رئيس كولومبيا يتخبط أمام ترامب    حريق جزئي في بناية 'دار النيابة' التاريخية بطنجة بسبب تماس كهربائي    انفجار نفق بسد المختار السوسي بضواحي تارودانت.. بعد مرور أكثر من 12 ساعة من الحادث لا زال 5 عمال مفقودين    نشرة إنذارية: هبات رياح محليا قوية من 70 إلى 95 كلم/س بعدد من أقاليم الشمال    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    تأني الفتح يغلب استعجال الرجاء    نادي الشارقة الإماراتي يعلن تعاقده مع اللاعب المغربي عادل تاعرابت    السنغال تبدأ تنفيذ مشروع أنبوب الغاز الرابط بين المغرب ونيجيريا    العيون تُعلن عاصمة للمجتمع المدني المغربي لسنة 2025    الكاف: أكثر من 90 بلدا سيتابعون قرعة كأس أمم إفريقيا بالمغرب    جريمة تهز وزان: مقتل سيدة وإصابة شقيقتها في اعتداء دموي بالسلاح الأبيض    الشرقاوي حبوب: تفكيك خلية إرهابية بمنطقة حد السوالم يندرج في إطار الجهود المبذولة للتصدي للخطر الإرهابي    الدورة 35 لماراطون مراكش الدولي: العداء الكيني ألفونس كيغين كيبووت والإثيوبية تيرفي تسيغاي يفوزان باللقب    المغرب يحقق سابقة تاريخية في كأس إفريقيا.. معسكرات تدريبية فاخرة لكل منتخب مشارك    وزارة التربية الوطنية تكشف خلاصات لقاءات العمل المشترك مع النقابات التعليمية    إحباط تهريب 200 كيلوغرام من الحشيش بميناء سبتة المحتلة    الملك محمد السادس يهنئ الحاكمة العامة لكومنولث أستراليا بمناسبة العيد الوطني لبلادها    تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية ومرفوضة فلسطينيا وعربيا.. ترامب يقترح ترحيل الفلسطينيين من غزة إلى الدول العربية المجاورة    تراجع للدرهم أمام الأورو.. و4% نمو سنوي في الاحتياطيات    هذه خطة المغرب لتعزيز شراكته الاقتصادية مع الصين وتقليص العجز التجاري    المفوضية الأوروبية: الاتفاقيات الجوية بين المغرب والاتحاد الأوروبي لا تشمل الصحراء    تقرير: المغرب يواجه عام 2025 بتطلعات متفائلة مدعومة بالتعاون الاقتصادي مع الخليج وأوروبا    الشرقاوي: تفكيك الخلية الإرهابية بحد السوالم يندرج في إطار التصدي للخطر الإرهابي    غرق بحار ونجاة أربعة آخرين بعد انقلاب قارب صيد بساحل العرائش    وزارة الصحة تعلن عن الإجراءات الصحية الجديدة لأداء مناسك العمرة    15 قتيلا بنيران إسرائيل بجنوب لبنان    "كاف": الركراكي مطالب بالتتويج    ريدوان وحاتم عمور وجيمس طاقم تنشيط حفل قرعة كأس أمم إفريقيا    بعد نجاحه مع نشيد ريال مدريد.. ريدوان يستعد لإطلاق أغنية خاصة ب"أسود الأطلس"    تفكيك "شبكة حريڭ" باستخدام عقود عمل مزورة    كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم: الكشف عن الشعار الرسمي للبطولة    تفشي مرض الحصبة في المغرب.. الوضع يتفاقم والسلطات تتحرك لمواجهة اتساع رقعة انتشاره    وزارة التجهيز والماء تطلق ورشات تشاورية لتثمين الملك العمومي البحري    تدشين وإطلاق عدة مشاريع للتنمية الفلاحية والقروية بإقليم شفشاون    الطماطم المغربية تغزو الأسواق الأوروبية أمام تراجع إسبانيا وهولندا    جمعوية: الكلاب المتخلى عنها الأخطر على المواطنين مقارنة بالضالة    أساتذة "الزنزانة 10" يحتجون بالرباط‬    المغرب حاضر بقوة في المعرض الدولي للسياحة في مدريد    رحلة مؤثر بريطاني شهير اكتشف سحر المغرب وأعلن إسلامه    شبكة صحية تنتقد الفشل في التصدي ل"بوحمرون" وتدعو لإعلان حالة طوارئ صحية    المحكمة الكورية ترفض طلب تمديد اعتقال الرئيس المعزول    الجزائر تتجه نحو "القطيعة" مع الفرنسية.. مشروع قانون لإلغائها من الجريدة الرسمية    الصين: ارتفاع الإيرادات المالية بنسبة 1,3 بالمائة في 2024    أخنوش أصبح يتحرك في المجالات الملكية مستبقا انتخابات 2026.. (صور)    معرض القاهرة الدولي للكتاب .. حضور وازن للشاعر والإعلامي المغربي سعيد كوبريت في أمسية شعرية دولية    لقاء ينبش في ذاكرة ابن الموقت    الولايات المتحدة.. طائرات عسكرية لنقل المهاجرين المرحلين    الخارجية الأمريكية تقرر حظر رفع علم المثليين في السفارات والمباني الحكومية    القنصلية العامة للمملكة بمدريد تحتفل برأس السنة الامازيغية    هوية بصرية جديدة و برنامج ثقافي و فني لشهر فبراير 2025    وزارة الصحة تعلن عن الإجراءات الصحية الجديدة لأداء مناسك العمرة    من العروي إلى مصر :كتاب "العناد" في معرض القاهرة الدولي    فعاليات فنية وثقافية في بني عمارت تحتفل بمناسبة السنة الأمازيغية 2975    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اختلاف المفسرين في الرسل المذكورين في سورة يس
نشر في أخبارنا يوم 24 - 10 - 2011


السؤال:
هل هؤلاء الرسل الثلاث الذين ذُكروا في سورة " يس " في قصة أصحاب القرية – هم من رسل الله -، قال تعالى : ( وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ . إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ) ؟
الجواب :
الحمد لله
اختلف المفسرون في هؤلاء الرسل الثلاثة الذين ضرب الله بقصتهم مثلا في سورة " يس "، هل هم من رسل الله عز وجل ، أم من أصحاب المسيح عيسى بن مريم عليه السلام ، وذلك على قولين :
القول الأول : أنهم رسل الله تعالى ، ورسله عز وجل كثيرون ، كما قال تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ) غافر/78.
يروى هذا القول عن ابن عباس وكعب الأحبار ووهب بن منبه ، لكن الإسناد إليهم لا يصح ، حيث يرويه الطبري في " جامع البيان " (20/500) وفي إسناده انقطاع ظاهر ، ونقله ابن تيمية في " الجواب الصحيح " (2/247) من كلام أبي العالية حيث قال عنهم : " قالوا : نحن رسل رب العالمين "
واختار هذا القول من المحققين شيخ الإسلام ابن تيمية ، والحافظ ابن كثير ، واعتمده أيضا العلامة السعدي في " تيسير الكريم الرحمن " (ص/693)
ويمكن أن يستدل له بما يأتي :
أولا : جواب أهل القرية لهؤلاء المرسلين كان بقولهم : ( ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا )، وهذا الجواب حكاه القرآن الكريم عن تكذيب الكفار لرسل الله ، فقد كانوا يريدون إرسال الملائكة بدلا من البشر ، ولو كانوا رسلا لعيسى عليه السلام لم ينكر أصحاب القرية رسالتهم بهذه الحجة .
ثانيا : ظاهر القرآن الكريم يدل على أنهم رسل الله مباشرة ، وذلك في قوله تعالى : ( إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ ) فنسب الإرسال إلى نفسه عز وجل بضمير الجمع ( أرسلنا ) .
