تعددت في الفكر الإسلامي مرادفات "فقه الواقع" واتسعت دائرتها الاصطلاحية والمفاهيمية والتمثلية، فأصبحنا نقرأ ونسمع ب "فقه المجتمع" و "فقه الأولويات" و "فقه المرحلة" و "فقه المجال" و "فقه الحال"، وما إلى ذلك من التعابير التي أسالت المداد الكثير. وأيا كان الأمر هذا التنوع الاصطلاحي وإشكالاته المعرفية فإنه يعبر أحسن تعبير عن الحاجة الملحة إلى هذا النوع من الفكر والاجتهاد ليجد مكانه في الفكر الإسلامي المعاصر كما كان عليه الحال في سلف الأمة، وما أنتجته المذاهب الفقهية ليس منا ببعيد، فقد كانت واقعية بامتياز.. إن علماء الأمة كانوا ينزلون إلى مجتمعاتهم ويبصرون بإمعان واقع الناس ويتعرفون على حقيقة حياتهم المعيشية وشتى مشاكلهم وهمومهم. وكانت تعقب هذه الحركة الواقعية استجابة اجتهادية واسعة أنتجت تلكم المكتبة الفقهية الضخمة التي تميز بها الفقه الإسلامي في تاريخ البشرية برمتها. أما في الفكر الإسلامي المعاصر فقد كاد حس النظر الفقهي الواقعي يكون باهتا، فلا تكاد تسمع له فيما يعيشه الناس حسا أو ركزا.. مع العلم أننا نستظل بسقف اجتماعي يقطر بمشاكل جمة لا يمكن إغفالها أو إهمالها أو تأجيل النظر فيها، وهذا ينسحب على عدد من النوازل التي تُلم بمجتمعاتنا. والذي يؤسف له هو هذه النوازل جميعا يكاد يكون صوت الفقهاء والعلماء خافتا؛ إن الأمر هنا لا يتعلق بطلب فتوى في مثل هذه النوازل، بقدر ما تجدر الإشارة إلى أهمية حضور النظر الفقهي والفكر الاجتهادي ومتابعته لقضايا الشأن العام، وذلك لما يتمتع به من فعالية علمية وتوجيهية وتنويرية تضفي مزيدا من المصداقية على واقعية وصلاح الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان. إن أي اجتهاد فقهي لا يتفاعل مع مجريات الحياة الواقعية، ولا ينفذ إلى أعماق الظروف اليومية المعيشة، ولا يتابع الوقائع والمستجدات الاجتماعية، ولا يشعر بآلام الناس وأحزانهم، ولا يسمع لشكواهم وآهاتهم لن ينتج فقها البتة، ولن يسهم في تدشين الانطلاقة الحضارية المنشودة..! ويرحم الله من قال: علمي معي حيثما يممت يتبعني قلبي وعاء له لا بطن صندوقِ إن كنت في البيت كان العلم فيه معي أو كنت في السوق كان العلم في السوقِ