يقول عز وجل: "فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين وقل رب أنزلني منزل مباركا وأنت خير المنزلين" [المومنون، 28-29]. الآيتان تعليم قرآني لنوعين من الدعاء: أولهما: دعاء الحمد لقوله تعالى: "قل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين". والظلم أنواع ومراتب: أعظمها أن يشرك الإنسان في عبادته لله تعالى لقوله تعالى: "إن الشرك لظلم عظيم". ومن الظلم الاعتداء على حقوق الآخرين المادية والفكرية والأدبية. والتنجية من القوم الظالمين هي إنجاء من أذاهم ومن العيش بينهم؛ لأن الوجود بين ظهرانهم يقتضي مشاهدة ما هم عليه من كفر وما هم عليه من مناكر ومن مخالفات، وكل ذلك يؤذي بهذه الصورة أو تلك المؤمن في مشاعره وفي أحاسيسه وفي علاقاته الاجتماعية وفي احتكاكاته المختلفة. الإنجاء الإلهي من كل ذلك يستوجب شكر الله عز وجل وجميل الثناء عليه. قال الإمام ابن عاشور: "وهذا كالمحامد التي يعلمها الله محمدا صلى الله عليه وسلم يوم الشفاعة. فيكون في ذلك التعليم إشارة إلى أنه سيتقبل ذلك منه"[1]. والثاني: دعاء المسألة لقوله تعالى: "وقل رب أنزلني منزل مباركا وأنت خير المنزلين". فهذا تعليم من الله تعالى أيضا لدعاء السلامة من غرق السفينة. ويمكن للمتفقه لهذا التعليم أن يستنبط منه دروسا متعددة أهمها ما لأهمية المنزل المبارك من دور في حياتنا الفردية والجماعية وما له من أثر في تنمية إمكاناتنا المختلفة لقوله صلى الله عليه وسلم في هذا التعليم فهو سبحانه، كما بين الرازي: "خير من أنزل لأنه يحفظ من أنزله في سائر أحواله ويدفع عنه المكاره بحسب ما يقتضيه الحكم والحكمة"[2]. يتبع.. ————————————— 1. ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، ج: 18، ص: 47. 2. الرازي، مفاتيح الغيب، ج: 23، ص: 89.