قال تعالى: "قال عيسى اَبن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون عيدا لأولنا وءَاخرنا وءَاية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين" [المائدة، 116] سيق هذا الدعاء من عيسى عليه السلام في مقام مقالي طلب من خلاله حواريوه أن ينزل الله تعالى عليهم مائدة من السماء، وذلك هو مضمون قوله تعالى: "إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء" [المائدة، 141]. أجاب عيسى عليه السلام الحواريين بملازمة التقوى التي تقوم على شرط على الإيمان لقوله تعالى: "قال اتقوا الله إن كنتم مومنين". على الرغم من هذا الرد النبوي فقد استمر الحواريون في توضيح حقيقة مقاصدهم لقوله تعالى: "قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين" [المائدة، 115]. بكلام آخر إن ما يريده هؤلاء من طلبهم هذا محصور في أن تمسهم بركة الأكل منها، وفي أن يزداد يقينهم بصدق رسالة عيسى عليه السلام فتطمئن قلوبهم، وفي أن يكونوا شهودا على كل ما ذكر. والحق أن ذلك مماثل لما حصل لنبي الله إبراهيم الذي يحكيه القرآن في قوله تعالى: "رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تومن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي" [البقرة، 259]. وقد استجاب الله تعالى لطلبهم في قوله: "قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحداً من العالمين". [المائدة، 117]. مع قوله تعالى: "اللهم ربنا" بين ندائين: نداء باسم الذات الجامع لصفات الجلال، ونداء بوصف الربوبية. وكل ذلك استعطافا من الحواريين لله تعالى ليجيب دعائهم فيكون نزول المائدة عيدا، أي أن يكون تذكر يوم نزولها عيدا أو مناسبة سنوية للفرح والسرور لأول الملة النصرانية ولآخرها، وهم الذين ختمت بهم عند البعثة النبوية[1]. ينطوي هذا الدعاء من عيسى عليه السلام على أدب من آداب دعاء الله عز وجل. أعني أنه أدب عبد مجتبى مع الله تعالى ينادي: "يا الله يا ربنا، إنني أدعوك أن تنزل علينا مائدة من السماء تعمنا بالخير والفرحة كالعيد.. فهو يعرف إذن أنه عبد، وأن الله ربه. وهذا الاعتراف يعرض على مشهد من العالمين في مواجهة قومه، يوم المشهد العظيم"[2]. ------------------------- 1. قال السدي: لأولنا معناه لأول الأمة، ثم لأمن بعدهم حتى لآخرها يتحذون ذلك اليوم عيدا. وروي عن ابن عباس أن المعنى يكون مجتمعا لجميعنا أولنا وآخرنا. ينظر الزمخشري، الكشاف، ج: 2، ص: 314 والمحرر الوجيز لابن عطية ج: 2، ص: 261 وابن عاشور، التحرير والتنوير ج: 6 ص: 108. 2. سيد قطب، في ظلال القرآن، ج: 7، ص: 1000.