شهادات وفاء في حق العلامة محمد المختار السوسي[1] انتقل محمد المختار السوسي إلى عفو الله ورحمته وهو في قمة المسؤولية كوزير مستشار بمجلس التاج وكقاض في القصور الملكية وكشخصية سياسية لعبت دورا هاما في ميدان النضال والتحرير السياسي، وكمواطن له خصوصيته التي انفرد بها. فقد كان المرحوم من حيث مكانته الاجتماعية في البلاد شخصية بارزة، ومع ذلك عاش حياة البساطة والنفور من المهابة والجاه والسلطة والاعتماد في حياته على الوضعية الاجتماعية التي اكتسبها في الأوساط الشعبية أثناء فترة الكفاح الوطني عندما كان يواصل علمه النضالي في ميادين التربية والتعليم والثقافة. وهذا التواضع الذي أصبح مضرب الأمثال عند العامة والخاصة والذي أكسب فقيدنا شعبية ومكانة جليلة. وكما كانت هذه البساطة تتجلى في فراش البيت وشكله وهيأته كانت تتجلى في المأكل والمشرب اللذين لا يخرج فيهما عن الضروري وما تهواه نفسه الراضية القانعة. والأستاذ يأبى حمل الثياب الفخمة التي يرتديها البعض رغبة في زيادة الاحترام والتعظيم وحبا في الظهور بمظهر المتكبر المتعجرف المتبختر في لباسه ومشيته وسلوكه مع الناس. فقد كان الفقيد عليما بقدره، فخورا بعلمه، معتزا بسلطان المعرفة والثقافة وكان يرى في ذلك كفاية له ويعتقد أنه حاز القسط الأوفر ما دام متوفرا على قلب خاشع ولسان مبدع وضمير مرتاح. ولم يكن تواضع العلامة مبنيا على الحصول على منفعة شخصية أو مصلحة فردية وإنما كان أساسه الإيمان العميق الصادق وجدارة محبة المخلوقات كافة والسعي في خير الجميع وصلاح الأمة بأسرها حتى إذا قبضه الله إليه ترك جميع الذين عرفوه يلهجون بالثناء الجزيل عليه ويذكرونه بكل خير لأنهم فقدوا فيه ذلك الرجل المتواضع الذي لم تغره الوظائف ولم يدوخه الجاه والسلطان الذي ولم يبعده المنصب مهما علا وسما عن البقاء على اتصال بالجماهير الشعبية والأوساط الثقافية وجماعات العلماء والشيوخ وحلقات التدريس وتلاميذه الكثيرون وطلبته العديدين لا لغرض دنيوي أو غاية سياسية أو قصد مادي أو انتفاعي كما يفعل بعض الكبار والعلماء والزعماء وإنما بغية إحياء الروابط وعدم ضياع الأصدقاء وفقد الإخوة والانفصال عن التيار الشعبي. وفي إطار هذا الجانب الأخلاقي يمكن إدراج روح الصبر والإصرار والمثابرة التي تحلى بها الأستاذ في ميدان النشر والتأليف. ولعل أكبر دليل على هذه الهمة العالية هو تحقيقه لبرنامج وضعه لنفسه في السنوات الأخيرة بأن صدر أولا سلسلة موسوعة "المعسول" بكامل أجزائها العشرين، ثانيا بعض المؤلفات المتعلقة بخواطره وجوانب حياته الخاصة ك"الإلغيات" و"الرسالتين" و"الترياق المداوي" و"من أفواه الرجال" و"سوس العالمة" و"من خلال جزولة"… إلى أخره. ومن أهم ما جاء في رثائه هذه الأبيات الرائعة: ربعت بفقدك دنيا العلم والأدب يا منبع الفيض والإلهام والخطب ما زلت تسبح في جو العلا تهما بالعلم والفضل حتى ملتقى الشهب فجاء "معسولك" الزخار منقبة تشع بعدك طول الدهر والحقب كشفت عن سوس علم ما أحاط بها من الحجاب فلاحت سوس كل أبي في العلم كنت وفي الأخلاق غيث هدى لم تلق من زائر إلا على طرب مازال بيتك للقصاد مأسدة تعج بالعلم والأخلاق والكتب طلابكم أسفوا والناس قاطبة من حادث جلل أودى بخير أب ومن يحاول وصف البحر في كلم بكل عن وشل والبحر في صخب فعش مع الأنبياء الغر في عدن شهيدنا المعيا غير معترب يتبع في العدد المقبل… —————————— 1. دعوة الحق. "المختار السوسي في ذمة الله…" العدد 65، ثم "جوانب فذة من شخصية المرحوم المختار السوسي" نفس العدد، و"عالم جليل في ذمة الله [المختار السوسي]، العدد: 66.