ائتلاف حقوقي: تجميد "ترانسبارانسي" عضويتها من هيئة الرشوة إعلان مدوي عن انعدام الإرادة السياسية في مواجهة الفساد    الصين: شنغهاي تستقبل أكثر من 9 ملايين زائر في الأيام الأربعة الأولى من عطلة عيد الربيع    الصين تندد بالرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة على منتجاتها    الجمعية المغربية لدعم إعمار فلسطين تجهز مستشفى الرنتيسي ومستشفى العيون باسطوانات الأكسجين    استئناف المفاوضات بين حماس وإسرائيل الاثنين بعد رابع عملية تبادل للرهائن والمسجونين    المنتخب الوطني لأقل من 14 سنة يجري تجمعا إعداديا بسلا    تبادل الضرب والجرح بالشارع العام يوقف ستة أشخاص بالدار البيضاء    هذه توقعات الأرصاد الجوية اليوم الأحد بالمغرب    طنجة تتأهب لأمطار رعدية غزيرة ضمن نشرة إنذارية برتقالية    تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة الأحد والاثنين بعدد من أقاليم المغرب    نشرة انذارية…تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة الأحد والاثنين بعدد من أقاليم المملكة    توقيف 3 صينيين متورطين في المس بالمعطيات الرقمية وقرصنة المكالمات الهاتفية    ترامب يعلن عن قصف أمريكي ل"داعش" في الصومال    ريال مدريد يتعثر أمام إسبانيول ويخسر صدارة الدوري الإسباني مؤقتًا    ريدوان يخرج عن صمته بخصوص أغنية "مغربي مغربي" ويكشف عن مشروع جديد للمنتخب    "بوحمرون".. الصحة العالمية تحذر من الخطورة المتزايدة للمرض    الولايات المتحدة.. السلطات تعلن السيطرة كليا على حرائق لوس أنجليس    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج فاقت 117 مليار درهم خلال 2024    مقترح قانون يفرض منع استيراد الطماطم المغربية بفرنسا    شركة "غوغل" تطلق أسرع نماذجها للذكاء الاصطناعي    حجز أزيد من 700 كيلوغرام من اللحوم الفاسدة بطنجة    توقعات احوال الطقس ليوم الاحد.. أمطار وثلوج    اعتبارا من الإثنين.. الآباء ملزمون بالتوجه لتقليح أبنائهم    الشراكة المغربية الأوروبية : تعزيز التعاون لمواجهة التحديات المشتركة    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    هذا هو برنامج دور المجموعات لكأس إفريقيا 2025 بالمغرب    CDT تقر إضرابا وطنيا عاما احتجاجا على قانون الإضراب ودمج CNOPS في CNSS    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. أرقام صادمة وهذه هي المناطق الأكثر تضرراً    الانتقال إلى دوري قطر يفرح زياش    زكرياء الزمراني:تتويج المنتخب المغربي لكرة المضرب ببطولة إفريقيا للناشئين بالقاهرة ثمرة مجهودات جبارة    بنعبد الله يدين قرارات الإدارة السورية الجديدة ويرفض عقاب ترامب لكوبا    BDS: مقاطعة السلع الإسرائيلية ناجحة    مسلم يصدر جديده الفني "براني"    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    "تأخر الترقية" يخرج أساتذة "الزنزانة 10" للاحتجاج أمام مقر وزارة التربية    رحيل "أيوب الريمي الجميل" .. الصحافي والإنسان في زمن الإسفاف    ثمن المحروقات في محطات الوقود بالحسيمة بعد زيادة جديد في الاسعار    لمن تعود مسؤولية تفشي بوحمرون!    المغرب التطواني يتمكن من رفع المنع ويؤهل ستة لاعبين تعاقد معهم في الانتقالات الشتوية    العصبة الوطنية تفرج عن البرمجة الخاصة بالجولتين المقبلتين من البطولة الاحترافية    لقجع: منذ لحظة إجراء القرعة بدأنا بالفعل في خوض غمار "الكان" ولدينا فرصة لتقييم جاهزيتنا التنظيمية    الولايات المتحدة الأمريكية.. تحطم طائرة صغيرة على متنها 6 ركاب    المغرب يتجه إلى مراجعة سقف فائض الطاقة الكهربائية في ضوء تحلية مياه البحر    بنك المغرب : الدرهم يستقر أمام الأورو و الدولار    القاطي يعيد إحياء تاريخ الأندلس والمقاومة الريفية في عملين سينمائيين    انتحار موظف يعمل بالسجن المحلي العرجات 2 باستعمال سلاحه الوظيفي    الإعلان عن تقدم هام في التقنيات العلاجية لسرطانات البروستات والمثانة والكلي    غزة... "القسام" تسلم أسيرين إسرائيليين للصليب الأحمر بالدفعة الرابعة للصفقة    محاضرة بأكاديمية المملكة تُبعد نقص الذكاء عن "أطفال صعوبات التعلم"    هواوي المغرب تُتوَّج مجددًا بلقب "أفضل المشغلين" لعام 2025    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    الممثلة امال التمار تتعرض لحادث سير وتنقل إلى المستشفى بمراكش    الفنانة دنيا بطمة تغادر السجن    نتفليكس تطرح الموسم الثالث من مسلسل "لعبة الحبار" في 27 يونيو    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقاصد الشريعة الإسلامية
نشر في ميثاق الرابطة يوم 27 - 09 - 2012

اهتمام علماء المسلمين بالمقاصد الشرعية أصيل وقديم[1]، وبالأخص في كتب أصول الفقه[2]، وفي الدراسات الشرعية التي بحثت عن علل الأحكام الشرعية والقياس عليها وحكمتها، ذلك "أن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معاً"[3]، بل إن أحكام الشريعة لا تفهم إلا ضمن حدود المصلحة[4]، ولكن طائفة من الفقهاء ذهبت إلى أن الأحكام الشرعية لا تعلل، وقد رجحت كفة هذه الطائفة التي لا تعلق أهمية لمعرفة علل الأحكام الشرعية ومقاصدها لعدة قرون حتى كادت أن تنسى، ولكن الاهتمام بالمقاصد الشرعية عاد وازداد في العصر الحديث بدرجة ملحوظة، وذلك بسبب الحاجة إلى التجديد وفتح باب الاجتهاد، ومن الأسباب أيضاً إيجاد مرجح شرعي وعقلي بين الأدلة الفقهية شبه المتعادلة في المسألة الواحدة، واستنباط أحكام شرعية لمسائل لم يرد الدليل الصريح على حكمها، ولم تثبت لها علة شرعية تقاس عليها، فينظر عندها إلى مقاصد الشريعة العامة، أي إلى مراد الشارع من إرسال الرسل وإنزال الكتب إلى الناس كافة، وهو تحقيق الإيمان الحق أولاً، والعمل الصالح ثانياً.
قال الشيخ ابن عاشور في بيان أسباب تأليفه لكتابه مقاصد الشريعة الإسلامية: "دعاني إلى صرف الهمة إليه ما رأيت من عسر الاحتجاج بين المختلفين في مسائل الشريعة إذا كانوا لا ينتهون في حجاجهم إلى أدلة ضرورية أو قريبة منها يذعن إليها المكابر ويهتدي بها المشبه عليه كما ينتهي أهل العلوم العقلية في حجاجهم المنطقي.. ورأيت علماء الشريعة بذلك أولى"[5].
أما معنى مقاصد الشريعة فهو من حيث كونُه مركباً إضافياً؛ إذ إنه مكونٌ من كلمتين، الأولى: كلمة "مقاصد" وهي جمع مَقصد، والمقصد مصدرٌ ميمي، مشتق من قصد، وقصد الرجل الأمر يقصده قصداً إذا أمه[6]، فمن معاني قصد: الاعتماد والأمّ: "بفتح الهمزة مع تشديد الميم"[7]، تقول: قصد الحجاج البيت الحرام، إذا أموا تلك الجهة واعتمدوها. يقول ابن فارس في: "قصد: القاف والصاد والدال أصول ثلاثة، يدل أحدهما على إتيان شيء وأمّه، والآخر على اكتناز في شيء، فالأصل: قصدته قصداً ومقصداً، ومن الباب: أقصده السهم، إذا أصابه فقتل مكانه، وكأنه قيل ذلك يعني معنى الأم والاعتماد، لأنه لم يُحَد عنه"[8].
