أكد العلامة الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن تبرع النساء بما هو زائد لديهن من لبن الرضاعة لصالح بنوك الحليب التي تقدمه بدورها للأطفال ناقصي النمو يعد من باب فعل الخيرات، مفندًا ما يقوله البعض من أن تلك البنوك قد تؤدي لاختلاط الأنساب. واعتبر العلامة القرضاوي أن احتمال زواج شاب وفتاة رضعا معًا من أحد هذه البنوك يعد أمرًا بعيدًا، وحتى إذا حدث ذلك فإنه لا تنطبق عليه أحكام الرضاع المحرمة، مشددًا على أن الرضاع في اللغة يعني: التقام الطفل للثدي بفمه وامتصاص اللبن منه، وهو ما لا يتحقق في هذه الحالة. وبالنسبة لبنوك المني، أشار القرضاوي إلى أن الأصل فيها هو المنع، لكن يباح أن يحتفظ بمني الرجل أو بويضة المرأة لضرورة طبيبة؛ من أجل إتمام عملية التخصيب، على أن يتم التخلص من المني أو البويضات المتبقية فور انقضاء الحاجة إليها. جاء ذلك خلال إحدى حلقات برنامج فقه الحياة الذي أذيع طوال شهر رمضان على قناة أنا الفضائية، وفيما يلي مقتطفات من الحوار: بنوك الحليب وكذلك بنوك المني، أمور استحدثت في هذا العصر، وأصبح لها رواج خصوصًا في الغرب، فما حكمها؟ بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا، وإمامنا، وأسوتنا، وحبيبنا، ومعلمنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد.. فإن بنوك الحليب هي مما استحدثه هذا العصر، ونشأت في بلاد الغرب، وهي لا علاقة لها بعمليات التلقيح الصناعي، إنما تتعلق بالمواليد الذين يولدون قبل أوانهم، أي في الشهر السابع أو الثامن من الحمل، ويسمون الأطفال الخديج، حيث يعانون نقصًا في النمو، ويحتاجون إلى أن يوضعوا في حضانات صناعية، لأن الأم لا تستطيع أن تعطيهم من لبنها، ودائمًا الأطباء حريصون على أن يرضع الطفل من الحليب البشري، والله سبحانه وتعالى أجرى في صدر الأم هذين العرقين، يدران لبنًا خالصًا دافئًا في الشتاء، باردًا في الصيف. إذن كيف يأتون بهذا اللبن؟ يطلبون التبرع من الأمهات، فبعض الأمهات عندهن فائض من اللبن، وبعضهن كثيرة الحليب، وعندها فائض، أو قد يكون طفلها توفي ومازال عندها لبن، وتستطيع من باب فعل الخير، أن تساهم في هذا. اختلاط الأنساب اللبن يتم تجميعه من نساء شتى، ألا يؤدي هذا إلى الاختلاط أو الريبة على الأقل في النسب؟ أي نسب؟ هذا اللبن يأخذه الطفل، ولا حرج في أن المرأة تعطي اللبن، وجزاها الله خيرًا، ولا حرج في أن الطفل يرضع من هذا اللبن، والخطر من هذه العملية أنه ربما عندما يأتي الولد للزواج قد تكون البنت التي سيتزوجها قد رضعت معه من هذا اللبن أو البنت تتزوج واحدًا رضع معها من هذه البنوك، وهذا احتمال بعيد جدًّا، وقد بحث هذا الأمر في المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في الكويت، وقدمت فيه بحثًا، انتهيت فيه إلى أنه لا حرج في إقامة بنوك الحليب إذا احتاج الناس إليها؛ لأن الخطر الذي يخاف الناس منه، وهو أن يتزوج الفتى من فتاة رضعت معه، هو احتمال بعيد. هذا الحليب يباع ويشترى أم فقط يكون تبرعًا؟ الأصل أن النساء يتبرعن به، لكن لو فرض أنه حدثت حاجة إلى هذه الألبان، فهذه البنوك يمكن أن تشتري اللبن، كما في عملية نقل الدم، فالتبرع هو الأصل، لكن لو فرض أن أحد المستشفيات احتاج إلى دم لعمليات جراحية، فلا مانع من أن يشتري الدم. ما حكم هذا المال المأخوذ من بيع اللبن أو من بيع الدم؟ بيع الدم فيه إشكال، لكن بيع اللبن ليس فيه شيء ؛ لأنه لا يعدو أن يكون استئجارًا للمرأة من أجل الإرضاع، بمعنى نستأجر المرأة ونعطيها أجرة من أجل إرضاع الطفل، فلا مانع من أن نشتري منها حلبة بحلبة أو مرة بمرة، لكن الفكرة الأساسية التي تقوم عليها هذه البنوك هي تبرع الأمهات، صاحبات اللبن. هل القائمون على المؤسسات التي تقوم برعاية هذه البنوك يمارسون عملاً خيريًا يثابون عليه؟ ذلك حسب النية، إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، ماذا ينوون بإقامة هذا العمل؟ وما هدفهم؟ إذا كان هدفهم هو مساعدة هذه المخلوقات الضعيفة التي تحتاج إلى اللبن؛ لأنه المكون الأساسي لغذاء الطفل في هذه الفترة، فهو عمل صالح من غير شك، ويجب أن يشجع، والإسلام يحرص على حياة الناس، وحياة الطفولة، بصفة خاصة، ونزل في إرضاع الطفل آية طويلة (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى المَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نُفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا) والإمام الرازي يقول إن هذه الآية من رحمة الله، فتفصيل كل هذا جاء لأجل هذا المخلوق وتوفير غذائه، وحتى لا يدخل تكايد الرجل والمرأة في الأمر، فالمرأة كي تكيد زوجها يمكن أن تترك ابنها يموت وهو محتاج إلى الرضاعة ولا تعطيه ثدييها، والله عني بهذا الأمر. هل هذا يدخل تحت قوله تعالى: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً)؟ نعم، هو إحياء لنفس من غير شك في مرحلة من أخطر المراحل، وهي مرحلة التكوين الأولى والتي إذا لم يجد فيها الإنسان غذاءه ضاع. ما المقصود بالرضاع، وما ضوابط الرضاعة الذي يحرم بها الزواج؟ أنا مع الأئمة الذين قالوا إن كلمة الرضاع في اللغة، أي لغة القرآن والسنة، إذا ذكرت تعني التقام الطفل للثدي بفمه وامتصاص اللبن من ثدي المرأة، وجمهور الفقهاء على غير هذا، إنما هذا مذهب الإمام الليث بن سعد، وهي رواية عن الإمام أحمد، وأيدها بعض العلماء وهو مذهب الظاهرية، وابن حزم يقول لا رضاعة إلا ما التقم بالفم، وبغير هذا لا يسمى رضاعًا، خصوصًا إذا أضفنا قوله تعالى في آية المحرمات، فالقرآن ذكر التحريم بالرضاعة بهذه الصيغة (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ) فالآية أثبتت الأمومة، فهل هذا البنك حدثت فيه الأمومة، وأنا في رأيي أن عملية الرضاعة لماذا حرمت؟ حرمت لأن الطفل حينما تأخذه المرأة وتضمه إلى صدرها وتلقمه ثديها، ليس فقط تطعمه اللبن، وإنما تطعمه مع اللبن الحنان، والعاطفة، والحب، وهذه المعاني التي أثبتت الأمومة، وليس مجرد رضعة. لعل البعض يقول لماذا لا نأخذ بالأحوط، ونخرج عن هذا الخلاف؟ أولاً قبل مسألة الأحوط، الإسلام هنا لم يحرم الزواج بأي رضاعة، ولكن جعل شروطًا، منها: أن يكون الرضاع في الحولين، فلا رضاعة بعد الحولين، وكذلك المقدار المحدد، فهناك من يحرم بالقطرة، مع أنه جاء في بعض الأحاديث أن الرضاع الذي يحرم هو ما أنبت اللحم وأنشز العظم، والمذهب الذي آخذ به هو خمس رضعات مشبعات. بنوك المني ننتقل إلى موضوع بنوك المني، وهذا أيضًا من مستجدات هذا العصر، هل ينطبق عليه نفس حكم بنوك الرضاعة؟ لا، الأمر مختلف طبعًا، فالأصل في بنوك المني هو المنع، فأخذ مني الرجل وتخزينه لا يجوز إلا لضرورة معينة، كأن تكون هناك مشكلة في قضية الحمل، أو أن يكون لدى المرأة مشكلة في تلقي الحيوان المنوي، ويضطروا لعمل ما يسمى أطفال الأنابيب، حيث يوضع الحيوان المنوي مع البويضة في أنبوب في الخارج، ولهذا إجراءات معروفة. كما أنه أحيانًا تؤخذ الحيوانات المنوية من الرجل وتجمد، وتؤخذ بويضات من المرأة وتجمد، حتى يأتي وقت معين لحدوث الالتقاء بين مني الرجل وبويضة المرأة، وحصول التلاقح. وهذا لابد أن يكون لضرورة معينة، وإذا تمت العملية فلا ينبغي أن يبقى هذا المني، فالمني يجمد للحاجة فقط، ومع اليقظة والحذر، فهذه الأشياء يمكن التلاعب بها، واحد يشتري منيا، أو امرأة تشتري منيًا ؛ لأنها تعرف أن زوجها لا يستطيع الإنجاب، كما أن الإهمال يمكن أن يؤدي إلى أن يختلط ماء رجل بماء رجل آخر، فتختلط الأنساب، ولذا فلابد من أن يتم ذلك تحت إشراف وبعناية وكل شيء يبقى محددًا بالضبط، ومحفوظًا في مكان أمين، وهناك ناس ثقاة يتولون مسئولية ذلك. إذن أنتم تجيزون هذا بالنسبة للزوج والزوجة، لكن ماذا لو تم الاحتفاظ بهذا المني وتم التلقيح ببويضة الزوجة بعد وفاة الزوج؟ لقد انقطعت العلاقة الزوجية بالوفاة، ومادامت انقطعت فلا يجوز أن نلقح المرأة بماء الرجل، أو نلقح البويضة، وإذا مات الرجل وليس له ولد، لا يصح أن نعمل له ولدًا. الخلق والخلق عبارتان مستعملتان معا يقال فلان حسن الخلق والخلق أي حسن الباطن والظاهر فيراد بالخلق الصورة الظاهرة ويراد بالخلق الصورة الباطنة وذلك لأن الإنسان مركب من جسد مدرك بالبصر ومن روح ونفس مدرك بالبصيرة ولكل واحد منهما هيئة وصورة إما قبيحة وإما جميلة فالنفس المدركة بالبصيرة أعظم قدرا من الجسد المدرك بالبصر ولذلك عظم الله أمره بإضافته إليه إذ قال تعالى (إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) فنبه على أن الجسد منسوب إلى الطين والروح إلى رب العالمين والمراد بالروح والنفس في هذا المقام واحد فالخلق عبارة عن هيئة في النفس راسخة عنها تصدر الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية فإن كانت الهيئة بحيث تصدر عنها الأفعال الجميلة المحمودة عقلا وشرعا سميت تلك الهيئة خلقا حسنا وإن كان الصادر عنها الأفعال القبيحة سميت الهيئة التي هي المصدر خلقا سيئا.