القول الثاني : أنهم رسل المسيح عيسى بن مريم ، بعثهم إلى مدينة " أنطاكية "، وقد روى هذا القول جماعة من العلماء عن قتادة فيما بلغه ، واعتمده أكثر المفسرين وقدموه في تفسيرهم للآيات ، بل قال ابن كثير: "هو الذي لم يذكر عن واحد من متأخري المفسرين غيره" انتهى من " تفسير القرآن العظيم" (6/573)
انظر : " تفسير البغوي " (7/10)، " الكشاف " (4/7)، " التسهيل لعلوم التنزيل " لابن جزي (2/180)، "إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم" لأبي السعود (7/161)، "أنوار التنزيل وأسرار التأويل" للبيضاوي (4/ 264)، "مفاتيح الغيب" للرازي (26/260)، "فتح القدير " للشوكاني (4/417)
قال قتادة رحمه الله :
" ذُكر لنا أن عيسى ابن مريم بعث رجلين من الحواريين إلى أنطاكية -مدينة بالروم- فكذبوهما فأعزهما بثالث " انتهى رواه الطبري بإسناده في " جامع البيان " (20/500)
ودليل هذا القول هو النقل عن قتادة فقط ، وإلا فليس في سياق القصة في القرآن الكريم تصريح ولا تلميح بذلك .
ثم أجابوا عن أدلة القول الأول بما يأتي :
أولا : اعتراض أصحاب القرية بكون الرسل بشرا هو من التعنت الذي اعتاده المكذبون ، والمتعنت لا فرق عنده بين رسل الله المباشرين ورسل عيسى عليه السلام ، فهو يبحث عن الجدال العقيم ، ويتذرع بأي شبهة ليكذب بها الرسل ، فيستعمل هذا الجواب الداحض لكل من ذكَّره بالله ، وأَمَرَه بالإيمان به وحده لا شريك له .
ثانيا : أما الإسناد إلى ضمير الجمع ( إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ ) قالوا هو على سبيل المجاز ، فإن رسل عيسى هم رسل الله عز وجل أيضا ، ولكن بالواسطة ، فجاز في اللغة نسبتهم إلى المرسِل الأول .
وقد أطال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مناقشة هذا الموضوع في كتابه العظيم " الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح "، وذلك في معرض الجواب عن دعوى من يقول إن الحواريين أصحاب عيسى عليه السلام كانوا من الرسل أو من الأنبياء ، وبعضهم يستدل بهذه الآيات في سورة يس ، فبين بوجوه كثيرة أن الرسل الثلاثة الوارد ذكرهم في سورة يس هم رسل الله أرسلوا إلى تلك القرية قبل بعث المسيح عليه السلام .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" بعضهم يقول : إن المسيح أرسلهم في حياته .
لكن المعروف عند النصارى أن أهل أنطاكية آمنوا بالحواريين واتبعوهم ، لم يهلك الله أهل أنطاكية ، والقرآن يدل على أن الله أهلك قوم هذا الرجل الذي آمن بالرسل .
وأيضا فالنصارى يقولون : إنما جاءوا إلى أهل أنطاكية بعد رفع المسيح ، وأن الذين جاءوا كانوا اثنين لم يكن لهما ثالث ، قيل : أحدهما شمعون الصفا ، والآخر بولص ، ويقولون إن أهل أنطاكية آمنوا بهم ، ولا يذكرون حبيب النجار ، ولا مجيء رجل من أقصى المدينة ، فالأمر المنقول عند النصارى أن هؤلاء المذكورين في القرآن ليسوا من الحواريين ، وهذا أصح القولين عند علماء المسلمين وأئمة المفسرين ، وذكروا أن المذكورين في القرآن في سورة يس ليسوا من الحواريين بل كانوا قبل المسيح ، وسموهم بأسماء غير الحواريين ; كما ذكر محمد بن إسحاق .
وهذا القول هو الصواب ، وأن هؤلاء المرسلين كانوا رسلا لله قبل المسيح ، وأنهم كانوا قد أرسلوا إلى أنطاكية ، وآمن بهم حبيب النجار ، فهم كانوا قبل المسيح ، ولم تؤمن أهل المدينة بالرسل ؛ بل أهلكهم الله تعالى كما أخبر في القرآن ، ثم بعد هذا عمرت أنطاكية وكان أهلها مشركين حتى جاءهم من جاءهم من الحواريين ، فآمنوا بالمسيح على أيديهم ، ودخلوا دين المسيح .
