أوجب الله عز وجل في كتابه في آيات كثيرة منه، على القادرين، إعانة غير القادرين، وذلك في كافة المجالات، وهو الصنف من الفروض الذي اصطلح علماء الأصول على تسميته ب: "فروض الكفايات"، وعرّفوها بأنها: "موجهة إلى الجميع، لكن إذا قام بها بعضهم سقطت عن الباقين" [الشاطبي، الموافقات 1/176]. وفي تسمية الأصوليين لها بالفروض الكفائية إيحاء بأن القيام بها من لدن القادرين ينبغي أن يكون كافيا للأمة، وإلا فإنها لا تسقط، ويبقى الإثم عالقا بعموم الأمة. إلا أن غير القادرين، لا يبقون بخصوص الفروض الكفائية بدون مسؤولية، فالشرع يرتّب عليهم مسؤولية السعي، لإقامة القادرين. قال تعالى: "خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه إنه كان لا يومن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين" [سورة الحاقة، الآيات: 30-34]، قال ابن الجوزي، في تفسير قوله تعالى: "ولا يحض على طعام المسكين": لا يطعمه، ولا يأمر بطعامه. فالعقاب، لم يكن فقط لأولئك الذين يمنعون الماعون وهم قادرون عليه "ويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون، الذين هم يراءون ويمنعون الماعون" [سورة الماعون، الآيات: 4-7]، ولكن عمّ أيضا أولئك الذين لم يُنهضوا القادرين، ويحثّوهم على بذله.. والأحاديث النبوية التي تحث المسلمين على تبني هموم الناس، ومشاكلهم وترغب في ذلك، أكثر من أن تحصى في هذا المقام، والمتعامل معها يلاحظ أن في الإسلام نظاما كاملا لإقامة العلاقات الاجتماعية بين الناس، على وجه يُبعد كل الأدواء، التي تنخر كيان المجتمعات. ومن هذه الأحاديث الشريفة ذاكم المروي عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يُسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة، فرّج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما، ستره الله يوم القيامة" [صحيح البخاري، ح2442]، ومنها الحديث الذي رواه الصحابي أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من نفّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا، نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر في الدنيا، يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد، ما كان العبد في كون أخيه" [سنن أبي داود، ح4946]. إن هذه الأحاديث وغيرها كثير، أحاديث مباشرة، حثّ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته على تبني أعضائها هموم بعضهم الباقي، وتشكل الأحاديث غير المباشرة بهذا الخصوص وهي كثيرة بفضل الله نسيجا متكاملا يؤسس بغاية الفاعلية بمعية آيات الكتاب المبين، لهذا الخلق المحوري "خلق تبني هموم الناس" في واقع الناس. والله الهادي إلى سواء السبيل الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء