الصلاح ضد الفساد، وكما أن الفساد جنس تندرج تحته أنواع، فكذا الصلاح وهو جنس يغطي في عمومه الكون كله الذي خلق صالحاً ابتداء، فالإنسان وحده هو القادر على إفساد نظام الكون الصالح، وإفساد نفسه، وقد كان وعي الملائكة بوجود هذه القدرة وراء قولهم إثر علمهم باستخلاف الإنسان "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء" [ سورة البقرة، الآية 29]، إذ لا خلافة بدون إرادة وقدرة، غير أن الإرادة والقدرة بدون رشد مآلهما الإفساد حتماً. ولذلك عزز صلاح الكون الذي خلق عليه ابتداء بقوانين الوحي التي تُرشِّد الإنسان وتمنعه من الفساد، وحين يُطلَق الإصلاح أو عمل الصالحات في القرآن فإن ذلك يشمل الوجود الإنساني كله، وبتتبعهما في القرآن يتبين لنا أن ذلك لا يخرج عن إصلاح لما فسد في الكون بفعل الإنسان "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت اَيدي الناس" [سورة الروم، الأية: 41] ، أو إصلاح لما فسد في المجال الإنساني بفعل فسادِ أو اندراسِ القوانين المعززة للصلاح الأصل، ويبقى مقام الورود هو المحدد للمعنى الذي يأخذه الصلاح أو الإصلاح انطلاقاً من الوجهة التي يوجه إليها، ونحن نعلم أن الإنسان دوماً يعيش تحدي قرن الحركة/ العمل بالوجهة المقربة من القبلة، لكي يتمكن من السجود، والذي يدخله بدوره في حركة اقتراب دائمة حتى يأتيه اليقين "واسجد واقترب" [سورة العلق، الأية 20]. فالإنسان الصالح المصلح إذن هو القادر على معرفة الوجهة التي عليه إضافتها إلى عمله المخصوص في زمن مخصوص بمقدار مخصوص، بنِية صالحة لا تبتغي غير وجه الله/ وعي القبلة "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين" [سورة الأنعام، الأية:165] "إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والاَرض حنيفاً وما أنا من المشركين" [سورة الأنعام، الآية:80] وذلك مرتبط بقدرة الإنسان على توجيه طاقة التساؤل وجهة بارّة/ واصلة بين العمل، كل عمل، والقبلة، بالصلاح المقتضى... إذا تبين هذا، فالإنسان الصالح إذن هو القادر بعلمه أو بسؤال أهل الذكر إن كان لا يعلم "واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" [سورة الأنبياء، الآية:7] على أن يحدد نوع الصلاح عليه أن يضيفه لحركته انطلاقاً من وعيه الدائم بقبلته وبوظيفته وبمصدر رشده... ولا صلاح بدون رشد.. والله الهادي إلى سواء السبيل الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء