كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن القيم والأخلاق في علاقتهما بالعولمة، ويبدو من مختلف التحليلات أن المدعاة إلى تناول هذه المواضيع بالبحث والتحليل والتفكيك هو الرجات المتوالية التي يعرفها عالمنا، وخاصة المجتمعات التاريخية منه، رجات ناجمة في جزء كبير منها عن العلاقات غير المتكافئة بين قيم جديدة وافدة، وقيم هذه المجتمعات الأصلية المتجذرة. واليوم تطالعنا العولمة باعتبارها ثقافة جديدة، لم تقف عند الحدود التي رسمتها لنفسها عند منطلقاتها في البداية، باعتبارها كمًّا من القيم والخدمات المشتركة في إطار تفاعلي. وهكذا بدأت العولمة تتخذ مسعى استراتيجيا جديدا يعطي انطباعا لدى بعض المتتبعين بكونه يروم اختزال مختلف الثقافات في ثقافة واحدة، عن طريق خلخلة المنظومات القيمية للمجتمعات، والاستعاضة عنها بمنظومة قيم العولمة. ومن خلال جملة من المعاينات اليومية، أصبحنا أقدر على رصد مختلف آثار العولمة على ساكنتنا المغربية وخاصة الشباب واليافعين، وقد ظهر من خلال هذا الرصد أن جانبا من المد العولمي أَمْيَلُ إلى بناء استراتيجيته في ترسيخ أهدافه على قاعدة التنميط: حيث يسعى إلى تنميط قيمه ليجعلها قيما واحدة مشتركة لدى جميع فئات المجتمع. ثم يمتد هذا التنميط ليمس كل السلوكيات اليومية للفرد، المتمثلة في العلاقات الإنسانية، والارتباطات بين أفراد الأسرة والعائلة، وأنظمة القرابة، وأنماط التعايش والتساكن والاستهلاك، والعلاقة بين الجنسين، وطرائق وأنماط العيش (المأكل والملبس والمشرب)، وكذا البعد الأنطولوجي للإنسان.. وتبعا لنتائج الدراسات المتخصصة في السلوكيات البشرية؛ فإن الإنسان يكيف سلوكه انطلاقا من الممارسة المستمرة، ومن خلال تعرضه لمواقف حياتية مختلفة، سواء عن طريق القول أو الفعل أو المشاهدة، فقد يقبل الفرد ويقتنع برأي أو فكرة ما، كان في السابق رافضا لها لأنها منافية لقيمه، لكن عملية التكرار قولا أو مشاهدة، تقلل لديه نسبة الرفض، إلى أن يصل إلى مرحلة تداعي آليات مقاومته فيكون التسليم والقبول. وبهذه العملية السيكولوجية يُضْحِي مستضمرا لقيم كان موقفه منها سلبيا من قبل. والملاحظ يرى أن جملة من التغيرات قد طرأت على أنماط الحياة والسلوك، من جراء عملية التكرار المذكورة آنفا. مما يقتضي مجموعة نسقية من الدراسات التحليلية متعددة التخصصات، التي تعتمد أساسا الآليات التحليلية السوسيو أنتروبولوجية، والسيكولوجية المعرفية. وإن تحليلا من هذا النوع لجدير بأن يدخل في عمق ومتن العولمة بكل تجلياتها، وخاصة ما يرتبط فيها بالبعد القيمي/ الأخلاقي، وذلك بفضل ما يوفره هذا التحليل من إمكانيات الملاحظة والتفكيك العلميين لظاهرة العولمة، واكتناه أعماقها بدلا من الوقوف عند الوصف. والله الهادي إلى سواء السبيل الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء