكرهه أصلا كحزب، فهي ليست عدوا كاملا بشعبها للمغرب، بل تحبه وتعشقه دون أن نخلط الأمور بينما هو سياسي ورياضي دون أن ننسى أن المنتخب المغربي لعب بنيوكامب أمام المنتخب الكولومبي في لقاء ودي وباستقبال كبير. ما يهمنا أيضا من وقائع الكلاسيكو أنه قدم للمغاربة هوسا جديدا في العشق الكبير للكرة الراقية، وأصبحت في اليوم الموالي لكل مقرات العمل والمؤسسات العمومية والخواص والمقاهي، كل النقاشات منصبة في ليلة التاريخ الجديد للكرة البارصاوية التي هي أصلا جزء كبير من مكونات منتخب إسبانيا، كما يهمنا من الكلاسيكو الإسباني أن يكون درسا للكلاسيكو المغربي الجميل والتاريخي بجمهوره لكنه ليس من نفس طينة الأداء الراقي، والتسيير الراقي لرئيسي الريال والبارصا وهما جالسين معا في قمة المقاعد بأحلى صورة عكس ما نشاهده من تباعد كبير في كرتنا وبطولتنا ومسيرينا ومدربينا في قراءة كل الأشياء الجامعة كليا في قيمة المصطلح الكبير وهو الإحتراف الراقي وليس الإحتراف من أجل الإحتراف.. وآخر ما أقوله لصناع الكرة.. شاهدوا الكرة الشاملة.. تعلموا الكرة والتسيير وابحثوا عن أسباب تقدم البارصا.