أوجب الإسلام حقوقا كثيرة للأبناء على الآباء، ومن أبرز هذه الحقوق حق تربيتهم وتهذيبهم، ورعايتهم وأوجب الإنفاق عليهم إلى حين بلوغهم سن الرشد وقدرتهم على الكسب، قال عز وجل في كتابه الكريم: "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها" [سورة البقرة، الآية:23]. فالمشرع الكريم أوجب على الأب الإنفاق على أبنائه، دون أن يلزمه أو يحمله أكثر من طاقته وسعته، بل وجهه للإنفاق حسب استطاعته وقدرته، وهو معنى قوله تعالى: "لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا"، [سورة الطلاق، الآية:7]. وقد حذر الحق سبحانه وتعالى من قتل الأبناء خشية الفقر والعيلة، فالله يرزق الأبناء والآباء، قال تعالى في كتابه العظيم: "ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئاً كبيراً" [سورة الإسراء، الآية 31]. ودعا الرسول الكريم إلى الإنفاق على الأهل والأبناء، وجعل ذلك من أفضل الأعمال التي تقرب إلى الله تعالى، لما في ذلك من حفاظ على بناء الأسرة وتماسك أسسها، فقد روى الإمام أحمد في مسنده، عن عقبة بن عامر الجهني قال: "سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول:" "من كانت له ثلاث بنات فصبر عليهن وسقاهن وكساهن من جِدَته (أي: ماله) كنّ له حجاباً من النار" [1] وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن ثوبان قال: قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم – "أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله، ودينار ينفقه الرجل على دابته، في سبيل الله، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله" [2] قال أبو قلابة: "وبدأ بالعيال، ثم قال أبو قلابة: وأي رجل أعظم أجرا من رجل ينفق على عيال صغار، يعفهم أو ينفعهم الله به، ويغنهم" . وقد بينت مدونة الأسرة أن نفقة الأب على أبنائه تستمر إلى حين بلوغهم سن الرشد، أو إتمام الخامسة والعشرين بالنسبة لمن يتابع دراسته، وأن لا تسقط نفقتها في كل الأحوال إلا بتوفرها على الكسب، أو بوجوب نفقتها على زوجها، كما تستمر النفقة على الأبناء المصابين بإعاقة، والعاجزين عن الكسب. وإن ما نلاحظه اليوم من تقصير بعض الآباء في هذا الواجب الشرعي، ألا وهو واجب النفقة على الأبناء الذين لم يبلغوا سن الرشد والذين ليست لهم القدرة على الكسب، مما يؤثر على تربيتهم وتكوينهم وإعدادهم لتحمل المسؤولية. وإذا أردنا أن نستبين ذلك بشكل جلي، ما علينا إلا الاطلاع على عدد القضايا المعروضة على القضاء بشأن النفقة والرعاية المادية للأسرة، أمر يفرض علينا تكثيف الجهود لتدارك هذا الأمر الذي يهدد ركائز الأسرة وينذر بتفكك وانحلال عراها. --------- 1. رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده. 2. رواه الإمام مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب فضل النفقة على العيال والمملوك وإثم من ضيعهم أو حبس نفقتهم عنهم.