أولا: الأدلة النقلية فأول هذه الأصول هي القرآن الكريم الذي هو كلام الله تعالى المُنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم باللسان العربي، للإعجاز بأقصر سورة منه، المكتوب في المصاحف، المنقول بالتواتر، المتعبد بتلاوته، المبدوء بسورة الفاتحة، المختوم بسورة الناس[1]. هذا الأصل هو أصل الأصول وكل الأصول راجعة إليه ومستمدة منه، فهو كما قال الإمام الشاطبي: "كلية الشريعة" وهو أصل مجمع عليه، يجب العمل به؛ لأنه دستور هذه الأمة. من المعروف أن القرآن الكريم قطعي الثبوت؛ لأنه وصل إلينا بالتواتر، وأما دلالة القرآن على الأحكام فقد يكون قطعي الدلالة أو ظني الدلالة. بخصوص النص القطعي الدلالة، فهو: اللفظ الذي لا يحتمل إلا معنى واحدا، كآيات المواريث والحدود والكفارات، من ذلك قوله تعالى: "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الاُنثيين" [النساء، 11]، وقوله تعالى: "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما" [المائدة، 40] وقوله تعالى: "الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة" [النور،2]، وقوله جلت قدرته: "والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا" [المجادلة، 3]، فهذه النصوص قطعية الدلالة فيما تدل عليه، من نصاب الإرث، وقطع اليد للسارق، وجلد الزاني مئة جلدة، وللقاذف ثمانين، وعتق رقبة في كفارة الظهار أو الصيام أو الإطعام. وأما النص الظني الدلالة فهو اللفظ الذي يحتمل أكثر من معنى، كاللفظ المشترك القرء في قوله تعالى: "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء" [البقرة، 226] فلفظ القرء في اللغة مشترك بين معنيين: الطهر والحيض، فهذا اللفظ قد يدل على أحد المعنيين المذكورين فتكون دلالته دلالة ظنية لا قطعية، وقول الله تعالى: "حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الاَخ وبنات الاَخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة" [النساء، 23]؛ فإن الإرضاع يحتمل أن يكون المرة الواحدة، ويحتمل عدة رضعات. النص عند الأصوليين هو: "اللفظ الدال على معنى لا يحتمل غيره أصلا"[2]. ومثاله في القرآن، قوله تعالى في صيام المتمتع الذي لم يجد هديا: "فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة اِذا رجعتم تلك عشرة كاملة" [البقرة، 195] "فقوله تعالى: "تلك عشرة كاملة" نص في أن المتمتع، أي الذي لم يجد هديا يلزمه صوم المجموع، الثلاثة التي في الحج، والسبعة التي بعد الرجوع، الذي هو العشرة"[3]. الظاهر عند الأصوليين هو: "اللفظ الدال في محل النطق على معنى لكنه يحتمل غيره احتمالا مرجوحا، فدلالته على المعنى الراجح فيه تسمى ظاهرا، ودلالته على المرجوح فيه تسمى تأويلا"[4]. ومثاله في القرآن الكريم: قوله تعالى: "فإطعام ستين مسكينا" [المجادلة، 4]؛ "فإنه ظاهر في أن المظاهر الذي لم يستطع الصوم يجب عليه إطعام ستين شخصا مسكينا، أي فقيرا لا مال له، لكل مد، ولا يجزي إعطاؤها لمسكين واحد ستين يوما في كل يوم مد"[5]. يتبع في العدد المقبل.. ------------------------------------------------------ 1. الإحكام للآمدي، 1/82، التقرير والتحبير، 2/213. 2. إيصال السالك في أصول الإمام مالك، للشيخ محمد يحيى الولاتي، 24. 3. إيصال السالك في أصول الإمام مالك، للشيخ محمد يحيى الولاتي، 24. 4. إيصال السالك في أصول الإمام مالك، للشيخ محمد يحيى الولاتي، 25. 5. إيصال السالك في أصول الإمام مالك، للشيخ محمد يحيى الولاتي، 25.