وهذا المعنى للقصد جعلَه ابن جني المعنى الأصلي لمادة قصد[9]، وقال الراغب: "القَصْدُ اسْتِقَامَةُ الطريق، يقالُ قَصَدْتُ قَصْدهُ أي نحَوْتُ نحْوَهُ"[10].
والثانية: كلمة "الشريعة"؛ حيث إنها في اللغة: مورد الشاربة الماء، كذا قال أئمة اللسان. وقيل: "الشّرْعُ نَهْجُ الطّريقِ الواضِحُ، يقالُ شرَعْتُ له طَرِيقاً، والشّرْعُ مَصْدَرٌ ثم جُعِلَ اسْماً للطريقِ النّهْجِ، فقيل له شِرْعٌ وشَرْعٌ وَشَرِيعَةٌ، واسْتُعِيرَ ذلك للطريقة الإلهيّة، قال: "شرعةً ومنهاجاً" [المائدة، 50]، فذلك إشارَةٌ إلى أمرينِ: أحَدُهُمَا: ما سَخّرَ اللَّهُ تعالى عليه كلَّ إنسانٍ مِن طَرِيقٍ يَتَحَرّاهُ مِمَّا يَعُودُ إِلى مصالِح العبادِ وعمَارَةِ البلادِ، وَذلك المُشارُ إليه بقوله: "ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخريا" [الزخرف، 31]؛
الثاني: ما قَيَّضَ لهُ مِنَ الدِّينِ وَأمرَهُ به لِيَتحَرّاهُ اخْتِياراً مِمَّا تَخْتَلِفُ فيه الشَّرائِعُ وَيَعْتَرِضُهُ النّسْخُ وَدَلَّ عليه قولُه: "ثم جعلناك على شريعةٍ من الاَمر فاتبعها" [الجاثية، 17].. قال بعضُهم: سُمِّيَتِ الشريِعَةُ شريعَةً تشبيهاً بشرِيعَةِ الماءِ منْ حَيْثُ إِنَّ مَنْ شَرَعَ فيهَا عَلَى الحقيقةِ المَصدُوقَةِ رَوِيَ وَتَطَهّرَ[11]. وللشريعة معنى في الإصلاح، وهي: "النظم التي شرعها الله أو شرع أصولها ليأخذ الإنسان بها نفسه في علاقته بربه، وعلاقته بأخيه المسلم، وعلاقته بأخيه الإنسان، وعلاقته بالكون، وعلاقته بالحياة"[12].
وليعلم أن للشريعة إطلاقين، أولُهما: إطلاقٌ عام، يتعلق بجميع الأحكام، سواءٌ أكانت متعلقة بفروع الدين أم بأصوله؛
والثاني: إطلاق خاص، يتعلق بالأحكام الفرعية العملية في الشرع، وهذا هو المشهور عند المتأخرين. وأما الثانية: من حيث كونه لقباً على علم معين، وقد اختلفت عبارات أهل العلم في ذلك، وأفضلها: "علمُ مقاصدِ الشريعة يُعنى بالغايات التي رعاها الشارعُ في التشريع"[13].
والتعريف الذي اعتمده ابن عاشور هو أن "مقاصد التشريع العامة هي: المعاني والحكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها، بحيث لا تختص ملاحظاتها بالكون في نوع خاص من أحكام الشريعة، فيدخل في هذا أوصاف، وغاياتها العامة والمعاني التي لا يخلو التشريع من ملاحظتها، ويدخل في هذا أيضاً معان من الحكم ليست ملحوظة في سائر أنواع الأحكام، ولكنها ملحوظة في أنواع كثيرة منها"[14].
وفي أنواعها قال الشاطبي: "تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق وهذه المقاصد لا تعدو ثلاثة أقسام أحدها أن تكون ضرورية والثاني أن تكون حاجية، والثالث أن تكون تحسينية"[15]. وقال: "إذا نحن استقرينا موارد الشريعة الإسلامية الدالة على مقاصدها من التشريع استبان من كليات دلائلها ومن جزئياتها المستقرة أن المقصد العام من التشريع فيها هو حفظ نظام الأمة، واستدامة صلاحه بصلاح المهيمن عليه وهو نوع الإنسان، ويشمل صلاحه صلاح عقله وصلاح عمله، وصلاح ما بين يديه من موجودات الأعلم الذي يعيش فيه"[16].
وفي العبارة الأخيرة للإمام الشاطبي تظهر عقليته الاجتهادية والإنسانية الراقية، فهو يربط بين الشريعة والإنسان، فيجعل للشريعة مقصد، ويجعل للإنسان مقصد، وليس مقصداً واحداً لأحدهما فقط، ويجعل من مقصد الشريعة حفظ نظام الأمة أولاً، الذي يحفظ الأمة كلها بالمعنى الفردي والاجتماعي، ويجعل من مقصد الشريعة استدامة صلاحه ثانياً، أي صلاح نظام الأمة، ويجعل دليل صلاحهما أي حفظ نظام الأمة واستدامة صلاحه، صلاح الإنسان بالصفة الفردية، في صلاح عقله، وصلاح عمله، فصلاح الإنسان في عقله وعمله معاً، ومنوط بالشرع أن يحفظ عقل الإنسان وعمله، ومقصد الشريعة من نظام الأمة أن تكون قوية مرهوبة الجانب مطمئنة البال.[17]
يتبع في العدد المقبل بحول الله تعالى..
-----------------------------------------
1. قال الإمام الشاطبي: "إن المعتزلة من القائلين بمقاصد الشرعية"، وأصل فكر المعتزلة من أسبق المدارس والمذاهب الفكرية الإسلامية الأخرى، مما يؤكد أن مبدأ المقاصد الشرعية أصيل وقديم في الفكر الإسلامي، انظر: الموافقات، لأبي إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الشاطبي، دار المعرفة، بيروت، تحقيق: الشيخ عبد الله دراز، والأستاذ محمد عبد الله دراز، د. ت.، ص: 2/6. وانظر: المغني في أبواب التوحيد والعقل، القاضي أبي الحسن عبد الجبار الأسد آبادي، كتاب الشرعيات، إشراف طه حسين، ص: 39.
2. المستصفى، أبو حامد الغزالي، 1/258.
3. الموافقات، لأبي إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الشاطبي، دار المعرفة، بيروت، تحقيق: الشيخ عبد الله دراز، والأستاذ محمد عبد الله دراز، د. ت. ص: 2/6.
4. انظر كتاب: ندوات علمية في الرياض وباريس والفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي في جنيف والمجلس الأوروبي في ستراسبورغ حول الشريعة الإسلامية وحقوق الإنسان في الإسلام، مصدر سابق، ص: 16.
5. مقاصد الشريعة الإسلامية، محمد الطاهر بن عاشور، الشركة التونسية للتوزيع، تونس 1978، ص: 5.
6. انظر: جمهرة اللغة، أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد، تحقيق: إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 2005م 1426ه، ص: 1/779.
7. لسان العرب، ابن منظور، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثالثة، 1414ه 1994م، 3/353.
8. معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، تحقيق: شهاب الدين أبو عمرو، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، الطبعة الثانية، 1418ه 1998م، ص: 891.
9. لسان العرب، ابن منظور، 3/355.
10. مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني، تحقيق: صفوان عدنان داوودي، دمشق، دار القلم، الطبعة الثالثة، 1423ه 2002م، ص: 672.
11. مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني، ص: 450.
12. الإسلام عقيدة وشريعة، للإمام محمود شلتوت، دار القلم، الطبعة الثانية، د. ت.، ص: 22.
13. انظر: مقاصد الشريعة الإسلامية، ابن عاشور، ص: 63.
14. مقاصد الشريعة الإسلامية، ابن عاشور، ص: 63. وانظر كتاب: الشاطبي ومقاصد الشريعة، الدكتور حمادي العبيدي، دار قتيبة، دمشق، الطبعة الأولى، 1412ه 1992م، ص: 119.
15. الموافقات، الشاطبي، ص: 2/6. وانظر: الشاطبي ومقاصد الشريعة، العبيدي، ص: 120. وكتاب: نحو تفعيل مقاصد الشريعة، الدكتور جمال الدين عطية، عمان، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الطبعة الأولى، رجب 1422ه أيلول 2001م، ص: 28.
16. مقاصد الشريعة الإسلامية، ابن عاشور، ص: 63.
17. انظر: مقاصد الشريعة الإسلامية، ابن عاشور، ص: 139.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.