ويقال إن أنطاكية أول المدائن الكبار الذين آمنوا بالمسيح - عليه السلام - وذلك بعد رفعه إلى السماء ، ولكن ظن من ظن من المفسرين أن المذكورين في القرآن هم رسل المسيح وهم من
الحواريين ، وهذا غلط لوجوه :
منها : أن الله قد ذكر في كتابه أنه أهلك الذين جاءتهم الرسل ، وأهل أنطاكية لما جاءهم من دعاهم إلى دين المسيح آمنوا ولم يهلكوا .
ومنها : أن الرسل في القرآن ثلاثة ، وجاءهم رجل من أقصى المدينة يسعى ، والذين جاءوا من أتباع المسيح كانوا اثنين ، ولم يأتهم رجل يسعى ، لا حبيب ، ولا غيره .
ومنها : أن هؤلاء جاءوا بعد المسيح ، فلم يكن الله أرسلهم .
ومعلوم عند الناس أن أهل أنطاكية لم يصبهم ذلك بعد مبعث المسيح ، بل آمنوا قبل أن يبدل دينه ، وكانوا مسلمين مؤمنين به على دينه إلى أن تبدل دينه بعد ذلك .
ومما يبين ذلك أن المعروف عند أهل العلم أنه بعد نزول التوراة لم يهلك الله مكذبي الأمم بعذاب من السماء يعمهم ; كما أهلك قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وفرعون وغيرهم ، بل أمر المؤمنين بجهاد الكفار ; كما أمر بني إسرائيل على لسان موسى بقتال الجبابرة ، وهذه القرية أهلك الله أهلها بعذاب من السماء ، فدل ذلك على أن هؤلاء الرسل المذكورين في يس كانوا قبل موسى عليه السلام .
وأيضا فإن الله لم يذكر في القرآن رسولا أرسله غيرُه ، وإنما ذكر الرسل الذين أرسلهم هو .
وأيضا فإنه قال : ( إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث ) يس/14، فأخبر أنه أرسلهم ; كما أخبر أنه أرسل نوحا وموسى وغيرهما .
وفي الآية : ( قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء ) يس/15، ومثل هذا هو خطاب المشركين لمن قال : إن الله أرسله وأنزل عليه الوحي لا لمن جاء رسولا من عند رسول .
وقد قال بعد هذا : ( يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون ) يس/30.
وهذا إنما هو في الرسل الذين جاءوهم من عند الله ، لا من عند رسله .
وأيضا فإن الله ضرب هذا مثلا لمن أرسل إليه محمدا صلى الله عليه وسلم يحذرهم أن ينتقم الله منهم ; كما انتقم من هؤلاء ، ومحمد إنما يضرب له المثل برسول نظيره ، لا بمن أصحابه أفضل منهم ، فإن أبا بكر وعمر وعثمان وعليا أفضل من الحواريين باتفاق علماء المسلمين ، ولم يبعث الله بعد المسيح رسولا ، بل جعل ذلك الزمان زمان فترة .
وأيضا فإنه قال تعالى : ( إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا ) يس/14 ، ولو كانوا رسل رسول ، لكان التكذيب لمن أرسلهم ، ولم يكن في قولهم : ( إن أنتم إلا بشر مثلنا شبهة ) فإن أحدا لا ينكر أن يكون رسل رسل الله بشرا ، وإنما أنكروا أن يكون رسول الله بشرا .
وأيضا : فلو كان التكذيب لهما وهما رسل الرسول ، لأمكنهما أن يقولا : فأرسلوا إلى من أرسلنا أو إلى أصحابه ، فإنهم يعلمون صدقنا في البلاغ عنه ، بخلاف ما إذا كانا رسل الله .
وأيضا فقوله : ( إذ أرسلنا إليهم اثنين ) يس/14، صريح في أن الله هو المرسل ، ومن أرسلهم غيره إنما أرسلهم ذلك لم يرسلهم الله ; كما لا يقال لمن أرسله محمد بن عبد الله إنهم رسل الله ، فلا يقال لدحية بن خليفة الكلبي أن الله أرسله ، ولا يقال ذلك للمغيرة بن شعبة وعبد الله بن حذافة وأمثالهما ممن أرسلهم الرسول .
ومعلوم أنه لا يقال في هؤلاء : إن الله أرسلهم ، ولا يسمون عند المسلمين رسل الله ، ولا يجوز باتفاق المسلمين أن يقال هؤلاء داخلون في قوله : ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات ) الحديد/25.
