يبرز الإنسان في منظومة الإسلام الاعتقادية والتصورية، باعتباره الجسر الكوني المؤهَّل، الذي تعبر منه القيم، والأخلاق، والتشريعات الحاملة لمراد الله التكليفي من الإنسان تجاه نفسه ومحيطه الكوني، إلى البعدين الزماني والمكاني، لتصبح جزءا من التاريخ والحياة، ويبرز التكليف الملقى على عاتق هذا المخلوق (الأمانة) "إنا عرضنا الأمانة على السموات والاَرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا" [سورة الأحزاب، الآية: 7 ]. باعتباره تكليفا لا يعرف حصرا ولا حدودا، إذ الكون كله في هذه المنظومة مسرح لفعل الإنسان وعتاد له. فالنوع الإنساني كله موضوع فعله الأخلاقي، كما الكون كله، وقد تجلى هذا الوعي بعمق في قول عمر رضي الله عنه: "لو أن بغلة عثرت في طفّ العراق لخشيت أن يسألني الله لِمَ لَمْ تعبّد لها الطريق يا عمر". أما زمانيا، فإن هذا التكليف لا ينتهي إلا يوم القيامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها" [الأدب المفرد، ح: 486]. ومن مقومات الواجب الإحساس بالمسؤولية، والقيام بالمحاسبة النفسية (النفس اللوامة)، إذ برز أن على الإنسان مسؤولية العمل في ذاته، وفي محيطه وفق قيم الوحي الحاكمة، وشرائعه الموجِّهة، وقد زوِّد بالقدرات التي تمكنه من الاضطلاع بذلك، وكان الكون قابلا لفعله مسخرا له، وكان الوحي مُيَسَّرًا له مستجيبا لتساؤلاته "ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين" [سورة النحل، الآية: 89]. فإن ذلك يستتبع المحاسبة التي يُجزى بمقتضاها المحسنون عن إحسانهم، والمسيئون عن إساءتهم. وهذا البناء هو الذي يحرر الشعور النبيل المتسامي بالواجب وهو شعور انزرع في نفوس المسلمين فأثمر المسلكيات والممارسات التي رفعت في جمالية صرح الحضارات والثقافات الإسلامية الشامخة. والله الهادي إلى سواء السبيل الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء