حجية قول الصحابي قبل الحديث عن حجية الصحابي وذكر الخلاف الحاصل فيه بين العلماء لابد من تحرير محل النزاع، وتحديد أصناف قول الصحابي، حتى يسهل علينا فهم الخلاف الدائر بين العلماء ومدركاته. أولاً : قول الصحابي فيما لا مجال للرأي فيه، كمسائل التوحيد والإيمان وتحديد المقدرات من العبادات والثواب والعقاب والكلام على المغيبات الماضية والمستقبلة، فحكمه حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن يكون الصحابي يأخذ عن أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم فعندها لا يكون حكمه حكم المرفوع. ومن أمثلة ذلك حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين قالت: "فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر "وقول ابن مسعود رضي الله عنه: "من أتى ساحراً أو عرافاً فقد كفر بما أنزل به محمد صلى الله عليه وسلم". ثانياً: قول الصحابي إذا انتشر بين الصحابة ولم يعلم له مخالف، فهو إجماع سكوتي وهو حجة. ويمكن معرفة هذا الانتشار بأحد الوجوه التالية: 1. أن القائل به أو الفاعل له ممن يرجع إليه كالخلفاء الأربعة. 2. أن يكون موضوع القول أو الفعل شائعا لا يخفى مثله في الغالب، لأنه يتعلق بعموم المسلمين كما حصل من جمع عمر بن الخطاب الناس في صلاة التراويح على إمام واحد. 3. أن يكون القول أو الفعل صدر من الصحابي في جمع كبير بحيث يكون مشهورا مثل الحج وصلوات العيدين والاستسقاء والجمعة[1]. ثالثاً: قول الصحابي لا يكون حجة على غيره من الصحابة باتفاق[2]. رابعاً قول الصحابي إذا وافقه بقية الصحابة، لكنه لم ينتشر، ففيه خلاف. خامساً: قول الصحابي إذا وافقه دليل من الكتاب أو السنة أو الإجماع فهو حجة باتفاق، وفي الحقيقة أن الحجية في هذه الصورة للدليل المذكور. سادساً :قول الصحابي إذا خالف دليلاً من الكتاب أو السنة أو الإجماع لا يكون حجةً عند أكثر أهل العلم، وتحت هذه الصورة تفاصيل كثيرة من قبيل مخالفة الصحابي للحديث النبوي الشريف. سابعاً :قول الصحابي إذا كان مخالفا للقياس، فكثير من العلماء يرى أنه حجة[3]. ثامناً: قول الصحابي الموافق للقياس أي يمكن أن يكون صادرا عن اجتهاد، إذا لم ينتشر، ففيه خلاف كبير بين العلماء[4]. تاسعاً: قول الصحابي إذا رجع عنه لا يكون حجة باتفاق كرجوع ابن عباس رضي الله عنهما عن القول بجواز ربا الفضل والمتعة؛ لأنه في حكم المنسوخ في حقه. عاشرا: قول الصحابي إذا خالفه غيره من الصحابة بقولٍ أو فعلٍ لا يكون حجة. إحدى عشر: قول الصحابي الاجتهادي الذي للرأي فيه مجال في المسائل التكليفية والذي لم يخالف نصاً أو إجماعاً، ولم يدل عليه دليل من نص أو إجماع، ولم يخالف دليلاً من نصٍ أو إجماع، ولم يوافقه غيره من الصحابة ولم يخالفوه لا بقول ولا بفعل ولم يرجع عنه ولم ينتشر بين الصحابة . يتبع في العدد المقبل.. —————————————— 1. المنهاج في ترتيب الحجاج، 139. 2. منتهى الوصول والأمل، 206، بيان المختصر، 3/275. 3. البرهان، 2/1361، أصول السرخسي، 2/110، الإحكام في أصول الأحكام، 4/201. 4. ينظر، إجمال الإصابة في أقوال الصحابة، 35، جمع الجوامع مع شرحه للمحلي، 2/354-355.