فإذا كانت رسل محمد صلى الله عليه وسلم لم يتناولهم اسم " رسل الله " في الكتاب الذي جاء به ، فكيف يجوز أن يقال : إن هذا الاسم يتناول رسل رسول غيره " انتهى باختصار من " الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح " (2/245-255)، وقد اختصر ابن كثير كلام شيخه ابن تيمية ، وأعاد صياغة الردود ، وذلك في " تفسير القرآن العظيم " (6/573-574) .
وبهذا يتبين صحة القول الأول الذي هو " ظاهر القرآن " كما قال ابن الجوزي رحمه الله في " زاد المسير " (3/521)، وإن رجح في " المنتظم " (2/31) القول الثاني .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
.
الدعاء بالستر والعفة والحياء
أخبارنا المغربية
السؤال:
هل هؤلاء الرسل الثلاث الذين ذُكروا في سورة " يس " في قصة أصحاب القرية – هم من رسل الله -، قال تعالى : ( وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ . إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ) ؟
الجواب :
الحمد لله
اختلف المفسرون في هؤلاء الرسل الثلاثة الذين ضرب الله بقصتهم مثلا في سورة " يس "، هل هم من رسل الله عز وجل ، أم من أصحاب المسيح عيسى بن مريم عليه السلام ، وذلك على قولين :
القول الأول : أنهم رسل الله تعالى ، ورسله عز وجل كثيرون ، كما قال تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ) غافر/78.
يروى هذا القول عن ابن عباس وكعب الأحبار ووهب بن منبه ، لكن الإسناد إليهم لا يصح ، حيث يرويه الطبري في " جامع البيان " (20/500) وفي إسناده انقطاع ظاهر ، ونقله ابن تيمية في " الجواب الصحيح " (2/247) من كلام أبي العالية حيث قال عنهم : " قالوا : نحن رسل رب العالمين "
واختار هذا القول من المحققين شيخ الإسلام ابن تيمية ، والحافظ ابن كثير ، واعتمده أيضا العلامة السعدي في " تيسير الكريم الرحمن " (ص/693)
ويمكن أن يستدل له بما يأتي :
أولا : جواب أهل القرية لهؤلاء المرسلين كان بقولهم : ( ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا )، وهذا الجواب حكاه القرآن الكريم عن تكذيب الكفار لرسل الله ، فقد كانوا يريدون إرسال الملائكة بدلا من البشر ، ولو كانوا رسلا لعيسى عليه السلام لم ينكر أصحاب القرية رسالتهم بهذه الحجة .
ثانيا : ظاهر القرآن الكريم يدل على أنهم رسل الله مباشرة ، وذلك في قوله تعالى : ( إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ ) فنسب الإرسال إلى نفسه عز وجل بضمير الجمع ( أرسلنا ) .
القول الثاني : أنهم رسل المسيح عيسى بن مريم ، بعثهم إلى مدينة " أنطاكية "، وقد روى هذا القول جماعة من العلماء عن قتادة فيما بلغه ، واعتمده أكثر المفسرين وقدموه في تفسيرهم للآيات ، بل قال ابن كثير: "هو الذي لم يذكر عن واحد من متأخري المفسرين غيره" انتهى من " تفسير القرآن العظيم" (6/573)
انظر : " تفسير البغوي " (7/10)، " الكشاف " (4/7)، " التسهيل لعلوم التنزيل " لابن جزي (2/180)، "إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم" لأبي السعود (7/161)، "أنوار التنزيل وأسرار التأويل" للبيضاوي (4/ 264)، "مفاتيح الغيب" للرازي (26/260)، "فتح القدير " للشوكاني (4/417)
قال قتادة رحمه الله :
" ذُكر لنا أن عيسى ابن مريم بعث رجلين من الحواريين إلى أنطاكية -مدينة بالروم- فكذبوهما فأعزهما بثالث " انتهى رواه الطبري بإسناده في " جامع البيان " (20/500)
ودليل هذا القول هو النقل عن قتادة فقط ، وإلا فليس في سياق القصة في القرآن الكريم تصريح ولا تلميح بذلك .
ثم أجابوا عن أدلة القول الأول بما يأتي :
أولا : اعتراض أصحاب القرية بكون الرسل بشرا هو من التعنت الذي اعتاده المكذبون ، والمتعنت لا فرق عنده بين رسل الله المباشرين ورسل عيسى عليه السلام ، فهو يبحث عن الجدال العقيم ، ويتذرع بأي شبهة ليكذب بها الرسل ، فيستعمل هذا الجواب الداحض لكل من ذكَّره بالله ، وأَمَرَه بالإيمان به وحده لا شريك له .
ثانيا : أما الإسناد إلى ضمير الجمع ( إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ ) قالوا هو على سبيل المجاز ، فإن رسل عيسى هم رسل الله عز وجل أيضا ، ولكن بالواسطة ، فجاز في اللغة نسبتهم إلى المرسِل الأول .
وقد أطال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مناقشة هذا الموضوع في كتابه العظيم " الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح "، وذلك في معرض الجواب عن دعوى من يقول إن الحواريين أصحاب عيسى عليه السلام كانوا من الرسل أو من الأنبياء ، وبعضهم يستدل بهذه الآيات في سورة يس ، فبين بوجوه كثيرة أن الرسل الثلاثة الوارد ذكرهم في سورة يس هم رسل الله أرسلوا إلى تلك القرية قبل بعث المسيح عليه السلام .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" بعضهم يقول : إن المسيح أرسلهم في حياته .
لكن المعروف عند النصارى أن أهل أنطاكية آمنوا بالحواريين واتبعوهم ، لم يهلك الله أهل أنطاكية ، والقرآن يدل على أن الله أهلك قوم هذا الرجل الذي آمن بالرسل .
وأيضا فالنصارى يقولون : إنما جاءوا إلى أهل أنطاكية بعد رفع المسيح ، وأن الذين جاءوا كانوا اثنين لم يكن لهما ثالث ، قيل : أحدهما شمعون الصفا ، والآخر بولص ، ويقولون إن أهل أنطاكية آمنوا بهم ، ولا يذكرون حبيب النجار ، ولا مجيء رجل من أقصى المدينة ، فالأمر المنقول عند النصارى أن هؤلاء المذكورين في القرآن ليسوا من الحواريين ، وهذا أصح القولين عند علماء المسلمين وأئمة المفسرين ، وذكروا أن المذكورين في القرآن في سورة يس ليسوا من الحواريين بل كانوا قبل المسيح ، وسموهم بأسماء غير الحواريين ; كما ذكر محمد بن إسحاق .
وهذا القول هو الصواب ، وأن هؤلاء المرسلين كانوا رسلا لله قبل المسيح ، وأنهم كانوا قد أرسلوا إلى أنطاكية ، وآمن بهم حبيب النجار ، فهم كانوا قبل المسيح ، ولم تؤمن أهل المدينة بالرسل ؛ بل أهلكهم الله تعالى كما أخبر في القرآن ، ثم بعد هذا عمرت أنطاكية وكان أهلها مشركين حتى جاءهم من جاءهم من الحواريين ، فآمنوا بالمسيح على أيديهم ، ودخلوا دين المسيح .
ويقال إن أنطاكية أول المدائن الكبار الذين آمنوا بالمسيح - عليه السلام - وذلك بعد رفعه إلى السماء ، ولكن ظن من ظن من المفسرين أن المذكورين في القرآن هم رسل المسيح وهم من
الحواريين ، وهذا غلط لوجوه :
منها : أن الله قد ذكر في كتابه أنه أهلك الذين جاءتهم الرسل ، وأهل أنطاكية لما جاءهم من دعاهم إلى دين المسيح آمنوا ولم يهلكوا .
ومنها : أن الرسل في القرآن ثلاثة ، وجاءهم رجل من أقصى المدينة يسعى ، والذين جاءوا من أتباع المسيح كانوا اثنين ، ولم يأتهم رجل يسعى ، لا حبيب ، ولا غيره .
ومنها : أن هؤلاء جاءوا بعد المسيح ، فلم يكن الله أرسلهم .
ومعلوم عند الناس أن أهل أنطاكية لم يصبهم ذلك بعد مبعث المسيح ، بل آمنوا قبل أن يبدل دينه ، وكانوا مسلمين مؤمنين به على دينه إلى أن تبدل دينه بعد ذلك .
