يقول عز وجل في محكم كتابه العزيز: "ونوحا اِذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم ونصرناه من القوم الذين كذبوا بأَياتنا إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين" [الاَنبياء، 75-76]. في الآيتين نداء واستجابة وتعليل. نداء نوح هنا هو دعاؤه بالنصر على المكذبين من قومه. وهو ما يحكيه القرآن المجيد في قوله تعالى: "وقال نوح رب لا تذر على الاَرض من الكافرين ديارا" [نوح، 28]، وفي قوله: "ولقد نادينا نوح فلنعم المجيبون" [الصافات، 75]، وفي قوله: "فدعا ربه أني مغلوب فانتصر" [ القمر، 10]. والاستجابة متمثلة في أمرين: أولهما أن الله تعالى نجى نوحا وأهله من الكرب العظيم[1]، والأمر الثاني أن الله تعالى نصره على قومه لقوله: "فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم ونصرناه من القوم الذين كذبوا بأَياتنا" ولقوله: "ونجيناه وأهله من الكرب العظيم وجعلنا ذريته هم الباقين"، ولقوله: "فأنجيناه وأصحاب السفينة". إن المقصود بالأهل أهل بيته عدا أحد بنيه الذي كفر به. وقيل إن المقصود بأهله هم أهل الإيمان من ولده[2]. أما التعليل فواضح في قوله: "إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين"، فقد وصفت الآية القوم بالموصول للإيماء إلى علة غرق هؤلاء المكذبين. فلما كانوا قوم سوء فقد نصر الله تعالى نوحا عليهم. ويتحصل من الدعاء والاستجابة والتعليل سنة من السنن الإلهية التي ينطوي عليها القرآن الكريم، مفادها أن النجاة والنصر مسبوقان بالاستقامة كما أن الهلاك والهزيمة مسبوقان بالاعوجاج والانحراف عن الجادة. ———————————- 1. الكرب العظيم الغرق بالطوفات التي تتلاطم أمواجه كأنها الجبال العظام لقوله تعالى: "وهي تجري بهم في موج كالجبال" [هود، 42] ينظر الشنقيطي في أضواء البيان ج: 4، ص: 169، والكرب العظيم هو أيضا شدة الغم. 2. نفسير الطبري ج: 17- ص: 50، والمحرر الوجيز لابن عطية، ج: 4- ص: 90. وتفسير التحرير والتنوير لابن عاشور ج: 17 ص: 113.