[قول الصحابي] 5- تقديم قول الصحابي على القياس وهي مسألة اختلف فيها العلماء إلا أن مالكا ذهب إلى تقديم قول الصحابي على القياس[1]؛ لأن قول الصحابي لما لم يكن له وجه في القياس، وكان طريقه الاتفاق أو التوقيف، عُلم أنه لم يثبت ذلك إلا من جهة التوقيف[2]، "إذ لا مجال للعقل في ذلك، وإن كان له فيه مجال لكنه عدل عما يقتضيه القياس، فعدوله عنه إنما يكون لخبر عنده فيه، وإلا يلزم أن يكون قائلا في الدين بالتشهي من غير مستند، وذلك يقدح في دينه وعلمه ولا ينبغي المصير إليه فيتعين اتباع قوله"[3]. وتجدر الإشارة أن مقصود الأصوليين في القياس هنا هو القياس المصطلح عليه، أما إذا خالف قول الصحابي القياس بمعنى القواعد والأصول الشرعية، فلا عبرة بقول الصحابي في مقابل القياس عند مالك بدليلين: الدليل الأول: دليل الأولى، وهو أن مالكا لا يقدم خبر الواحد على القياس، مع العلم أنه صحيح النسبة للنبي صلى الله عليه وسلم، بمعنى أن رأي مالك سيتجه نحو عدم تقديمه لقول الصحابي على القياس من باب أولى. الدليل الثاني: ثبت في فقه مالك أنه أورد أقوال صحابة وأفعالهم ولم يعمل بها؛ لأنه يراها مخالفة للقياس بمعنى القواعد والأصول، ومن أمثلة ذلك رده لقضاء عمر رضي الله عنه في تضعيف القيمة عند الإتلاف، لمخالفته لقاعدة شرعية، وهي أن ضمان الشيء يكون بقيمته من غير تضعيف، وكذلك رده لقضاء عمر في الإلزام بمرور الخليج في أرض شخص بغير رضاه، لمخالفته لقاعدة شرعية، وهي أن الانتفاع بمال الإنسان لا يجوز إلا برضاه"[4]. يتبع في العدد المقبل.. —————————– 1. وقد نص على ذلك مجموعة من الأصوليين، ينظر: الإحكام في أصول الأحكام، 4/201. 2. ينظر العدة في أصول الفقه، 4/ 1196. 3. إجمال الإصابة في أقوال الصحابة، صلاح الدين خليل بن كيكلدي بن عبد الله العلائي، تحقيق: محمد الأشقر، جمعية إحياء التراث، الكويت، ط1، 1407ه- ص: 73. 4. أصول فقه مالك أدلته النقلية، 2/1143.