ومما يبين ذلك أن المعروف عند أهل العلم أنه بعد نزول التوراة لم يهلك الله مكذبي الأمم بعذاب من السماء يعمهم ; كما أهلك قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وفرعون وغيرهم ، بل أمر المؤمنين بجهاد الكفار ; كما أمر بني إسرائيل على لسان موسى بقتال الجبابرة ، وهذه القرية أهلك الله أهلها بعذاب من السماء ، فدل ذلك على أن هؤلاء الرسل المذكورين في يس كانوا قبل موسى عليه السلام .
وأيضا فإن الله لم يذكر في القرآن رسولا أرسله غيرُه ، وإنما ذكر الرسل الذين أرسلهم هو .
وأيضا فإنه قال : ( إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث ) يس/14، فأخبر أنه أرسلهم ; كما أخبر أنه أرسل نوحا وموسى وغيرهما .
وفي الآية : ( قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء ) يس/15، ومثل هذا هو خطاب المشركين لمن قال : إن الله أرسله وأنزل عليه الوحي لا لمن جاء رسولا من عند رسول .
وقد قال بعد هذا : ( يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون ) يس/30.
وهذا إنما هو في الرسل الذين جاءوهم من عند الله ، لا من عند رسله .
وأيضا فإن الله ضرب هذا مثلا لمن أرسل إليه محمدا صلى الله عليه وسلم يحذرهم أن ينتقم الله منهم ; كما انتقم من هؤلاء ، ومحمد إنما يضرب له المثل برسول نظيره ، لا بمن أصحابه أفضل منهم ، فإن أبا بكر وعمر وعثمان وعليا أفضل من الحواريين باتفاق علماء المسلمين ، ولم يبعث الله بعد المسيح رسولا ، بل جعل ذلك الزمان زمان فترة .
وأيضا فإنه قال تعالى : ( إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا ) يس/14 ، ولو كانوا رسل رسول ، لكان التكذيب لمن أرسلهم ، ولم يكن في قولهم : ( إن أنتم إلا بشر مثلنا شبهة ) فإن أحدا لا ينكر أن يكون رسل رسل الله بشرا ، وإنما أنكروا أن يكون رسول الله بشرا .
وأيضا : فلو كان التكذيب لهما وهما رسل الرسول ، لأمكنهما أن يقولا : فأرسلوا إلى من أرسلنا أو إلى أصحابه ، فإنهم يعلمون صدقنا في البلاغ عنه ، بخلاف ما إذا كانا رسل الله .
وأيضا فقوله : ( إذ أرسلنا إليهم اثنين ) يس/14، صريح في أن الله هو المرسل ، ومن أرسلهم غيره إنما أرسلهم ذلك لم يرسلهم الله ; كما لا يقال لمن أرسله محمد بن عبد الله إنهم رسل الله ، فلا يقال لدحية بن خليفة الكلبي أن الله أرسله ، ولا يقال ذلك للمغيرة بن شعبة وعبد الله بن حذافة وأمثالهما ممن أرسلهم الرسول .
ومعلوم أنه لا يقال في هؤلاء : إن الله أرسلهم ، ولا يسمون عند المسلمين رسل الله ، ولا يجوز باتفاق المسلمين أن يقال هؤلاء داخلون في قوله : ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات ) الحديد/25.
فإذا كانت رسل محمد صلى الله عليه وسلم لم يتناولهم اسم " رسل الله " في الكتاب الذي جاء به ، فكيف يجوز أن يقال : إن هذا الاسم يتناول رسل رسول غيره " انتهى باختصار من " الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح " (2/245-255)، وقد اختصر ابن كثير كلام شيخه ابن تيمية ، وأعاد صياغة الردود ، وذلك في " تفسير القرآن العظيم " (6/573-574) .
وبهذا يتبين صحة القول الأول الذي هو " ظاهر القرآن " كما قال ابن الجوزي رحمه الله في " زاد المسير " (3/521)، وإن رجح في " المنتظم " (2/31) القول الثاني .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
.
الدعاء بالستر والعفة والحياء


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.